لا بأس بعد أكثر من 13 سنةً أن نرفع الحظر عن بعض المعلومات والمعطيات التي كانت مخفية تحت شعار البيوت أمانات. ونبدأ بكواليس البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، يوم السابع غشت 2007 بخصوص فؤاد عالي الهمة، ورد في نصه: تلبية لرغبته في الترشح للانتخابات التشريعية، لكي يساهم في النهوض بمنطقته، وقد تحرر من سائر القيود والمسؤوليات الرسمية. وهو ما يعني أن الملك محمد السادس أعطى موافقته وسمح لصديق دراسته فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية أنداك لكي يخرج من المربع الملكي ليمارس العمل السياسي كمرشح مُستقل في دائرة الرحامنة، مسقط رأسه. خبر هز أركان الدولة وزعزع سياسييها وموظفيها على حد سواء. وراجت روايتان آنداك أُولاهما أن غضبة ملكية وراء طرد الهمة من المربع الملكي. والثانية أن القصر يريد ممارسة السياسة من الخارج ويحكم قبضته على الأحزاب. بدأ فؤاد عالي الهمة رحلته السياسية بهواجس مملوءة بالخوف والتردد وحتى الارتباك أيضا خشية المجهول. وأذكر أن فؤاد عالي الهمة هو نفسه من أسر لي وقتها على هامش دردشة ودية معه. “أعرف أني أخوض طريقًا نحو المجهول بدون ضمانات لكن أعرف جيد أيضا أني إذا تلقيت أي طعنة فستكون من داخل دار المخزن وليس من خارجها”، هكذا قالي لي فؤاد بالحرف. وانطلقت الرحلة بترشح الهمة للإنتخابات التشريعية سنة 2007 بلائحة مستقلة، اكتسح الساحة وفاز بالمقاعد الثلاثة. وبسرعة البرق أسس الهمة فريقا نيابيا جديدا أطلق عليه اسم “الأصالة والمعاصرة”، حيث بلغ عدد نوابه 36 نائبا مكونا من سبعة أحزاب صغيرة، ومن نواب آخرين انسحبوا من أحزابهم السابقة ليلتحقوا بفريق الهمة بصفتهم مستقلين وبلا انتماء سياسي. لم تستسغ الأحزاب السياسية برمتها معارضة وحكومة ذلك فدفع الوزير الأول الإستقلالي عباس الفاسي الذي كان يقود الحكومة آنذاك بوزير الداخلية شكيب بنموسى ليشهر المادة (05) من قانون الأحزاب المغربي التي تنص على منع انتقال النواب من حزب إلى حزب أو ما كان يعرف أنذاك بالترحال السياسي، حيث اعتبرت وزارة الداخلية فريق الهمة النيابي غير قانوني. ثارت ثائرة الهمة وهدد بالإستقالة الجماعية لفريقه البرلماني. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الهمة غضب على بنموسى حتى أنه قال لي شخصيًا بحضور برلمانيي الفريق بمنطقة العرجات “في عهدي، لم يكن شكيب بنموسى وزيرا حقيقيا للداخلية، ومع الأسف أيضا لم يستطع أن يصبح وزيرا حقيقيا للداخلية حتى بعد خروجي من هذه الوزارة”. الهمة أضاف أيضا “أن شكيب بنموسى ورغم أنه وزير سيادة إلا أن الذي يتحكم هو عباسي الفاسي”. وموازاة مع كل هذا، أسس فؤاد عالي الهمة حركة لكل الديمقراطين في يوم 10 يناير 2008 من مختلف الأحزاب ومشارب سياسية متعددة. بدأ الهمة جولته بهذه الحركة باحثًا عن مكامن خلل الأحزاب وأسباب فشلها في لعب دور الوساطة وتفشي ظاهرة العزوف الانتخابى وإعداد وبلورة مشاريع قدمتها الحركة للأحزاب السياسية لكن الذي وقع أن العديد من الأحزاب رفضت التعامل مع الهمة ومع حركته ومع فريقه النيابي على حد سواء. نضجت فكرة إنشاء حزب يحمل نفس الإسم الذي أطلقه الهمة على فريقه النيابي المستقل، وقامت جهة عليا بإختيار لهذا الحزب الناشئ رمز “التراكتور” كشعار لها تيمنًا بعملية التويزة التي كان يقيمها الملوك الثلاثة بالمغرب. كانت الولادة الرسمية للأصالة والمعاصرة في 8 غشت 2008 في فترة حرجة وصعبة فاجأت الجميع بعد أن ساد الاعتقاد أن الهمة ليست له نية في تأسيس حزب. ولأن الحزب في البداية كان مستهدفًا من طرف أكثر من جهة بما فيها أطراف من داخل الدولة وبعض موظفيها السامين خاصة بعد أن قال الهمة إن