بعد دخول حالة الطوارئ أسبوعها الثالث، راسلت عدد من الهيئات الحقوقية رئيس الحكومة تحثه على احترام حقوق الإنسان وإعمال مبدأ سيادة القانون، واعتبرت الهيئات الحقوقية أن الإجراءات التي اتخذها المغرب هي من صميم واجب الدولة تجاه المواطن، وواجب على هذا الأخير الالتزام بها، غير أنها سجلت أنه في بعض الأحيان كانت هناك تجاوزات التي وصفتها بالمرفوضة وتحيل صاحبها على القضاء. وسجلت الهيئات الحقوقية أنه “لوحظ، أن بعض الممارسات التي قامت بها السلطات الأمنية، و«التأويل» الذي أعطي لتطبيق التوجيهات من أجل تفعيل مضمون المرسومين «بالحزم والصرامة»، سواء التعليمات الصادرة من وزارة الداخلية أو من رئاسة النيابة العامة، قد خرجت عن نطاق الحرص على تطبيق القانون وبلغت مرحلة الاعتداء على القانون أحيانا، من خلال ضرب بعض المواطنين والمساس بسلامتهم وبصحتهم”، مشددة على أن “هذا الأمر مرفوض في دولة القانون التي لم تعلق العمل بالدستور وبأحكامه، لأنه لا علاقة بين هذه الممارسات وبين فرض طاعة القانون ومنع عصيانه بمقتضيات القانون نفسه، التي تخول مكافحة الجريمة ومتابعة ومعاقبة الجانحين طبقا لقواعده وتقيدا به دون غيره”. وترى الهيئات الحقوقية أنه “ليس من المشروعية في شيء أن تسمح أي سلطة لنفسها أو أن تعطي تعليمات لغيرها من أعوانها وتحت أي ذريعة كانت أن تمارس العنف، بدلًا من الدفاع عن النظام العام بواسطة القانون دون غيره من الوسائل غير القانونية التي تُساءل عنها السلطة إداريا، سواء مساءلة سياسية بما فيها البرلمانية، أو مساءلة قضائية من القضاء الإداري. ويفرض عليها تعويض ضحايا ممارساتها، وكل ذلك تطبيقًا لقاعدة عدم الإفلات من العقاب المعبر عنها في الدستور بالمسؤولية والمحاسب”. وشددت الهيئات الحقوقية على أن احترام ضمانات المحاكمة العادلة كحق للموقوف لا تخضع لحالة الطوارئ. وهي من جهة، ضمانات يجب توفيرها مند التوقيف، ومن جهة أخرى، بحكم عدد الموقوفين المضمن ببلاغ النيابة العامة وعدد المتابعين في حالة اعتقال، يجعل من الصعوبة، في ظرف حالة الطوارئ، إيجاد محام وتوفير شروط العلنية بالمحاكم، وأحيانًا ممارسة القضاة أنفسهم لمهامهم في أجواء بعيدة عن أي شعور بالضغط ودون تأثير. ودعت المراسلة رئيس الحكومة أن يحرص على تقييد جميع السلطات والمؤسسات والقوات العمومية في ممارسة مهامها وإعطاء أدوارها باحترام حقوق الإنسان بشموليتها في ظرف الأزمة الصحية العامة، لأن المؤسسات الدستورية بكل مرافقها عليها أن تمارس صلاحياتها العادية في ظل أحكام الدستور، وهذا من شأنه أن يرفع درجة الإحساس بالمسؤولية من قبل المواطن واتجاه المجتمع. كما دعت رئيس الحكومة للخروج علنا لإبلاغ الرأي العام رسميًا وبواسطة وسائل الإعلام رفضه وتشدده في منع كل انفلات أمني مهما كان حجمه، قد يؤدي إلى الاعتداء على سلامة أي مواطن بأي شكل كان، في علاقة مع تطبيق التدابير المتعلقة بضمان الحجر الصحي وتدبير الأزمة المتعلقة بمحاربة الوباء كما جاء بها المرسومان المذكوران سابقا. وفي الشأن ذاته، طالبت الهيئات الحقوقية رئيس الحكومة بإعطاء التعليمات الواضحة والسريعة للمسؤولين، وخصوصا لوزارة الداخلية وللمؤسسات المكلفة بالأمن العام، بضرورة احترام المواطن ومعاملته معاملة تحمي كرامته، مع تفادي المس بسلامته البدنية، وعدم الغلو في أساليب فرض احترام الضوابط القانونية باستعمال العنف وبضرورة اللجوء عند الاقتضاء للمساطر القانونية المتاحة ضد المخالفين والجانحين. كما شدد المصدر ذاته على نشر الاطمئنان بين المواطنين، وعدم استغلال المجهودات التي تقوم بها السلطات من أجل شرعنة التجاوزات، لكيلا تنقلب مجهودات محاربة فيروس كورونا، لعكسها، إلى إجراءات وممارسات تمس الحريات بشكل غير متناسب مع ما يسمح به القانون والمصلحة العامة، لأنه ليس من المصلحة العامة ولا من مصلحة المغرب أو من مصلحة مواطنيه ومواطناته أن تستقوي أي سلطة على القانون لتعاقب الناس بالشارع العام في دولة فيها سلطة قضائية تملك سلطة المحاكمة والعقاب المشروع. وذكرت الهيئات الحقوقية بأن السلطات العمومية مقيدة دستوريًا بضمان حقوق الإنسان، ومسؤولة إداريا عن كل إخلال أو مساس بها، بل تتحول المسؤولية الإدارية أحيانا لتصبح مسؤولية جنائية إن اكتسى نشاط الإدارة والمسؤولين بها وممارسات الشخص العام أعمالًا تتجاوز تطبيق القانون لتصبح أفعالا معاقبا عليها بمقتضى القانون الجنائي، مثل المس بسلامة الأشخاص البدنية التي حرم الدستور ممارستها طبقا للمادة 22 منه في أي ظرف كان ومن أي جهة كانت. كما أشارت المراسلة إلى أن المغرب طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وخصوصا المادة الرابعة منه، التي تنص على أنه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.