دخلت الجزائر منذ 2 أبريل الجاري، تاريخ استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات، يمكن وصفها بالثورة الجزائرية الثالثة، بعد تلك التي قام بها الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي، والثورة الثانية من أجل التعددية السياسية والديمقراطية التي جرت في 1988. لقد حقق الحراك الشعبي، وفق أغلب المحللين “انتصارا جزئيا” بعد خمسة أسابيع من الاحتجاجات في شتى المدن، استطاع خلالها عزل النظام عن الشعب، ثم تفتيت مكوناته، بعزل مراكز القوى بعضها عن بعض، بشكل أجبر قيادة الجيش على الابتعاد عن السلطة والتفاعل إيجابا مع مطالب الحراك الشعبي، من أجل الحفاظ على الدولة. لفهم المرحلة المقبلة، والدور المتوقع من الجيش الجزائري فيها، ينبغي العودة إلى تطورات الأحداث وتفاعل الجيش معها. علما أن الجيش ظل داعما للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة منذ مجيئه إلى السلطة سنة 1999، قبل أن يفرق بينهما الشعب المنتفض ويجبر الجيش على التخلي عن بوتفليقة ونظامه بعد 15 مارس الماضي تحديدا. محمد الزهراوي، أستاذ العام السياسية بمراكش، يرى أن الطرفين يوجدان أمام خيارين للوصول إلى توافق: الخيار الأول دستوري، ويتمثل في خيار تطبيق المادة 102، لكن من المحتمل والبديهي أنه سيرفض من طرف الحراك الشعبي، بحكم أن اللجوء إلى هذه المادة ليس مطلبا شعبيا ولا يتناسب والمطالب المرفوعة في الشارع، خاصة أن تفعيل وتطبيق المادة 7 و8 من الدستور، بالإضافة إلى تغيير النظام بشكل جذري، تعتبر أهم المطالب التي يتبناها أنصار الحراك الجماهيري. أما الخيار الثاني، فهو سياسي، لكنه محدود ومتجاوز من طرف الشارع الذي رفع السقف عاليا، لاسيما أن النخب السياسية التي تفرض نفسها أو التي يحاول الجيش فرضها على الحراك الشعبي ينتمي معظمها إلى حزب جبهة التحرير، الذي بات ينظر إليه في الأواسط الشعبية على أنه المسؤول عن الوضع المتردي الذي وصلت إليه الجزائر، كما بات ينعت بأنه “الأداة الطيعة” في يد الجيش، التي جرى توظيفها لشرعنة وتقوية نفوذه في الحياة السياسية والاقتصادية. في حال تأكد رفض الشارع للمخرج الذي يقترحه الجيش، فإن الجزائر ستكون أمام مسارين: إما امتثال الجيش لمطالب الشارع بتشكيل لجنة تأسيسية منتخبة، تفرز قيادة سياسية للجزائر تقود مرحلة انتقال ديمقراطي، تصبح فيه المؤسسة العسكرية تحت سلطة المدنيين، أو أن يرفض الجيش الخضوع للشارع، ومن ثم الدخول في مرحلة ترويض وإخضاع بالقوة، تنتهي إلى سيطرة الجيش على السلطة مرة أخرى، باستعمال أشكال ديمقراطية. ويبدو أن المنتفضين اليوم، واعون بمجريات الأمور، وقد استفادوا من تجارب أسلافهم. إذ حتى وهم يخرجون إلى الشوارع للتعبير عن ابتهاجهم بإرغامهم لأجهزة الحكم على استقالة بوتفليقة، سرعان ما يعودون إلى التذكير بأن هذا لا يكفي؛ وأنهم لن يقنعوا إلى بتحقيق شعارهم: “يتنحاو ﯕاع”. الحقوقي والخبير في الشأن المغاربي عبدالمجيد بلغزال، يقول إن المفروض في الجيش الشعبي مواكبة مسار الانتقال السياسي دون التدخل فيه، “وأعتقد شخصيا أن الجزائر بما حباها الله من مقدّرات، مؤهلة اليوم، أكثر من غيرها لإحداث تحول تاريخي نوعي، غير مسبوق، تتجاوز آثاره الإيجابية الجزائر لتعم الفضاء المغاربي والساحل والصحراء…”. بلغزال يعود ليؤكد أن أعداء هذا التحول، الذي من شأنه تحرير الأمة الجزائرية وتحرير مقدراتها من النهب والاستنزاف، “لن يدخروا جهدا من أجل تعطيل المسار أو إنهاكه بالحروب الهامشية، قبل السعي إلى الالتفاف عليه”.. 6الجزائر..من الصراعات الداخلية إبان حرب التحرير؛ إلى ثورة فبراير 2019لعل أكبر خطأ ارتكبه الجزائريون منذ الاستقلال، هو تجاهل أو بالأحرى تغييب الصراعات الداخلية للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. هذه الصراعات كان من الواجب أن تحظى باهتمام كبير من قبل الجزائريين، لأن علاجها كان كفيلا بفهم الحركية الفكرية والسياسية والعسكرية داخل الثورة ذاتها؛ ومن ثم الانطلاق وفق توافق على حركية وديناميكية لا تقصي أحدا. غير أن التغاضي عن هذه الصراعات، واستفراد فريق من الثوار بالسلطة، أدى منذ الأيام الأولى للاستقلال إلى البدء بتصفية الأطراف الأخرى، وإلى إقامة نظام مغلق بحزب واحد لا مجال فيه لأي نوع من المعارضة.