في محطة الطاكسيات بشارع “البرانس” لم يكن الجو ينذر بأي تقلب جوي حتى سقطت قطيرات من المطر، فتحرك المتجولون في الشوارع في اتجاه محطات سيارات الأجرة الكبيرة، التي رفضت أن توصل الناس إلى وجهاتهم. وهناك بالقرب من شارع الأمير مولاي عبد الله، المعروف ب “البرانس” عرقلة دائمة بسبب حشد البيضاويين، الذين يحاولون تصيد فرصة للحصول على مكان في “الطاكسيات”، وثمة رجل ضخم، كثير الصراخ، يحاول إبعاد الزبائن عن “الطاكسي” حتى يتصيد هو الآخر دريهمات من السائق، ثم يعلن وجهته “الكاراج الكاراج…” ويبدو الناس، على الرغم من سخطهم على سيارات الأجرة الكبيرة، في سباقهم لركوبها كأنهم في “مراثون”، اجتمع فيه النساء، والرجال، والأطفال، والشيوخ، فيما يلعن الباقي حظهم، وطول الانتظار، بينما أعربت تلك السيدة، التي تحمل كيسها البلاستيكي، عن سخطها وغضبها من سائق “الطاكسي”، صارخة: “زدتو فيه حنا لي هابطين لعين الشق نبقاو منشورين هنا؟”، وليست وحدها من صرخت، بل تلك الشابة، التي ظهر على ملامحها غضب طفولي، أيضا، تصرخ ملء فمها “لا عين الشق، لا سباتة، زدتو فيه.” إن محطة “الطاكسيات” هذه غريبة، كما همست سيدة في أذني، وقالت “كاع المحطات منظمة إلا هاد المحطة، البوليس كاينين وما كيتحركوش ينظمو هادشي”. بالفعل، فلا يخفى على أي شخص يمر من المكان أشكال الاحتجاجات اليومية، التي تعرفها المحطة، إذا لم نقل احتجاجات على مدار كل ساعة، لا يخمدها إلا العياء، أو رجال الأمن، الذين يقولون “ما يمكنش لينا نفرضو على مول طاكسي الوجهة لي غادي ليها”. باتت الملاسنات، والاحتجاجات الكثيرة في هذه المحطة كعرض مسرحي يرافق كوب القهوة المسائي لرواد مقاهي “البرانس”، الذين فوجئوا هم الآخرون بفصل جديد لهذه المسرحية، بعدما منعت السلطات توقف سيارات الأجرة بالمحطة المعروفة، وأجبرتها على التوقف في الشارع المقابل، إلا أن سائقيه هذه السيارت تمردوا، فلم يعودوا يتوقفون بالمنطقة بتاتا، تاركين الزبائن لألطاف الحافلات المهترئة، أو سيارات الأجرة الصغيرة، التي ترهق عداداتها جيب المواطن البسيط. “سيري للشارع الفوق باش تشدي طاكسي”، أجاب الشرطي سيدة بعكازين، تكاد تتحرك من مكانها، وما كاد الرجل يرمش بطرف عينيه حتى صرخت المرأة: “ما بقيناش فيكم، شوفو غا حالتي كيف بغيتيني نوصل لآخر الشارع ناخذ الطاكسي بزز ما وصلت لهنا”. وما لبث أن حدثها الشرطي حتى اتكأت على عكازيها، وذهبت وهي تنعل يومها. وهناك في الشارع المقابل، وقفت السيدة المسنة خاوية الوفاض، بعدما وصلت بشق الأنفس للمكان المنشود؛ مرت ساعة، ولم يتوقف أي طاكسي، سوى اثنين أو ثلاث، ولا تزال المرأة واقفة في مكانها حتى سقطت مغشيا عليها، ليوقظها مواطنون، أعياهم الانتظار كذلك، إذ رشفة ماء أيقظتها، فصرخت بصوت مبحوح: “حرام هادشي والله حتى حرام، صحاب الطاكسيات طغاو”، وإلى جانبها اجتمع أربعة شبان، وأوقفوا سيارة أجرة صغيرة، حملوها إليها بعناية، ثم مدوا ورقة نقدية لسائقها، وطلبوا منه أن يوصل المرأة إلى وجهتها. لقد أصبح الحصول على مكان بطاكسيات “البرانس” مستحيل، يقول الزبائن، وأضاف أحدهم: “خاصك تمشي واحد ربع ساعة حتال شارع رحال المسكيني عاد شوف تشوف تلقا شي طاكسي”. وقال سائق طاكسي: “ما يمكنش لي نوصلهم لعين الشق أو سباتة بستة دراهم ونص، الطريفة قليلة وليصانص غالي”. وفي شارع رحال المسكيني، في حدود الخامسة مساء، حيث موعد انتهاء دوام الموظفين، والطلبة، يعلو المكان صوت منبهات السيارات، وصراخ البيضاويين، الذين ينتظرون سيارات الأجرة الكبيرة “عين الشق… واش غادي لسباتة… وا ديما الكراج عيقتو…” سيناريو “البرانس” يتجدد، لكن الطاكسيات تتوقف عكس شارع مولاي عبد الله. لقد توقف طاكسي متوجه إلى “كراج علال” بشارع محمد السادس، لم يجد الزبائن المتوجهين إلى وجهات أخرى خيارا آخر سوى النزول في “الكراج”، ثم التشوير لسيارة أجرة ثانية لاستكمال طريقهم، فطاكسيات عين الشق، وسباتة شبه منعدمة، وتعريفة التنقل في هذه الحالة مضاعفة. وفي داخل سيارة الأجرة يسأل أحد الزبائن بنبرة عتاب “علاش ما بقيتوش كتوصلونا لعين الشق، وسباتة؟. يجيب السائق وهو يبلع دخان سيجارته “ايلا وصلتك لعين الشق أو سباتة بستة دراهم ونص، شنو انربح أنا ؟” واشتد النقاش بين السائق والزبون، وحاول كل منهما تقمص دور الضحية من الوضع الجاري، فالزبون يقول: “المغربي المخير لي كيشد طاكسي بيض يلاه مضارب مع السميك (الحد الأدنى للأجور) صعيب عليه يشد 2 طاكسيات”، ثم يجيبه السائق، وقد رمى بسيجارته من النافذة “ما يمكنش لي نوصلهم لعين الشق أو سباتة بستة دراهم ونص، الطريفة قليلة وليصانص غالي”. المهنيون يستنكرون جشع الطاكسيات يستنكر الكاتب العام للاتحاد العام لمهنيي النقل جشع سائقي سيارات الأجرة الكبيرة، إذ قال إنه لا يمكن القبول بهذا الأمر، فلا يعقل الزيادة في تعريفة التنقل بحجة غلاء البنزين، لأن لا دخل للمواطن في هذه الزيادة إنما المسؤولين. وأضاف نفس المتحدث أن هذا الوضع راجع إلى التسيب، الذي يقوم به المتطفلون على المهنة، وطالب السلطات المحلية باتخاذ إجراءات ضد هذا التسيب الذي لا يخدم المواطن أو السائقين المهنيين. ووصلت تعريفة التنقل في الطاكسيات إلى 10 دراهم، في وقت لا تتعدى فيه الخمسة دراهم من وسط المدينة إلى شارع محمد السادس، وستة دراهم ونصف من وسط المدينة إلى عين الشق، أو سباتة، وهو ما أغضب البيضاويين دون بادرة حل تلوح في الأفق من طرف المسؤولين المعنيين بالأمر.