نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحافي والمعلق البريطاني روبرت فيسك، يرى فيه أن "معايرة" الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفلسطينيين بأنهم أخذوا من أمريكا ملايين الدولارات دون أن يقدموا الاحترام لأمريكا لها ما لها من دلالات. ويقول فيسك: "في البدء أعلنها ترامب عاصمة لإسرائيل ليحرم الفلسطينيين من القدس عاصمة لهم، فرد عباس مهددا بعدم الاستمرار في الحديث مع واشنطن، ورد ترامب بتغريدته التي قال فيها إن الفلسطينيين حصلوا على الدعم الأمريكي من واشنطن، التي (لم تحظ بالتقدير أو الاحترام)". ويشير الكاتب في مقاله إلى أن ترامب اتخذ الإجراءات لمعاقبة الفلسطينيين، وقام باقتطاع 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية التي تقدمها بلاده لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، مكتفيا ب60 مليون دولار فقط. ويبين الكاتب أن هذا ما اضطر الوكالة التابعة للأمم المتحدة، التي تمنح مساعدات دولية منذ عام 1949 لنحو 5.3 مليون لاجئ فلسطيني، للتخلص من العشرات من موظفيها، ولا سيما في قطاع غزة، هذا إضافة إلى معاناتها من عجز مالي بلغ 49 مليون دولار، ليهدد الجوع مزيدا من سكان قطاع غزة المتعبين أصلا من الحصار، حيث يواجه 130 ألفا من موظفيها وأطبائها وممرضيها البطالة، مشيرا إلى أنه تم إبلاغ أب لستة أولاد، عمره 53 عاما، ويعمل مع الوكالة منذ 32 عاما، أن لا عمل له معها بعد الآن. ويقول فيسك: "مهلا، المساعدة قادمة، ألم يقل صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، الذي يشرف على صفقة القرن، إن المساعدة قادمة، ووعد بحياة أفضل للطرف الخاسر؟". ويتساءل الكاتب عن السبب، ويجيب قائلا إن "كوشنر قال قبل شهر تقريبا: (أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل استثمارا في كلام السياسيين المكرر، مما ينظر إلى الكيفية التي ستتيح فيها صفقة السلام له ولجيل المستقبل فرصا جديدة، ووظائف برواتب أفضل، وإمكانيات لحياة جديدة)". ويعلق فيسك قائلا: "لقد أشرت سابقا إلى أن هذا هو المال مقابل السلام، بدلا من الأرض مقابل السلام، فالدولارات باعتقاده قد تعوض عن القدس عاصمة فلسطينية، وإنهاء الاستعمار اليهودي وحق العودة وما إلى ذلك، وهذا هو الحل ال(ترامبي) بامتياز". ويستدرك فيسك قائلا: "إلا أن نظرة للوراء، وقراءة للأحداث التاريخية السابقة، تجعلان من الحل يبدو مثيرا للسخرية، فقد أعطى ترامب القدس أولا للإسرائيليين، وبعدها وعندما تجرأ الفلسطينيون على الشكوى قام بقطع المساعدات الإنسانية عنهم، ودفعهم لحالة اليأس، وبعدها قام من خلال الشاب كوشنر بعرض الدولارات عليهم؛ من أجل الصفقة الكبرى في حال توقفوا عن المطالب اللاعقلانية المعادية للسامية والعنصرية والنازية بالدولة والكرامة ونهاية الاستعمار". ويقول فيسك: "ربما كانت قلوبهم فارغة، لكن أمعاءهم ستمتلئ، وربما كانت آمالهم ميتة لكن حساباتهم البنكية ستمتلئ بالأموال، وبدلا من الكآبة والعنف"، ساخرا من الفرص التي يتحدث عنها كوشنر، ومشككا في حدوثها. ويجد الكاتب أنه "مع الحديث عن الفرص وغمر الفلسطينيين بالحلوى، فلا معنى لبقاء الأونروا؛ لأنه لن يكون هناك لاجئون يعانون من الفقر، لأنهم سيكونون في وضع أفضل إن لم يصبحوا أغنياء، وداعا للقمامة في غزة، وداعا لتهديدات إسرائيل، ولأن المساعدة ذاتها ستتوفر لسكان الضفة الغربية فلماذا يهتم الفلسطينيون بسرقة الأراضي التي تحيط بهم؟". ويرى فيسك