في سابقة غير معهودة في الجامعة المغربية، أقدمت لجنة علمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير على رفض منح الطالبة الباحثة، سهام السافير، درجة الدكتوراه في الآداب حول موضوع: “الأبعاد اللغوية في الخطاب السياسي لبنكيران” (تخصص أدب فرنسي)، في الوقت الذي تحفظت عن ذكر الأسباب. الخطوة خلقت جدلا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي، وبين أساتذة الجامعات، بين من أرجع الخطوة إلى “حسابات إيديولوجية”، في ما ربط البعض الآخر القرار ب”عدم جرأة اللجنة العلمية” في مواجهة ضغوطات من خارج اللجنة. مصادر جامعية حضرت مناقشة الأطروحة، أول أمس الاثنين، أكدت ل”أخبار اليوم” أن اللجنة العلمية تأخرت عن حضور موعد المناقشة الذي كان مقررا، حسب إعلان عميد الكلية، على التاسعة صباحا، بفضاء الإنسانيات في الكلية، وقد حضرت اللجنة، “بينما كان باديا على أعضائها التوتر منذ البداية”. وأضافت المصادر أنه حين افتتح رئيس اللجنة العلمية عبدالفتاح ناصر الإدريسي جلسة المناقشة، ومنح الطالبة الباحثة الكلمة، كما جرت العادة بذلك، للدفاع عن أطروحتها، منح الكلمة الثانية للأستاذ المشرف (محمد وهبي، أستاذ التعليم العالي) الذي رفض الحديث، وردّ على رئيس اللجنة بكلمة غاضبة “ما عندي ما نزيد فوق كلمة الطالبة الباحثة”، تبين معه أن هناك خلافات بين أعضاء اللجنة العلمية. وبحسب المصادر نفسها، فإن أعضاء اللجنة عبّروا عن آرائهم في أطروحة الباحثة، وأبدوا الملاحظات والانتقادات التي تجري بها المناقشات في كل الجامعة المغربية، ولم يظهر أن هناك ملاحظات جوهرية يمكن معها رفض الأطروحة في حد ذاتها طيلة مدة المناقشة التي استغرقت أزيد من ساعتين، ثم منحت الكلمة الختامية للطالبة الباحثة التي ردّت على الملاحظات بالشكل المعمول به في الجامعة، لتختلي اللجنة لأزيد من ساعة من الزمن، قبل أن تعود إلى قاعة المناقشة حيث أعلنت قرار رفض الأطروحة “مع التحفظ عن ذكر الأسباب”. بحسب القانون والتقاليد الجامعية، فإن إعلان عميد كلية الآداب عن موعد مناقشة أطروحة جامعية ما، لا يتم إلا بعد إجراءات إدارية وعلمية ينص عليها القانون، منها أن الأطروحة، بعدما تصبح جاهزة للمناقشة بعد سنوات من الإعداد المشترك بين الطالب والأستاذ المشرف، تسلم ثلاثة نسخ منها على الأقل، تحمل اسم الجامعة وعنوان الأطروحة فقط، أي بدون اسم الأستاذ المشرف ولا اسم الطالب أو الطالبة، إلى مركز الدكتوراه بالكلية، الذي يرسلها إلى ثلاثة أساتذة مقررين على الأقل، أحدهما ينتمي وجوبا إلى جامعة أخرى، للقراءة وفحص مدى أهلية الأطروحة للمناقشة، ولا يمكن أن تناقش أي أطروحة في الجامعة المغربية إلا بعدما يجيزها اثنين من الأساتذة المقررين على الأقل. وفي حالة الطالبة سهام السافير، فإن تعيين عميد الكلية تاريخا لمناقشة أطروحتها (في 16 شتنبر 2019) لم يكن ليحدث لولا أن الكلية توصلت بثلاثة تقارير من أساتذة جامعيين تجيز مناقشتها، أي توفر الأطروحة على المعايير المقبولة للمناقشة العلمية، ما يشير إلى أن هناك أسبابا أخرى دفعت اللجنة العلمية إلى رفض منح سهام السافير درجة الدكتوراه في الآداب. عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، قال ل”أخبار اليوم” إنه “إذا كانت الأطروحة أجازتها ثلاثة تقارير سرية، إضافة إلى الأستاذ المشرف على الأطروحة، فلا معنى لقرار الرفض”، وأضاف “من المعروف أن تحليل الخطاب السياسي مبحث مهم في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقد سبق للجامعة المغربية أن عرفت مناقشة أطروحات حول زعماء سياسيين، أمثال عبدالله إبراهيم ومحمد بلحسن الوزاني وعلال الفاسي وغيرهم، كما أنه لا شيء يمنع دراسة وتحليل الخطاب السياسي لبنكيران، فهو رئيس حكومة سابق وزعيم سياسي، كذلك، وقد سبق لنا أن فعلنا ذلك في مركز تكامل للدراسات، ونشرنا الدراسات التي أجريت حول خطابه بعد تحكيم علمي”، وأردف العلام أن “ما حدث في كلية الآداب بأكادير يعتبر سابقة، ويرجع في الغالب إلى عدم جرأة اللجنة العلمية التي ناقشت الأطروحة”. أستاذ جامعي آخر، واكب ما حدث لسهام السافير عن قرب، اعتبر قرار الكلية “قرارا متعسفا، وغير مفهوم”، وأفاد أن “القرار اتخذ بضغط من عميد كلية الآداب، على خلاف موقف اللجنة العلمية التي ناقشت الأطروحة”، مؤكدا أن هناك توجها ل”إقناع الطالبة بتغيير الموضوع”، مشيرا إلى وجود “حسابات إيديولوجية” وراء القرار.