في هذا الحوار بتحدث رئيس معهد الطب الشرعي وبإسهاب عن مهام واختصاصات الطبي الشرعي ، وعن الإكراهات التي يواجهها الأطباء خلال عملية العيش بين الأموات .فالمغرب لا يتوفر سوى على 13 مختص في الطب الشرعي، من ضمنهما أستاذان للتعليم العالي . يشتغلون في غياب قانون ينظم المهنة، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لبعض التجاوزات والإختلالات المتعلقة بشهادات الوفاة ، والتي يسلمها الأعوان في كثير من الأحيان وليس الأطباء . مشيرا إلى أنه لا يوجد طبيب شرعي يمارس في مجال التشريح مسجل في جدول الخبراء ، وهو ما لا يسمح بالرقابة القضائية على التشريح الطبي . ماهي اختصاصات الطب الشرعي ؟ الطب الشرعي هو تخصص طبي ونشاط طبي يضع بين أيدي القضاء والمتقاضين معلومات طبية وأراء طبية تكون مهمتها حل نزاع معروض أمام القضاء. فكلما كانت هناك مسألة فنية متعلقة بتقييم صحة الإنسان ، أو تحديد أسباب الوفاة و كلما كان هناك هدف الحصول على معلومات طبية خاصة بالإنسان من طرف القضاء، إلا و يمكن اللجوء إلى الطبيب الشرعي الذي يبسط المفاهيم الطبية الضرورية حتي يتمكن القضاء من الحسم في النزاع المعروض أمامه. ويمكن حصر مجالات اشتغال الطبيب الشرعي في ثلاثة اهتمامات كبرى من أهمها: المجالات المرتبطة بالأحياء وتتكون من عدة مهام كفحص ضحايا العنف أي الإعتداءات الجسدية والجنسية، وهناك مايتعلق بتحديد السن. ففي بعض الحالات يكون تحديد السن ضروريا لأهداف مسطرية حتي يتمكن القضاء من تكييف بعض الأفعال التي قد تكون منسوية لهؤلاء الأشخاص، وتكييف أفعال جرمية قد يتعرض لها هؤلاء الأشخاص الذين نود تحديد سنهم . ثم هناك مهام أخرى مثلا تقييم الأضرار البدنية بالنسبة لضحايا حوادث السير وحوادث الشغل والأمراض المهنية، لأننا نعرف بأن التقييم الذي يقوم به الطبيب الشرعي يتحكم في قيمة التعويضات، والتي يجب أن تكون مناسبة لحجم الأضرار التي تبقى عالقة بهؤلاء الضحايا. وهناك خبرات أخرى مرتبطة بتحديد ما إذا كان الشخص المعتقل رهن الحراسة النظرية، تسمح حالته الصحية باستمرار وضعه في الحراسة النظرية داخل مخافر الشرطة والدرك الملكي. وهناك أيضا تحديد ما إذا كان الشخص الموقوف قد تعرض للتعذيب أي التحقق من ادعاءات التعذيب. فيما يخص الخبرة النفسية الشرعية يتم التأكد من أن الشخص الذي يكون اقترف جريمة ما إذا كانت حالته العقلية أثناء ارتكابه لتلك الجريمة تجعله في وضعية شخص فاقد لقوى الإدراك والتمييز وبالتالي لا يمكن مؤاخذته بتلك الجريمة. هناك مهام أخرى مثلا من قبيل تحديد ما إذاكان الشخص قادر على التصرف في أمواله، في إطار مساطر التحجير والتي تنبني على شهادة طبية شرعية تسائل القدرات العقلية وقدرات التمييز والإدراك للشخص المرغوب وضعه في هذه المسطرة. هي مجموعة من المهام تتصل بعالم الأحياء والتي يقوم بها الأطباء الشرعيون ثم هناك مهام أخرى توكل للطبيب الشرعي والمتعلقة بالوفيات وهناك على الخصوص مهمتين أساسيتين: الأولى هي الإنتقال إلى مسرح اكتشاف جثة تكون الوفاة مشكوك فيها أو ناتجة عن عنف. في هذه الحالة يكون انتقال الطبيب الشرعي وتقنيي مسرح الجريمة ضروريا . العمل يجري في مكان اكتشاف الجثة، وهو مهم في التحقيق الجنائي ليس