أثارت تصريحات عبدالإله بنكيران القادحة في تشكيل لجنة بنموسى، لكونها لا تضم ممثلين عن التيار الإسلامي، جدلا واسعا بحيث أعادت إلى الواجهة المعركة المحتدمة بين المحافظين والعلمانيين، التي تعد من نتائج صدمة الحداثة التي هزّت المجتمع المغربي منذ القرن التاسع عشر، وأفرزت أزمة هوية يعكسها تمزق الفكر بين مرجعيات التقليد والحداثة، واضطراب القيم بين الأصالة والمعاصرة، إضافة إلى الوضعيات التي تؤثر سلبا على السلوك، كذلك، بتناقضاته التي لا تنتهي بين القول والفعل، بين المبادئ المعلنة والفعل اليومي الملموس. فهل الصراع بين المحافظة والتحديث معركة حقيقية فعلا؟ أم هو صراع مفتعل لحجب الصراع الحقيقي الذي يدور في الجوهر حول احتكار السلطة والثروة؟ المعطي منجب، مؤرخ وحقوقي، يقدم قراءة تؤكد على أن الصراع بين المحافظين والعلمانيين له وجهان: حقيقي ومفتعل. حقيقي، لأنه يُعبّر عن “خط انكسار” في المجتمع المغربي بين دعاة المحافظة، إسلاميين وغيرهم، وبين دعاة الانفتاح والتحديث ممن تأثروا بالثقافات الحديثة. لكنه مفتعل في الوقت عينه، حيث ظهر في الثمانينيات أن تعزيز التقليد من قبل الدولة يصب في مصلحة قوى جديدة تتمثل في الحركة الإسلامية، ما دفع السلطة إلى نهج استراتيجية اختلاق الصراع بين قوى الحداثة وقوى المحافظة، حتى تظل الفاعل المسيطر، ولمنع أي توافق بين المحافظين والحداثيين حول أي برنامج ديمقراطي. يعكس انزعاج الإسلاميين، ومن بينهم بنكيران، من لجنة بنموسى حول النموذج التنموي، حسب عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق وجدة، في العمق ازدواجية السلطة في تدبير التنافس بين القوى المحافظة والقوى العلمانية. ويؤكد بوغالم أن موقف بنكيران يعكس في النهاية إحساس الإسلاميين بأن السلطة ليست في أيديهم، رغم ترؤسهم للحكومة، وأنها موجودة في مكان آخر، لم يبلغوه بعد. فقد أعادت خرجة بنكيران، في نظر العديد من الباحثين والمهتمين، أزمة الثقة بين الحركة الإسلامية بالمغرب والقصر إلى واجهة الأحداث وإلى نقطة الصفر، وحملت في طياتها خفايا من صراع جديد، يطرح سؤالا مهما،هو هل باتت الدولة تخشى الإسلاميين بعدما تم إقصاؤهم من لجنة بنموسى؟ لا يتعلق الأمر، حسب عبدالصمد بلكبير، المحلل السياسي، بإبعاد إسلاميي بنكيران لوحدهم من لجنة بنموسى، بل إنه يتعلق، أيضا، ب”إبعاد لكل المكونات ذات المرجعية الإسلامية، وفي مقدمتهم علماء الدولة الرسميين، ولا يوجد من يمثل وجهة النظر الإسلامية“. لكن هذا السؤال يحيل في نظر بوغالم، على إشكالات بنيوية في مركز السلطة، تتمثل في الازدواجية بين مظهر مؤسساتي يوحي بأن كل شيء على ما يرام، وأن من تفرزه الانتخابات هو من يترأس الحكومة، وبين مخبر موازي يحتكر السلطة والثروة ويسعى إلى احتكار الدين أيضا. ويذهب بوغالم إلى أن اللجنة في ذاتها، علاوة على تشكيلتها، هي جزء من عملية تدبير للصراع حول السلطة والثروة، وفي هذا يقول: “إذا كانت لجنة بنموسى هي من ستعد النموذج التنموي للسنوات المقبلة، فلماذا الانتخابات إذن؟ وماذا تفعل الحكومة؟ وما المغزى من وجود أحزاب سياسية؟ ولماذا تصلح المؤسسات الدستورية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وغيره؟ محمد منار، أستاذ القانون العام وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض، يذهب إلى أنه “من الوهم الاعتقاد بأن السماح لحزب العدالة والتنمية بقيادة الحكومة منذ سنة2011، كان انعكاسا وتجسيدا لإرادة حقيقية لإشراك فعلي للإسلاميين في الحكم، فهذا الأخير لا يقبل الشراكة، حسب منار، والمخزن أحدث مؤسسات عصرية، لاقتسام السلطة وتوزيعها والفصل بينها، وعدم احتكارها من قبل جهة واحدة“. ويشدّد منار على أن الذي يستمع إلى بنكيران، يظن كأن ما حدث بخصوص اللجنة الملكية للنموذج التنموي فيه انقلاب على إشراك الإسلاميين، والاكتفاء فقط،بالحداثيين، “هذا غير صحيح، لم يكن هناك إشراك فعلي للإسلاميين في الحكم، ولكن فقط توظيف العدالة والتنمية لتجاوز مرحلة ضغط على النظام السياسي فرضها الربيع العربي، وهو الأمر الذي نجح فيه النظام إلى أبعد الحدود“. محمد جبرون، المهتم والعارف بشؤون الإسلاميين، قلّل بدوره من فرضية خشية الدولة من إخوان بنكيران، ف”الدولة المغربية تدبر الأخطار والتهديدات، وتحرصعلى توازنات دقيقة بين الفاعلين السياسيين الداخليين والخارجيين، واللجنة كما فهمنا من خلال الخطاب الملكي يُفترض أن تكون غير حزبية، وغير إيديولوجية...”. ومن ثم، فإن جبرون، يعتقد أن ملاحظة بنكيران مُبالغ فيها، ربما، هناك بعض الأسماء التي لها قناعات فكرية أو سوابق حزبية، لكنها كفاءات في مجالات معينة، والإسلاميون من هذه الناحية يعانون من مشكلة الكفاءات”. رأي يشاطره إدريس الكنبوري، والذي ينفي وجود أيعلاقة لصراع محتمل بين المحافظة والتحديث بما نعيشه في المغرب اليوم، و“بكل بساطة لأن معركة التحديث تُخاض بأدوات مختلفة عن هذه الأدوات“. ومن ثم، يؤكد الكنبوري أن “لجنة النموذج التنموي هي رد فعل من القصر على هذا الفشل. لذلك، انتقد الملك في السنتين الأخيرتين الطبقة السياسية والأحزاب، وأنا أظن أن تشكيل اللجنة أولا، وتكوينها من خارج الأحزاب ثانيا،معناه الحكم بالفشل على النموذج الحزبي القائم”.