حزبه سيشتغل في الساحة ندا للند مع أي مسؤول في الدولة نفسها وبشكل مغاير، فقد وقع الاختيار على شخصية تحسن الهجوم والجدل والسجال هو حسن بنعدي ليكون أول أمين عام للحزب. وبالفعل، فالكل يتذكر ذلك الحوار التلفزي الناجح لحسن بنعدي بالقناة الأولى مع الصحافي مصطفى العلوي. وهو الحوار الذي أخبر فؤاد عالي الهمة بنعدي بأن الملك محمد السادس سيتابع أطواره. وبالطبع هناك تفاصيل أخرى قد نعود إليها في القادم من الأيام أو عندما يسمح السياق السياسي بذلك. في فبراير 2009، عقد حزب الأصالة والمعاصرة مؤتمره الأول وانتُخِب محمد الشيخ بيد الله أمينًا عامًا للحزب خلفًا لحسن بنعدي. بعد نجاح أول مؤتمر للحزب' سيتصل الملك بالهمة لتهنئته وأيضا لتهنئة محمد الشيخ بيد الله قبل أن يخصه باستقبال ملكي فيما بعد وذلك لإعطاء دفعة قوية للحزب لتبوؤ الصدارة في الانتخابات الجماعية ل 2009. استقبال الملك لمحمد الشيخ بيدالله عقب انتخابه أمينًا عامًا للبام خلق جدلا واسعا وسط باقي الأحزاب ووسط الرأي العام لأنه كان حدثًا يقع لأول مرة. لكن هذا الحدث سيتحول إلى عرف سياسي مع جميع الأمناء العامين الجدد في باقي الأحزاب السياسية الأخرى. إلاّ أن هذا العرف هو بدوره وضع القصر في مأزق مع الأمناء العامين الجدد على رأس الأحزاب الراديكالية التي قد ترفض استقبال الملك محمد السادس لأمينها العام المنتخب وهو ما يعتبر حرجًا. وفعلًا فلم يسبق لهذه الأحزاب الراديكالية عقب ومؤتمراتها الوطنية أن طلبت لقاء مع الملك أو استقبالها في مناسبة من المناسبات. ولهذا السبب بالتحديد، تضمن بلاغ الديوان الملكي حول استقبال بيد الله عبارة “بطلب منه” وهي فكرة اقترحها فؤاد عالي الهمة شخصيًا. وهكذا جاء بلاغ القصر بهذه الصيغة: “استقبل الملك محمد السادس السيد محمد الشيخ بيد الله بمناسبة انتخابه أمينًا عامًا لحزب الأصالة والمعاصرة بطلب منه”. لنعد الآن إلى سؤال عنوان المقال والضبط إلى الأمين العام الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة صديقنا ورفيقنا اليساري الأخ عبد اللطيف وهبي لنتساءل هذه الأسئلة: فهل سيطلب وهبي لقاء الملك؟ وهل سيستقبل الملك محمد السادس عبد اللطيف وهبي عقب انتخابه أمينًا عامًا أم أن القصر سيكتفي ببرقية التهنئة لا غير؟ فالقصر صاحب مفاتيح حزب البام الذي كان يعتمد على هذا الحزب في ضبط المشهد السياسي وتوازنه لأن إدارة البلاد تحتاج إلى هذا الضبط خشية أن تخرج الأمور على السيطرة وخشية أن يصيح المشهد السياسي تحت رحمة فاعل سياسي بمرجعية إسلامية. ولهذا يجب أن نعترف على أن الحزب الأول في المغرب هو حزب القصر يليه بعد ذلك حزب المصالح الأجنبية بالمغرب. ثم يتشكل المغرب من أحزاب الأغلبية المنفذة للاستراتيجيات والتوجيهات الملكية التي يوجهها الملك للحكومات المتعاقبة لتنفيذها، إلى جانب المشاريع الملكية الكبرى. ثم تأتي أحزاب المعارضة التي تسبح في نفس الفلك. كل هذه الأحزاب تنعتها الأحزاب اليسارية الراديكالية بأنها تؤثث المشهد السياسي وتزكي الاختيارات الملكية وأن هذه الأحزاب لا تحكم. هذه الأحزاب الراديكالية تعتبر نفسها تعارض الحكم لا الحكومة. فأقل هذه الأحزاب التي تشكل اليوم فدرالية اليسار تقول أنها لن ترضى بأقل من ملكية برلمانية. أما عن حزب النهج الديمقراطي فهو أكثر راديكالية من غيره يُؤمن بالجمهورية ويعتبر أن النظام الملكي غير قابل للإصلاح ولا يجوز إلا بزواله. أما جماعة العدل والإحسان فهي تعتبر النظام السياسي القائم منتوج خالصًا للحكم الجبري الذي أخذ السلطة بالقوة بدأ مع معاوية ابن ابي سفيان. فالحل بالنسبة للجماعة ليس هو إصلاح هذا النظام من داخل مؤسساته، بل إن الحل هو ثوبة رأس الدولة