فقط في تحديد سبب الوفاة ولكن ملابسات وظروف الوفاة . إضافة إلى عملية ثانية وهي التشريح الطبي التي تروم الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي لا يمكن حصرها كذلك فقط في أسباب الوفاة، بل أيضا في تحديد الطبيعة الطبية الشرعية للوفاة ، وتحديد تاريخ الوفاة ،وتحديد أنواع الإصابات على الجثة التي قد تعطينا فكرة عن الوسائل المستعملة في إحداث الوفاة ، وأيضا عدد الأشخاص المتسببين في الوفاة ومجموعة من التساؤلات الأخرى التي تكون مفيدة في التحقيق الجنائي . من يقوم بمهمة الطب الشرعي ؟ سنتكلم في البداية من الناحية المنطقية ثم بعد ذلك من الناحية العملية. أولا من الناحية المنطقية حين نتكلم عن نشاط طبي معين فأخلاقيات المهنة تلزم الطبيب ألا يمارس أي نشاط إلا إذاكانت لديه دراية كافية به. والنشاط الطبي الشرعي يستلزم مجموعة من المعارف والخبرات التي لا تتأتي إلا بالتكوين. وهناك تكوينات متعددة منها التكوين الأكاديمي الذي يخول لصاحبه الحصول على صفة طبيب اختصاصي في الطب الشرعي والتي يمكن بواسطتها التسجيل بهذه الصفة في الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء. هذا التكوين يدوم أربع سنوات بعد الحصول على شهادة الدكتوراه في الطب العام و ذلك في إطار نظام الإقامة. خلال هذه الأربع سنوات يتلقى االمترشح تكوينا نظريا وتطبيقيا على الحالات التي تعرض على مصلحة الطب الشرعي .ونظرا لعدد الحالات التي يمر منهاويقوم بإجراء الخبرة عليها يتمكن من اكتساب المهارات والخبرات الضرورية لكي يزاول بعد نجاحه في امتحان التخصص مهام الطبيب الشرعي عند تعيينه بإحدى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة . بالنسبة للتكوين الأكاديمي استفاد منه لحد الآن 13 طبيبا شرعيا فقط ، وهو عدد غير كافي لسد حاجيات البلاد من الأطباء الشرعيين خاصة حاجيات القضاء والمتقاضين. لهذا السبب تم اللجوء إلى تكوينات موازية في بعض مجالات الطب الشرعي خاصة مجال التشريح و مجال الخبرة الطبية و تقييم الأضرار البدنية. وفي هذا الإطار تم خلق دبلوم الدراسات المتخصصة في الطب الشرعي والتي كان الهدف منها تكوين زهاء 70 من أطباء مكاتب حفظ الصحة وعدد محدود من أطباء القطاع العام والأطباء التابعين للدرك الملكي. ويزاول هؤلاء الأطباء مهام التشريح الطبي بنوع من الكفاءة التي لم تكن متوفرة قبل خضوعهم للتكوين. ثم هناك الأطباء الذين يخضعون للتكوين في مجال الخبرة الطبية وتقييم الأضرار البدنية في إطار دبلوم محدث بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء منذ 1995 والذي يستمر بشكل سنوي في تكوين مجموعات صغيرة من الأطباء من مختلف التخصصات و من الطب العام في مجال الخبرة الطبية وتقييم الأضرار البدنية. و هو الدبلوم الذي يهدف إلى منح المحاكم أطباء لهم دراية بطريقة تقييم الأضرار البدنية، لأنه مع الأسف البعض يعتقد بأن التجربة تأتي بالممارسة لكن هذا النشاط يستلزم تكوينا خاصا، لأنه يتطلب معرفة مجموعة من الجوانب المسطرية والقانونية التي لاتتوفر للطبيب حتى ولو كانت لديه أقدمية في ممارسة الطب. وفي هذا الإطار تم تكوين محموعة من الأطباء الذين رفعوا من مستوى و جودة التقارير الطبية الشرعية التي تنجز