خرج المغاربة بالآلاف، صبيحة أول أمس الأحد، للاحتجاج على ما وصف ب«صفقة القرن»، والمؤتمر «الترويجي» لها في البحرين المقرر افتتاحه اليوم. وصدحت الحناجر بالشعارات دعما للفلسطينيين، ورفضا لأي مساومات يجري تحضيرها أمريكيا بدعم من دول خليجية. منظمات وهيئات من كل الأطياف، وأحزاب من كل الاتجاهات، مشاركة في الحكومة أو في المعارضة، كلها تجمعت في مسيرة الأحد للتنديد بصفقة القرن. تأتي المسيرة بالتزامن مع كشف البيت الأبيض عما سمي بالشق الاقتصادي في الصفقة، بعد حوالي سنتين من الحديث عن تحضيرات سرية ل«اتفاق جديد للسلام». يعتقد دونالد ترامب أن الإغراءات المالية التي ستقدم للفلسطينيين كفيلة بضمان موافقتهم على حل «تاريخي». الرئيس الأمريكي، تاجر العقارات والبارع في «الصفقات المربحة»، يعتقد أنه يمكن أن يحل المشكلة الفلسطينية بصفقة «مغرية» قيمتها 50 مليار دولار، فهو يعتقد أن المال يمكن أن يشتري أي شيء، لذلك، فإنه اختار أن يقدم الشق الاقتصادي قبل أن يكشف طبيعة الحل السياسي، واعتبرهما مترابطين. وفي الواقع، فإنه حكم على هذه الصفقة منذ البداية بالفشل، باتخاذه عدة قرارات جعلت الفلسطينيين والعديد من الدول العربية لا تثق فيه، وهي ترى صفقة القرن تطبق على الأرض قبل أن تراها على الورق. أول تلك القرارات، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوقيفه الدعم المالي الأمريكي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وممارسته ضغوطا كبيرة على القيادة الفلسطينية. تعتبر قضية فلسطين من أعقد ملفات الاستعمار الاحتلالي في التاريخ المعاصر. معظم الدول التي استُعمرت في بداية القرن الماضي حصلت على استقلالها بعد نضال مرير، إلا فلسطين التي خضعت للانتداب البريطاني، قبل أن تقع تحت احتلال يعتبر الأسوأ من نوعه، لأنه قام على أساس تهجير اليهود من مختلف دول العالم إلى فلسطين من أحل إنشاء دولة على أنقاض الشعب الفلسطيني. بدأ ذلك سنة 1948، حين شنت العصابات الصهيونية هجمات على قرى فلسطينية وهجرت أهلها، وقتلت الآلاف، وتمكنت بفضل الدعم الغربي من احتلال فلسطين كلها بعد حرب 1967، فكانت النتيجة هي 6 ملايين لاجئ فلسطيني اليوم، مازالوا متمسكين بالعودة إلى ديارهم. منذ ذلك الحين وقعت حروب شاركت فيها دول عربية مجاورة، وطرحت مخططات ل«السلام». في منتصف الخمسينات، طرحت فكرة توطين الفلسطينيين في دول غربية وتعويضهم، حلا للمشكلة التي تسبب فيها الغرب بفعل وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود، وفي التسعينات جرى إبرام اتفاق أوسلو، أو ما سمي باتفاق غزة أريحا أولا، والذي قامت بمقتضاه السلطة الفلسطينية، وجرى ترويج مقولة الشرق الأوسط الكبير الذي يعمه الرخاء، لكن كل هذه الخطط فشلت لأنها لم تضمن حقوق الفلسطينيين، وعلى رأسها الحق في دولة مستقلة والحق في العودة. واليوم بعد مجيء ترامب اقترح «صفقة القرن»، التي وصفها نبيل شعت، مستشار الرئيس الفلسطيني، بأنها «رشوة»، وبالفعل هي رشوة، لأن ترامب عرض مشاريع قيمتها 50 مليار دولار، لكن تنفيذها يبقى مشروطا بتوقيع اتفاق «سلام» مع إسرائيل، والاعتراف بالأمر الواقع بخصوص وضع مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، والتخلي عن عودة اللاجئين. يخطط ترامب لدفع دول خليجية إلى تمويل الجزء الأكبر من هذه الخطة، وأن توجه منها 28 مليار دولار إلى الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربيةوغزة)، منها إنجاز طريق يربط بين غزةوالضفة الغربية، في حين توجه و7.5 ملايير دولار للأردن، و9 ملايير لمصر، و6 ملايير للبنان. المضمون السياسي واضح عمليا، أي «دولة» دون سلاح، منقسمة بين الضفة وغزة، والقدس عاصمة لإسرائيل، والتخلي عن حق العودة. ما لا يدركه ترامب أنه حكم على صفقته بالفشل منذ البداية، فالفلسطينيون مجمعون بكل أطيافهم على رفضها، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، التي رفضت حضور مؤتمر البحرين، والسبب هو أن ترامب لم يتصرف بصفته وسيطا ولو شكليا، كما كان يفعل سابقوه، إنما تصرف باعتباره طرفا منحازا لإسرائيل، وقرر نقل السفارة إلى القدس، وحارب وكالة غوث اللاجئين، وضيق الخناق على السلطة الفلسطينية. وإذا كانت لصفقة القرن من حسنات، فهي أنها أخرجت من جديد الشارع العربي موحدا بكل أطيافه للاحتجاج، كما حدث في مسيرة الأحد بالرباط، والأهم أنها وحدت الفلسطينيين بكل أطيافهم أيضا، في وقت عانوا فيه الانقسام عدة سنوات.