ثوبة “عمرية”، أو الزحف عليه في أُفق اقامت نظام حكم الخلافة على منهاج النبوة وفق ما جاء في رسالة عبدالسلام ياسين الموجهة للملك الراحل الحسن الثاني الإسلام أو الطوفان. فأي طريق سيسلك وهبي. إذا كان وهبي قد قرر القطع مع المخزن فالمخزن على رأسه الملك ولا يحرك مقربيه ساكنًا إلاّ بإذنه، وقد وقفت عن ذلك شخصيًا وعاينته عن قرب. فالهمة كان على اتصال دائم مع الملك ويستشيره في كل صغيرة وكبيرة. فكرة مواجهة تغول المد الإسلامي كان وراءها الملك شخصيا لأنه هو أول من استهدف بهذا التغول عندما نزعت عنه حركة التوحيد والإصلاح أو الجناح الدعوي لحزب البيجيدي رداءً إمارة المؤمنين. ونقصد هنا تصريح رئيس الحركة وقتها أحمد الريسوني الذي قال إن الملك شاب غير متزوج ولا يتوفر على الأهلية العلمية لإصدار الفتوى ولا تتوفر فيه أيضا مقومات أمير المؤمنين. وهو التصريح الذي قاد إلى أكبر أزمة سياسية بين الدولة وبين حزب العدالة والتنمية ولم تضع أوزارها إلا بطرد الريسوني من رئاسة الحركة وترحيله إلى السعودية. كما أن فؤاد عالي الهمة مالك الحزب ومؤسسه قال في أول خروج إعلامي له على شاشة القناة الثانية بصريح العبارة: “لقد جئنا لمحاربة الإسلاميين”. أي ان حزب الأصالة والمعاصرة جاء بهدف مقدس وهو وقف المد الإسلامي واعتبار التحالف معهم خطًا احمر. ومع ذلك، فقد اعتبر وهبي كل هذا الذي قيل عن الإسلاميين هو مجرد نصب سياسي. فهل وهبي كان على علم بكل هذه الحقائق أو أنه هو بدوره يمارس النصب على الحزب ومالكيه. وهبي يقول أيضا إنه يريد فك ارتباط الحزب مع الدولة دون يسمي الأشياء بمسمياتها لأن المقصود هنا هو فؤاد عالي الهمة وخلفه القصر. وفك الارتباط مع الهمة سيقود حتمًا معظم البرلمانين إلى فك الارتباط مع هذا الحزب الذين جاؤوا إليه من أجل أن يخطبوا ود القصر. وربما قد يتلقى هؤلاء البرلمانيون إشارة من القصر قصد الالتحاق بحزب آخر لخلق التوازن السياسي المطلوب مع الإسلاميين. والهمة له مقولة شهيرة قال فيها لبعض اليساريين داخل الحزب قبل تسع سنوات بعد أن أرادوا أن يجعلوا من البام حزبًا يساريًا: «أنا لا يمكن لي أن أجمع الناس ثم تأتون لتلقوا عليهم شعاراتكم، ولو كان ممكنا أن تنجحوا في ذلك لنجحتم مع أحزابكم اليسارية التي جئتم منها”. لكن يبقى أخطر ما قاله وهبي هو اعتباره إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف إسلاما سياسيا لا يختلف عن الإسلام السياسي الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية. ولم تقف الأمور عند هذا الحد ذلك أن وهبي ختم خرجاته الإعلامية عقب فوزه بالأمانة العامة للحزب بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي الريف وإقفال هذا الملف نظرًا لوجود أخطاء. وكان على وهبي أن يتحدث إلى الملك بلغة الاستعطاف وليس بلغة المطالبة والطلبات كما لو أن البام بوجود وهبي على رأسه قد أصبح قوة ضاغطة. والواقع أن وهبي كان عليه أن يتضم إلى العديد من الأحزاب والهيئات الحقوقية والمدنية التي تقدمت بطلبات العفو على معتقلي الريف عوض الدخول في المزايدات. في شتى الأحوال وعلى سبيل الختم، فكل تحركات وهبي وخطاباته كانت بمسحة يسارية محضة رأى فيها البعض أن وهبي بطلً قوميً ومعارض جديد للدولة حتى أن العديد من الناس أصبحوا يفكرون في الالتحاق بالحزب، فيما آخرون ينوون التصويت علئ البام في الاستحقاقات القادمة إذا لم يحرر وهبي طلبًا للقاء الملك لتلقي التوجيهات. أما إذا التمس وهبي لقاء الملك خلافا لكل تصريحاته وتحركاته الداعية إلى فك الارتباط مع الدولة، فعلى الرفيق وهبي ألا ينتظر أن يستقبل استقبال الأبطال وإنما عليه أن ينتظر من القصر التقريع ولا شيى غير التقريع.