حين نتحدث عن «النزعة السيادية» يحلو للكثيرين الاعتقاد أننا لا نقصد في أوروبا إلا تحكما في الواردات، ورفضا للانصياع لقواعد المجموعة الأوروبية. في الواقع، وإضافة إلى النزعة السيادية الاقتصادية أو السياسية الخالصة، من يدافعون عن هذه النزعة، في أوروبا كما في أماكن أخرى، يتحدثون بالدرجة الأولى عن رفض المهاجرين وبشكل أوسع رفض المسلمين. وليس هناك شيء أشد خطورة في المجتمع الفرنسي من ترك من ينددون بالوجود الإسلامي بلا عقاب، وتحويل انتقادات قانونية للإسلام، إلى عنصرية غير قانونية ضد الأفارقة والعرب. أولا، الخطابات المماثلة خاطئة. لا يوجد أي غزو إسلامي أو إفريقي لفرنسا. لا يشكل المهاجرون غير الأوروبيين، في المجموع الصافي السنوي، 450 ألف مهاجر كما يدعي المتطرفون، وإنما أقل من 185 ألف شخص، أي أقل من 0,5 في المائة من الساكنة الفرنسية. كما أن 99 في المائة منهم يندمجون بلا مشاكل في الأمة الفرنسية ويدرسون ويؤسسون أسرا ويتحدثون الفرنسية هم وأبناؤهم، ويؤسسون مقاولات ويصبحون أساتذة وأطباء. الأصولية والإرهاب، أيا كان مصدرهما، هما عاملان مهددان يجب محاربتهما. الإسلام، في ذاته، ليس تهديدا على فرنسا، بل يعد جزءا منها منذ القرن الثامن. بل عبر الإسلام والفلاسفة اليهود وصل الفكر الإغريقي إلى فرنسا في بداية الألفية الأولى. ودائما ما تكون أحوال العالم بخير حين تعمل الديانات الثلاث على ترجيح كفة العقل على الظلامية. أكيد أنه يجب علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لنسهل إدماج المهاجرين ونشجع نجاح أطفالهم ونقف ضد كل المحاولات الدينية، أيا كان مصدرها الرامية إلى فرض تصور معين للعالم والحياة يخالف قواعد العلمانية ولا يحترم حقوق النساء، وبشكل عام ينتهك قوانين الجمهورية. وهذا ليس حال أغلبية المؤمنين بفرنسا، وبصفة خاصة المسلمين. لذا، فالخطابات المعادية للمسلمين بفرنسا قاتلة، خاصة حين تأتي من اليهود الذين عليهم ألا ينسوا أن معاداة السامية تستهدف كل الأديان. لذا، يجب إدانة الخطابات الفارغة لإريك زيمور وويليام غولدناجيل وآلان فاينكيلكروت وغيرهم. ليس من مصلحة الجالية اليهودية بفرنسا أن تدفع الجالية المسلمة بفرنسا إلى الاعتقاد أن مواطنيهم اليهود يصطفون في صف من يريدون طردهم من البلاد، في وقت هناك من الفرنسيين من يعتقدون أن الجاليتين معا غير مرحب بهما بالبلاد. كما سيكون ذلك تورطا في لعبة خطيرة لأشخاص يريدون استيراد النزاع المأساوي بالشرق الأوسط إلى فرنسا. لا تتلخص فرنسا في ماض ثقيل في كثير من الأحيان، ولا في تاريخ قابل للانتقاد في أحايين كثيرة. فرنسا ليست كاملة ولا مقدسة في نفسها. على فرنسا أن تعرف كيف تنتقد دورها في العبودية والاستعمار ومعاداة الأجانب ومعاداة السامية والخيانة وتدمير البيئة. عليها ألا تستلم لاستيهامات «الاستبدال الكبير». عليها أن لا تنسى أن ما يختبئ وراء هذه النزعة السيادية، هو في كثير من الأحيان خليط من معاداة الأجانب والانغلاق وانعدام الثقة في الذات التي عرفتها تجارب أخرى على مر التاريخ. معاداة السامية تعني في آن واحد كراهية اليهود والمسلمين. ليس كل مناصر للنزعة السيادية معاد للسامية، ولا كل معاد للسامية مناصر للنزعة السيادية، لكن الأمر صار، كذلك، اليوم في كثير من الحالات. لا تكون فرنسا عظيمة إلا حين تكون منفتحة ومرحبة وواثقة من نفسها، حين تبني نفسها قرنا بعد آخر بكل ثقة في تلاقح وتلاحم الأفكار والأسر الجديدة القادمة لإغناء المجتمع الوطني، حين تعطي للعولمة أكثر الأبعاد التي تفتقدها، وهي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والدفاع عن الحريات ضدا في كل الديكتاتوريات والأصوليات ومختلف أشكال العنف. كل ذلك من أجل صلاح الإنسانية. ترجمة «أخبار اليوم» بتصرف