أنه "يصعب إخفاء المعادلة، فعندما يحتج الفلسطينيون على تدمير طموحاتهم السياسية ويرفضون (حديث السلام) بالطريقة الوقحة التي يتحدث فيها الأمريكيون والإسرائيليون عنه، فإنه يتم تجويعهم عن قصد وسبق إصرار، فيقول ترامب: (عندما يرفض الفلسطينيون السلام، فلماذا نقدم لهم هذا الدعم المالي الضخم في المستقبل؟)". ويلفت الكاتب إلى أن "نصف أهل غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة، يعتمدون على مساعدات الأونروا، حيث تبلغ نسبة البطالة 40%، فالقضية الفلسطينية سيتم استبدالها، بحسب أحد موظفي الأونروا، بالقضية الإنسانية، وسيكون السلام في هذه الحالة اقتصاديا لا سياسيا". ويفيد فيسك بأنه "تم دفع السعودييين والإماراتيين والمصريين للمشاركة في هذا الكنز المشرقي، محطة توليد كهرباء تمولها أبو ظبي، وسوق مصرية حرة في رفح، وأسهم سعودية في شركات فلسطينية، هي أحلام لكنها مناسبة للجماهير". ويعلق الكاتب قائلا: "بطريقة ما، هي عودة للفتنازيا القديمة عن دبي في الشرق الأوسط، وسنغافورة في غزة، التي كان يدعو إليها شمعون بيريز، والتي اقترحها المثير للشفقة جون كيري (وزيرالخارجية الأمريكي السابق)، وتذكر خطة وزير الخارجية السابق لضخ 4 مليارات دولار لدعم خطة اقتصادية في فلسطين، التي اقترحها في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قبل خمسة أعوام، وأخبر محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) بأن عليه استئناف المفاوضات مع إسرائيل، في الوقت الذي بشر فيه كيري بخطة لتطوير قطاع خاص صحي مستدام في فلسطين، وكان كيري في حينه يعرض دولة فلسطينية مقابل استجابة عباس لمطالبه". ويختم فيسك مقاله بالقول إنه "بالمقارنة، فإن (صفقة القرن) التي يعرضها ترامب لا تحمل أيا من ملامح خطة كيري، باستثناء استمرار المستوطنات التي تقام على تلال الضفة الغربية". على صعيد آخر، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم"، أمس الجمعة، عن تأجيل "صفقة القرن" عدة شهور، بسبب انتخابات داخل الكونغرس الأمريكي، وإمكانية إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل. ونقلت صحيفة الاحتلال عن مصادر عربية (لم تسمّها)، ومصدر قالت إنه مقرّب من البيت الأبيض، أن "صفقة القرن ستؤجل عدة شهور، بسبب انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس". و"صفقة القرن" تسمية متداولة إعلاميا لمساعي واشنطن إنهاء القضية الفلسطينية، وتتضارب الأنباء عن بنود هذه الصفقة، التي جرى الحديث عدة مرات عن اقتراب موعد الإعلان عنها، ثم يتم تأجيل ذلك. وأوضح المسؤول الأمريكي أن إدارة البيت الأبيض ترى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "لن يكون قادرا على التعهد بالالتزام في بنود الصفقة في فترة ما قبل الانتخابات (حال جرت)". وعلّل ذلك بالقول؛ "لأن نفتالي بينيت (وزير التعليم وزعيم حزب البيت اليهودي) سيستغل ذلك ضد نتنياهو". مشيرا إلى أن "الإدارة الأمريكية تتفهم ذلك". وأضاف أن "الخطة تشمل قبول إسرائيل تقديم تنازلات، وهذا قد ينعكس سلبا على موقف المرشحين الجمهوريين في الانتخابات المقررة 6 نوفمبر. المصدر الأمريكي أضاف أن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل قد يدفع واشنطن إلى تأجيل آخر. وفي حال عدم ذهاب إسرائيل لانتخابات مبكرة، فستكون هناك فرصة للإعلان عن الخطة بعد الانتخابات الأمريكية، حسب المسؤول ذاته. وحسب تقدير المسؤول الأمريكي، فإن "نتنياهو لن يكون قادرا