هناك حصار ظاهر وخفي على حضور المرأة في السينما، سواء خلف الكاميرا أو أمامها، وفي مختلف المهن السينمائية. ذلك ما خلص إليه المشاركون في ندوة «السينما بصيغة المؤنث»، التي احتضنها أخيرا مركز تطوان للفن الحديث، ضمن برنامج مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط المختتم أخيرا. من جهته، اعتبر شرف الدين ماجدولين، مسير الندوة، أن ثمة مفارقة تطالعنا عند مقاربة هذا الموضوع، فالسينما شكل تعبيري من المفروض أن يعكس التعدد على كل المستويات، بيد أنه ينطوي في العمق على صوت أحادي ذكوري مهيمن. وعرفت الندوة أربع مداخلات لأسماء وازنة، بينها المفكر المغربي موليم العروسي، الذي انطلق من جملة دالة، يلخصها بقوله: «إن المجتمع ضد الفنان»، أو بالأحرى الفنانة. وقد اختار أن يجعل الحكاية، رغم قدمها وامتدادها في التاريخ، تبتدئ بعبارة تفوه بها وزير مغربي، انتصر فيها لما سماه «الفن النظيف». وهو خطاب يعكس في الحقيقة درجة تسامح المجتمع المغربي وتقبله قيم الانفتاح. وقد لاحظ الباحث المغربي أن «مقاومة هذا المجتمع للتغيير تنعكس بجلاء وتتركز في طريقة النظر إلى جسد المرأة»، ويقدم أمثلة عن ذلك مستقاة من فيلم «حب في الدارالبيضاء»، ومايوه منى فتو، وفيلم «احكي يا شهرزاد»، وما تعرضت له سناء عكرود من هجوم وشتم وقذف بسبب لقطة في الفيلم، اعتبرها البعض «اغتصابا للراية المغربية من طرف مصر». والمؤسف، برأي موليم العروسي، أن «هؤلاء الفنانات تعرضن لتهجم وعنف من لدن الإسلاميين وغيرهم، لكن المثقفين ظلوا يتفرجون عليهن من بعيد، ولم يصدر عنهم أي رد فعل لمؤازرة هؤلاء الفنانات»، يقول المفكر المغربي في مداخلته في رابع ندوات مهرجان السينما المتوسطية بتطوان. من جانبها، قالت بريجيت رولي، المختصة في السينما والمدرسة بمعهد العلوم السياسية بفرنسا، التي كانت أول المتدخلات، إنها ستحاول معالجة هذه المسألة بطريقة متوازنة، تستحضر في الآن نفسه «النصف الفارغ من الكأس، ولكن أيضا نصفه الممتلئ»، ومع ذلك فإن أهم ملاحظة انتهت إليها، في أعقاب دراسات وأبحاث في الموضوع، هي أن ما «يمنح المرأة باليد اليمنى، ينزع منها باليد اليسرى»، تدل على ذلك مختلف الإحصائيات المتعلقة بحضور المرأة في المجال السينمائي. ففي ما يتعلق بالتكوين، مثلا، في معاهد السينما، فرغم ادعاء المناصفة في عدد الذكور والإناث الذين يلجون هذه المؤسسات، فإن عدد الإناث اللواتي يمارسن مهنة متصلة بالسينما بعد التخرج ضئيل جدا، مقارنة بعدد الذكور، وفي المهرجانات أيضا، يسود المنطق نفسه، ففي مهرجان «كان»، مثلا، يظل عدد الأفلام الموقعة من لدن نساء مخرجات، والتي تنتقى للمشاركة في المسابقة الرسمية قليلا مقارنة بتلك التي تحمل أسماء مخرجين رجال. من جهة أخرى، فإن الميزانيات التي تحصل عليها المخرجات النساء لتصوير أفلامهن، أقل من تلك التي يحظى بها الرجال. وتقول بريجيت رولي إن «بعض الأفلام التي تخرجها نساء، رغم ميزانيتها الضعيفة، فإنها تعد تحفا فنية تتجاوز بكثير أفلاما تطلبت ميزانيات ضخمة أخرجها رجال». ومع ذلك، تقول الباحثة، فإنني «لا أظن أن هناك مؤامرات تحاك في الظل، لكن هناك مقاومات في مكان ما، وقد تكون معششة في الأذهان». أما أيتينمولتو ساراي، السينمائية والأنتروبولوجية السويسرية، فقد اعترفت أولا بأنها ليست نسوية النزعة، وأنها لا تناضل من أجل التفرقة بين الجنسين. وتقول لتوضيح رأيها: «إنني أرفض استعمال معجم الحرب والمعارك والضحايا والأعداء، عند مقاربتي هذا الموضوع، وأربأ بنفسي عن اعتماد منطق الثنائيات الضدية»، بل «أسعى إلى تطوير فضاء للقاء بعيدا عن هذه المقولات الاختزالية». وتقر الباحثة والسينمائية السويسرية بأنها تستلهم أعمال إدوارد سعيد وتيار ما بعد الكولونيالية، بحثا عما تسميه «الكينونة في مكان آخر أبعد، بمنأى عن الخانات والتصنيفات المحتكمة إلى منطق التناقض والقطائع».