بناء على أوامر المحاكم. و في أرض الواقع، نجد الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي الذين يزاولون مهام التشريح بالإضافة إلى الطب الشرعي السريري في مختلف المستشفيات وعددهم غير كافي و يتواجدون بالدارالبيضاء و الجديدة و سطات و أكادير و خريبكة و فاس،و أطباء مكاتب حفظ الصحة الذين يزاولون مهام التشريح بالإضافة إلى مهام أخرى موكولة لهم داخل مستودعات الأموات البلدية و يتواجدون بالرباط و الدارالبيضاء و مراكش و القنيطرة. أما طنجة فلها ميزة خاصة إذ أن مستودع الأموات البلدي يوجد داخل مستشفى الدوق دي طوفار وبالتالي يزاول في نفس الوقت بمكتب حفظ الصحة أطباء حفظ الصحة وأطباء المستشفى. في باقي المدن، التشاريح الطبية تجرى فقط في المستشفيات العمومية من طرف أطباء المستشفيات العامة والذين ليس لأغلبهم أي تكوين في التشريح الطبي. ألا تعتقدون بأن هذا الأمر ينعكس على مصداقية الطب الشرعي خاصة وأنهم لا يتوفرون على تكوينات في هذا المجال ؟ عندما نتحدث عن الممارسة دون تكوين سابق، فأكيد أن هناك خطر حدوث تجاوزات. و هذا الخطر هو أعمق في مجال التشريح الطبي. إذ أنها عملية يصعب تداركها إذا لم تنجز بشكل جيد في المرة الأولى بخلاف الخبرات الطبية الأخري، التي تجرى على الأحياء حيث يمكن للقاضي أن يأمر بإجراء خبرة مضادة ما دامت الضحية لازالت على قيد الحياة. لكن عملية التشريح يصعب تداركها إذا لم تنجز بشكل جيد في المرة الأولى لأنه يتم تقطيع الأحشاء ،وبالتالي يصعب اكتشاف إصابات أخري بعد إجراء عملية التشريح الأولية وهذا هو الإشكال إذ أنه يصعب في كثير من الأحيان التحقق حتى من إذا كان التشريح الأولى أنجز بطريقة جيدة أم لا . ماهي المؤسسات المخولة لها قانونا القيام بالتشريح الطبي ؟ ليس هناك قانون ينظم لحد الآن مزاولة المهام الطبية الشرعية . هناك مشروع قانون أعدته وزارة العدل والحريات وهو في رفوف الأمانة العامة للحكومة، ولكن هناك الآن الأطباء الإختصاصيين الشرعيين يجرون عمليات التشريح الطبي لأنه يدخل في تخصصهم و مخول لهم ممارسة هده المهام، وهناك أطباء مكاتب حفظ الصحة هم كذلك يزاولون هذه المهام بمقتضى مرسوم مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة الذي صدر سنة 2001 كما يمارسون مهاما أخرى موكولة إليهم، كمراقبة السلامة الغذائية ومراقبة الصحة العامة في المقاهي و المستشفيات و المطاعم و الفنادق وفي بيع المأكولات الخفيفة بالفضاءات العامة، وكذا محاربة الأمراض المتنقلة عن طريق الحشرات. كما أن لهم دور مهم في المجال العلاجي إذ يشرفون على مراكز محاربة داء السعار والكثير من مكاتب حفظ الصحة تتوفرعلى مخزون الأنسولين الذي يتم توزيعه على الفئات المعوزة بالإضافة إلى معاينة الوفيات وتحرير رخص الدفن حينما تكون الوفاة طبيعية .هذه مجموعة من المهام نرى بأن أطباء حفظ الصحة يجدون صعوبة في تغطيتها لأن عددهم ضعيف، إذا ما أضفنا لها مهام التشريح الطبي، يصبح المشكل كبيرا بالإطلاع على هذه المهام على اعتبار أن عدد كبير من هؤلاء الأطباء مشرف على التقاعد وعدد مهم منهم تقاعد دون أن يتم تعويضه . باعتباركم رئيس معهد الطب الشرعي ماهي المعايير التي يجب توفرها في المؤسسات للقيام بعملية التشريح؟ التشريح ليس فقط عملية فتح الجثة ، بل هناك مجموعة من المعايير من أهمها يجب توفر البنية التحتية المناسبة للقيام بهذه العملية ،حينما نتكلم عن مستودع الأموات نتحدث عن تجهيزات ، وصيانة الجثث من التعفن ، أي ضرورة توفر آلات التبريد التي يجب أن تعمل بشكل فعال وأن تتم صيانتها بشكل دائم. أيضا إنارة كافية و تنقية لهواء القاعة التي يجرى فيها التشريح و الذي يجب تجديده باستمرار. إذ يجب معالجة الهواء لأن الجثة هي مرتع للجراثيم وبالتالي تطرح مسألة حماية العاملين بشكل ملح .إذن من هنا يتبين أن قاعة التشريح يجب أن تتوفر على مجموعة من المواصفات . إلى جانب ذلك هناك البنية المحيطة التي يجب أن تتوفر ليتم إنجاز العمل بشكل جيد. فعملية التشريح تستلزم إجراء فحوصات إضافية ضرورية. قد يبدو غريبا بالنسبة للمتلقي أن يتم إجراء فحوصات تكميلية على الجثث. لكن بحسب طبيعة الوفاة، هناك حالات يتم اللجوء فيها للتصوير الإشعاعي قبل القيام بالعملية ويكون ذلك في إطار المعايير المعتمدة. مثلا تكون الجثة متفسخة جدا أو متفحمة ويكون من الأهمية بمكان الإستعراف على الجثة أي تحديد هويتها، لذلك يتم اللجوء إلى التصوير الإشعاعي للبحث على بعض العلامات والخصوصيات المتميزة في الجثة قد تكون في العظام أو الأسنان وهي عملية حاسمة .في حالات الوفيات عن طريق طلق ناري كذلك يجب التصوير لأن البحث عن مقذوفات قد تبقى داخل الجثة أو بعض الشظايا من المقدوفات ضروري من أجل تحديد مكانها واستخراجها لأنها تفيد الخبير في علم المقذوفات في تحديد السلاح المستعمل ، وأسئلة أخرى تطرح أثناء التحقيق الجنائي. ثم هناك التشريح المرضي أو المجهري و علم السموميات ففي مجموعة من الحالات سبب الوفاة غير واضح بالعين المجردة مما يستلزم الأمر أخد عينات من أجل إجراء تحاليل مجهرية أو إجراء تحاليل سمومية عليها، وهو الأمر الذي يستوجب تخصصات أخرى من أجل القيام بهذه الفحوصات الضرورية. كما أنه في كثير من الأحيان نكون بحاجة لرأي بعض الإختصاصيين بحسب طبيعة الحالة التي تفد علينا، مثلا عندما يتعلق الأمر بالتشريح الطبي للكشف عن ملابسات وفاة يظن بأنها حدثت بسبب خطأ طبي، يكون الإستئناس باختصاصي من نفس اختصاص الطبيب المعالج مهمة لمعرفة ما إذا كان هذا الأخير قد أنجز عمله وفق المعايير و الأصول الفنية لمهنة الطب. و بخلاصة، يجب أن تكون البيئة التي تجرى فيها عملية التشريح بيئة مساعدة على الكشف على الحقيقة وتستعمل خلالها كل الوسائل الطبية والتقنية اللازمة للوصول إلى هذا الهدف. و في اعتقادي، هذه البيئة لا يمكن توفيرها إلا داخل المستشفيات، حيث توجد مختلف التخصصات و المختبرات الضرورية. يستحسن للجماعات المحلية إذا ما ارتأت إنجاز مستودعات للأموات أن تنشئها داخل المستشفيات أو أن تقوم بتجهيز تلك الموجودة في ذات المستشفيات بعد عقد شراكة مع وزارة الصحة. و هناك الجوانب القانونية والتي إذا لم تكن مواكبة لعمليات التشريح قد تكون عائقا كما هو الأمر بالنسبة لانعدام أية رقابة قضائية علي الأطباء الذين ينجزون هذه العمليات. حيث مع الأسف لا يوجد أي طبيب شرعي يمارس مجال التشريح الطبي وهو مسجل في جدول الخبراء ونعلم أن جدول الخبراء يمكن من إعطاء نوع من الرقابة للقاضي على العمليات التي يجريها الخبير. ماهي أسباب غياب مثل هذه الرقابة ؟ لسبب بسيط هو غياب قانون منظم لهذه المهام .مشروع القانون الحالي يحاول سد هذه الثغرة بالتسجيل الفوري للأطباء الشرعيين في جدول الخبراء .لأنه في نهاية المطاف هم ينجزون تقارير سوف تستعمل في قضايا معروضة أمام المحاكم، وليست لهم صفة خبير وعدد منهم لم يؤد القسم قبل إنجاز المهمة. حتي من الناحية المسطرية هناك عيب مسطري قد يجعل ذلك التقرير عرضة للبطلان. هل تعتقدون أن مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدل والحريات بإمكانه إنهاء الفوضى وتنظيم المهنة ؟ أولا المشروع نثمنه لأنه جاء لسد الفراغ وهذه مبادرة جيدة وتحسب لوزارة العدل لأننا لم نجد مثل هذه المبادرات في قطاعات حكومية أخرى. كانت لدى الجمعية المغربية للطب الشرعي ملاحظات على هذا المشروع وهي ملاحظات لاتبخس من قيمة المشروع الذي هدفه تنظيم الحقل و مأسسة الأعمال الطبية الشرعية، بتحديد الجهات و المؤسسات المخول لها القيام بالمهام الطبية الشرعية، وتحديد العلاقة بين القضاء والأطباء الشرعيين، وخلق جهاز يراقب عمل الأطباء الشرعيين وهوالمجلس الأعلى للطب الشرعي . وهي مسائل نعتقد بأنها مهمة وحاسمة. الملاحظة الخلافية الأساسية وهي المادة الثالثة والتي حاول فيها المشروع أن يعرف الطبيب الشرعي، وجمع في هذا الإطار مجموعة من التكوينات الي هي ليست على نفس الدرجة. فحين نتكلم عن الطبيب الشرعي يتبادر إلى الدهن بأنه الطبيب الذي حصل على هذه الصفة بعد أن خضع إلى التكوين الأكاديمي الذي يخول له التسجيل في الهيئة الوطنية للطبييات والأطباء تحت يافطة طبيب مختص في الطب الشرعي. هذا المشروع جمع بين الطبيب المختص في الطب الشرعي وبين الطبيب العام الذي له تكوين في إحدي مجالات الطب الشرعي. و كان من الأحري على واضعي المشروع أن يقوموا بتعريف المهام الطبية الشرعية وتحديد الأشخاص المؤهلين للقيام بالمهام الطبية الشرعية وفي هذا المجال يمكنهم ذكرالأطباء المتتخصصين وجميع الأطباء الذين يتوفرون على تكوينات في مجال الطب الشرعي. نحن في المغرب بحاجة لجميع الطاقات وفي جميع التكوينات المتوفرة في الطب الشرعي لكن لا يمكن أن نخلط بين التخصصات . قلتم بأن مهمة التشريح من اختصاص الأطباء الشرعيين ، ما جعل مصطفى الرميد وزير العدل والحريات يؤكد في مراسلة أن مهام مكاتب حفظ الصحة لهم الحق في ممارسة هذا النشاط لعدم صدور أي نص قانوني أو تنظيمي يمنع ذلك ماهو ردكم ؟ لم يسبق لي بتاتا أن قلت أن ممارسة الطب الشرعي يجب أن تكون حكرا على الأطباء الشرعيين فقط. عندما أتحدث عن الطب الشرعي أتكلم عن نشاط طبي أكثر ما أتكلم عن تخصص خاص بفئة معينة من الأطباء لأن الواقع العملي يؤكد أن أغلب الأطباء كيفما كانت انتماءاتهم للقطاع الحر أو العام، واختلاف تخصصاتهم فالكل يمارس يوميا مهام طبية شرعية . فمثلا إذا أخذنا الشواهد الطبية الشرعية التي تستعمل في القضايا المعروضة على المحاكم تمنح من طرف كل الأطباء، أي طبيب له الحق أن يمارس مهام الطب الشرعي. نحن نقول فقط هناك تكوينات مختلفة في المجالات الطبية الشرعية ويجب الأخذ بعين الإعتبار أن الأطباء ليست لهم نفس التكوينات في هذا المجالات الطبية الشرعية. إذا قلنا مثلا أن لدينا مائة طبيب شرعي فإن ذهن القاضي أو القضاء لن يستطيع معرفة هل هو طبيب شرعي يتوفر على تكوين أكاديمي، أم أنه طبيب شرعي حصل فقط على تكوين في الخبرة الطبية وبالتالي لا يمكن أن يجري التشريح الطبي أوأنه طبيب حصل على تكوين في التشريح الطبي ولا يمكنه أن يقوم بفحص الأشخاص الأحياء .