خلال فترة الانتخابات على تبني بنود في الصفقة، مثل الاعتراف ب(مدينة) أبو ديس عاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية". "ولن يكون قادرا على قول نعم لمثل هذه الأفكار، لأن نفتالي بينيت سيستغل ذلك ضد نتنياهو، وكذلك لن يستطيع قول لا لترامب". وفي هذا الإطار أيضا، تحدّث مسؤولون عرب نسبت إليه الصحيفة الإسرائيلية التصريحات ذاتها. وقال هؤلاء، إن " مصر والسعودية والأردن تفضل الإعلان عن الصفقة بعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية (تجري كل 4 سنوات)، لذلك بعثت هذه الدول رسالة للإدارة الأمريكية بهذا المضمون". وترفض القيادة الفلسطينية الصفقة، لأنها حسب التوقعات لا تحقق الحد الأدنى من المطالب بدولة مستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة وغزة). وقد عبرت قيادات فصائلية فلسطينية وشخصيات حقوقية وأكاديمية عن رفضها القاطع لرؤية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمريكية التي تسمى "صفقة القرن"، وقالوا إنها تتبنى الرواية والرؤية الإسرائيلية بشكل كامل، وتمس الحقوق الفلسطينية وتتجاوز القانون الدولي. وأكدوا خلال مشاركتهم في مؤتمر عقد في إسطنبول على مدار يومين متتاليين، على التمسك بالحقوق الفلسطينية الوطنية الثابتة والشرعية وفي مقدمتها حق العودة للاجئين وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. وأشاروا إلى رفضهم لكل الخطوات التي تمهد لفرض الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، وبالذات قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان المدينة عاصمة للكيان الإسرائيلي، مؤكدين على أن مدينة القدس ستبقى وللأبد عاصمة الدولة الفلسطينية. كما رفضوا كافة القوانين والإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تهويد كل الأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين بما في ذلك من هم داخل الأرض المحتلة عام 1948 من حقوقهم الأساسية، وخاصة ما يعرف بقانون القومية الذي أقره الكنيست الإسرائيلي والذي يشكل خطرا على الوجود الفلسطيني على أرضه. ودعا المجتمعون إلى مقاومة صفقة القرن وعدم السماح بتمريرها بأية صيغة كانت واعتبروا ذلك واجبا وطنيا يجب أن يتكاثف الجميع لإنجازه وتجاوز الخلافات السياسية، ف"اللحظة صعبة وحرجة ولا تحتمل". كما طالبوا الفصائل الفلسطينية، وبالذات حركتي فتح وحماس، إلى التجاوب مع جهود إنهاء الانقسام بشكل فوري "لأن الضعف سيبقى يعتري أي تحرك فلسطيني رسمي أو شعبي لمواجهة صفقة القرن وإجراءات الاحتلال في ظل الانقسام الفلسطيني". مؤكدين أنه لا يمكن مواجهة التحديات دون التوحد والاتفاق على صيغة مشتركة يتعاون ويتكامل فيها الجميع. وشددوا على ضرورة دعم توجه منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية للتحرك نحو المحاكم والمحافل الدولية في كافة القضايا التي انتهكت فيها "إسرائيل" القانون والمواثيق الدولية. يشار إلى أن عددا من القيادات الفلسطينية والشخصيات الأكاديمية والسياسية والحقوقية شاركوا في مؤتمر نظمه مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "SETA"، ومركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية، ومركز رؤية للتنمية السياسية "VISION"، في مدينة إسطنبول بتاريخ 27-28 يوليوز حول آليات ورؤى الفلسطينيين لمواجهة صفقة القرن، والتبعات المترتبة على ذلك، وسُبل الخروج من مأزق الانقسام الفلسطيني والتبعات المترتبة عن ذلك.