سلطت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب الضوء على واقع الطب الشرعي في المغرب والإكراهات التي يواجهها، وذلك بمشاركة عدد من القطاعات الحكومية، وخبيرين من ألمانيا، وقدم محمد أوجار، وزير العدل والحريات، معطيات حول واقع الطب الشرعي والخطوط العريضة لمشروع القانون المعروف على البرلمان، الذي يروم النهوض بواقع الطب الشرعي. ويعد الطب الشرعي من أهم الوسائل العلمية التي تساهم في “كشف ملابسات الجرائم وجمع الأدلة المتعلقة من أجل ضبط مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم إلى المحاكمة”. وبذلك يلعب هذا الطب “دورا محوريا في خدمة أجهزة العدالة الجنائية، من خلال مساعدته للسلطات القضائية المختصة، سواء أثناء مرحلة البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي أو المحاكمة في تحديد أسباب بعض الجرائم الغامضة والمستعصية، كجرائم القتل والتسميم وبعض أنواع الجرائم الجنسية، فضلا عن دوره في تكوين القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي”. وبالرغم من أهمية الطب الشرعي، إلا أنه طيلة سنوات عرف شبه غياب للتأطير القانوني. وسجل وزير العدل أن التشريحات الطبية المأمور بها من طرف القضاء بات “يمارسها أطباء ليس لهم تخصص طبي معترف به في هذا المجال”، وذلك نظرا للعدد القليل من الأطباء الشرعيين في المغرب، حيث لا يتعدى 13 طبيبا، مقارنة مع حوالي 200 طبيب شرعي في دول مجاورة للمغرب. وحسب هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو، فإن هناك 14 طبيبا في طور التكوين. وفضلا عن ذلك، فإن 140 طبيبا يعملون بالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة وبالمواقف الصحية التابعة لقطاع الصحة الحاصلين على شهادة خاصة في التكوين في إحدى مجالات الطب الشرعي. وبسبب ضعف التعويضات الهزيلة التي يحصل عليها الأطباء الشرعيون خلال تشريح الجثث، لا يتشجع طلبة الطب على الإقبال على التخصص، حيث لا يحصل الطبيب الشرعي سوى على ما بين 50 و150 درهما كتعويض عند تشريح جثة. وإذا قارنا مثلا مع التجربة في الدانمارك، فإن التعويض عن تشريح كل جثة يصل 20 ألف درهم. ولتجاوز هذه الوضعية، صادقت الحكومة على أول مشروع قانون ينظم الطب الشرعي في 20 شتنبر 2018، بهدف وضع إطار قانوني متكامل لممارسة مهام الطب الشرعي، مع الحرص على إعطاء مصداقية أكبر للشواهد وتقارير الخبرة الطبية التي تعرض على القضاء. ومن ابرز توجهاته، التنصيص على الحالات التي يتعين فيها لزوما الأمر بإجراء التشريح الطبي، مع تحديد حالات وكيفيات إجراء التحليلات على الأشلاء والعينات، وتخويل الجهات القضائية المختصة وحدها صلاحية الأمر باستخراج الجثث التي تكون محل بحث قضائي، وإقرار مبدأ استقلالية الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي في شأن القضايا الموكلة إليه من قبل السلطات القضائية، وتمتيع الطبيب الممارس للطب الشرعي بالحماية القانونية أثناء مباشرته لمهامه وبمناسبتها، مقابل إلزامه بواجب كتمان السر المهني والتقيد بقواعد الحياد والتجرد والنزاهة والشرف، وتحديد البيانات الضرورية التي يتعين على الأطباء الممارسين لمهام الطب الشرعي تضمينها في تقاريرهم. كما ينص على ضرورة رفع تقارير حول السير العام لأنشطة الأطباء الممارسين لمهام الطب الشرعي بدوائر نفوذ محاكم الاستئناف إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، على أن يقوم هذا الأخير برفع التقرير التركيبي المنجز على ضوء التقارير السالفة الذكر إلى الوزارتين المكلفتين بالعدل والصحة. وسبق لوزير العدل أن كشف أن وزارة العدل تعمل على إعداد اتفاقية شراكة مع جامعة علوم الصحة بالدار البيضاء، تتيح برمجة تكوين لفائدة الأطباء ومنهم العاملون بمكاتب الصحة بمختلف الجماعات المحلية بالمملكة بمعدل 300 طبيب سنويا، على أساس تسليمهم شهادة معترفا بها تمكنهم من ممارسة الطب الشرعي، وهو ما سيرفع من عدد الأطباء المزاولين لهذه المهام إلى 1500 طبيب في غضون الخمس سنوات المقبلة. وقدم ميشيل بوهنرت، أستاذ جامعي ورئيس مؤسسة الطب الشرعي بفرتسبورغ بألمانيا، تجربة الطب الشرعي في بلاده، مشيرا إلى وجود عدة كليات تُمارس التكوين في الطب الشرعي خلال مدة خمس سنوات، ويشترط للاعتراف به أن يكون قد عاين 500 جثة، ويعد الأطباء الشرعيون في ألمانيا مستقلين عن الشرطة والقضاء، ويمارسون أنشطة متعددة مثل التحليل الجيني والبصمات، ومختبرات تخصصت في تحليل الحمض النووي، والبيولوجيا، والتسمم والتحليلي الكيميائي، وتحليل عينات الدم والأمعاء. وبخصوص الإطار القانوني للطب الشرعي في ألمانيا، فإنه يشترط قيام طبيبين بالتشريح. ولاحظ الخبير الألماني، أن مشروع القانون المغربي حول الطب الشرعي، لا يحدد الشكل الذي يمارس به التشريح، وكم عدد الأطباء الذين يجب أن يمارسوه وهل يستعينون بمساعدين. كما لاحظ الخبير عدم الإشارة في المشروع لضحايا العنف والتعذيب، ودور الطب الشرعي، مشيرا إلى أهمية الإشارة لبروتوكول اسطنبول في هذا الشأن.