هناك مجموعة من التكوينات المختلفة ، ويجب تحديد تلك التكوينات والمهام التي يمكن أن توكل لأي من الأطباء الحاصلين على إحدى هذه التكوينات التي تكلمت عنها . في نظركم هل يمكن القضاء على فوضى شهادات الوفاة بتحديد وحصر التكوينات وفئات الأطباء الحاصلين على هذه التكوينات ؟ شواهد الوفاة مشكل يتعلق بمكاتب حفظ الصحة بالأساس لأن معاينة الوفيات التي تتم خارج المستشفيات هي من اختصاصات مكاتب حفظ الصحة البلدية، المشكل هو أن مجموعة من أطباء حفظ الصحة أحيلوا على التقاعد، و عددهم غير كافي للقيام بجميع المهام الموكولة لهم .الممارسات اليومية تشير في كثير من الأحيان أن المعاينات التي تجرى للوفيات داخل المنازل تتم من طرف أعوان وليسوا أطباء. هناك مشاكل لا مجال للخوض فيها، إذ أنهم يشتكون من كونهم لا يتوفرون على وسائل النقل، والسيارات المرصودة لهم من طرف المجالس البلدية يتم التطاول عليها من طرف المنتخبين. تحديد الوفاة هي من المسائل البسيطة بالنسبة للطبيب والتي لا تحتاج إلى بنية تحتية أو أدوات خاصة ولكن تحتاج إلى قيام بعمل طبي إلا إذا استعصى اللجوء إلى طبيب فيمكن في هذه الحالة اللجوء إلى ممرض مؤهل لهذا الغرض. نعود إلى حادثة برشيد هل تعتقدون أن الإرتباك الذي حصل يعود إلى هذا الخصاص أم هو إشكال طبي ؟ لا أعرف من قام بمعاينة الهالكة في برشيد و بأية صفة. ربما يتعلق الأمر بسوء تدبير الموارد البشرية من طرف المجلس البلدي. فالطبيب الوحيد في مكتب حفظ الصحة بمدينة برشيد أحيل على التقاعد وربما الآن يشتغل بواسطة عقد مع المجلس البلدي. ولم يكن متواجدا حينئذ في مكتب حفظ الصحة. نادرا ما يكون خطأ في تحديد إن كانت الوفاة ثابتة و يقينية. ولكن إذا تم الإستئناس بأعوان يمكن أن تحدث أخطاء .لكن المشكل الأكبر ليس في تحديد الوفاة ولكن في البحث في أسباب الوفاة. و ذلك يتطلب دراية طبية لأن هناك وفيات غير طبيعية قد لا يتم تشخيصها كذلك ويجب أن يفتح فيها تحقيق وقد تصرح على أنها وفاة طبيعية . مثلا في حالة مسن طاعن في السن وتكون في سوابقه تعرضه لحادثة سير ويظل طريح الفراش منذ أشهر ثم يتوفى .بالنسبة للذي عاين الوفاة يمكن أن يكتفي بالتصريح بأن الوفاة طبيعية، لكنها غير طبيعية ويمكن أن يجرى فيها تحقيق لتحديد ما إذا كانت تلك الوفاة ناتجة عن مخلفات الحادثة أو ناتجة عن أزمة صحية طارئة لا علاقة لها بالحادث . ما الذي حدث بالضبط بالنسبة لسيدة برشيد التي عادت للحياة ؟ هي لم تمت لتعود إلى الحياة. سمعت بأنها كانت تعاني من سكتة دماغية أدخلتها في غيبوبة عميقة. على الأرجح، كانت في حالة موت ظاهري. ما يصعب الأمور هو أنه في تقاليدنا الإسلامية، يتم الإسراع بدفن الميت. في حين أن العديد من التشريعات المقارنة تلزم بمباشرة إجراءات الدفن بعد مرور 24 ساعة على الأقل على الوفاة و ذلك تفاديا لمثل هذه الحوادث.