عكس عهد الملك الراحل الحسن الثاني، والذي هيمنت فيه الريبة والسعي إلى الضبط على علاقة القصر بالمؤسسة العسكرية، ورغم أن الملك محمد السادس لم يكن بعيدا عن المؤسسة العسكرية قبل توليه الحكم، إلا أن اهتماما كبيرا أحيط به أول اجتماع عقده مع كبار جنرالاته، حيث كانت القيادة العليا للجيش المغربي على موعد يوم 9 غشت 1999، مع اجتماع عقده محمد السادس مع القيادات العسكرية بصفته ملكا للبلاد لأول مرة. الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، عبدالرحمان مكاوي، يعتبر أنه وعلى مستوى العقيدة العسكرية للجيش المغربي، “هناك مراجعات في الاستراتيجية العامة، حيث أصبح هناك تركيز على كيفية مواجهة محاولات الهيمنة الجزائرية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء؛ وأيضا في منطقة البحر الأبيض المتوسّط، حيث توجد إسبانيا المحتلة لمدينتي سبتة ومليلية، وحيث يتحالف اليمين مع اليسار، في السعي إلى مغرب ضعيف وغارق في رمال الصحراء. وعلى هذا المستوى وقعت مراجعات من حيث تحديد الأعداء المفترضين وتحقيق التوازن الاستراتيجي، فأصبح الجيش المغربي من الجيوش التي يُضرب لها حساب في المنطقة”. ظل ملف الصحراء مستحوذا على “عقيدة” الجيش المغربي وعنصرا محددا لميزانيته وصفقاته التي توالت في السنوات الأخيرة، أبرزها صفقة اقتناء طائرات “إف 16” الأمريكية سنة 2009، بعد فشل صفقة اقتناء طائرات “رافال” الفرنسية. وباستثناء بعض المناوشات الهامشية التي خاضها جنود محمد السادس بين الفينة والأخرى مع بعض العناصر المسلحة التي تقوم بأنشطة التهريب جنوب المملكة، لم توضع القوات المسلحة الملكية في السنوات الأخيرة على محك حقيقي، باستثناء استعراض القوة الذي قامت به معها القوات الإسبانية حول جزيرة “ليلى”، حيث انتهت العناصر العسكرية المغربية مكبلة ورهينة لدى “العدو” الإسباني. تسلّح مكثّف شهدت السنوات الأخيرة مضي المغرب في تطوير وتحديث ترسانته من الأسلحة وفي كل المجالات، ولم يقتصر الأمر على رفع جاهزية سلاح الجو والقوات البحرية، بل شرعت المملكة المغربية، أيضا، في تعزيز قدراتها البرية من خلال صفقة للحصول على شحنة كبير من صواريخ أمريكية شديدة الفعالية في مواجهة المدرعات العسكرية أعلن عنها قبل سنتين. وزارة الدفاع الأمريكية كشفت حينها أنها صادقت على صفقة بقيمة تتجاوز المائة مليون دولار، يحصل بموجبها المغرب على 1200 صاروخ من نوع “تاو2ا”، بعدما كانت صفقة أبرمت في نهاية العام السابق، تتعلّق بشحنة أولى ب600 صاروخ من النوع نفسه. يتعلّق الأمر بصاروخ من نوع "تاو 2ا"، وهي صواريخ أمريكية جد متطورة سطع نجمها في الفترة الأخيرة واعتبرها جلّ الخبراء العسكريين صاحبة الدور الحاسم في العمليات التي خاضها مقاتلون معارضون، أكراد على وجه الخصوص، في معاركهم في سوريا. القيمة التقريبية لتلك الصفقة، هي 108 ملايين دولار، وتهمّ إلى جانب الصواريخ التي يمكن حملها واستخدامها يدويا، تجهيزات تقنية أخرى تتلاءم مع هذا النوع من السلاح الذي أثبت فعاليته في مواجهة المدرعات والدبابات العسكرية. في تأطيرها القانوني لمثل هذه الصفقات، تعتبر وزارة الدفاع الأمريكية أنها تتلاءم مع المصالح العليا للولايات المتحدةالأمريكية في مجالي الأمن والسياسة، من خلال اندراجها في إطار دعم حليف كبير من خارج حلف شمال الأطلسي، “والذي يواصل لعب دور قوة أساسية في الاستقرار السياسي والاقتصادي والتقدم في منطقة شمال إفريقيا”. الصفقات الأخيرة التي أبرمها المغرب في مجال الصواريخ، شملت أنظمة قنابل “ذكية” سيتسلّم المغرب أنظمة توجيهها في أجل أقصاه العام 2021، حيث يمكن إطلاق الصواريخ عبرها على مسافة تصل إلى 24 كيلومترا عن الهدف، وتتّسم بدقّتها البالغة في إصابة الأهداف ومزاوجتها بين استعمال الليزر كتقنية في التوجيه، والتكنولوجيا الحديثة ل"جي بي إس" عندما تكون أحوال الطقس مضطربة. وتعتبر هذه الذخيرة "الذكية" قابلة للاستعمال بواسطة العتاد الجوي والبحري الذي يتوفّر عليه الجيش المغربي، خاصة منه طائرات "إف 16" الأمريكية الشهيرة. تعزيز القدرات العسكرية البرية شمل توصّل المغرب السنة الماضية بحوالي 127 دبابة أمريكية متطورة، من طراز “أبرامز”، وهي أكبر دفعة تتوصل بها المملكة خلال السنوات الأخيرة، في إطار صفقة موقعة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2012 بقيمة تناهز 10 ملايير درهم. هذه الدبابات التي تنتمي للجيل الثالث، ما جعلها تثير قلق جيران المملكة. بحيث نشرت وكالة الأنباء الإسبانية “Infodefensa” قصاصة تتحدث عن رصد الدفعة الجديدة من الدبابات التي توصل بها المغرب عبر الأقمار الاصطناعية الإسبانية. بموجب هذه الصفقة سيتوصل الجيش ب220 دبابة “أبرامز”، حسب الوثيقة المنشورة بالموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية. هذه الدبابات مزودة بتقنيات عسكرية متطورة، صالحة للمناطق ذات الجغرافية القاسية، كالصحراء المغربية. وتسلم المغرب سابقا الدفعة الأولى من دبابات “أبرامز” تتكون من 22 دبابة، ثم دفعة ثانية في حدود 20 دبابة، أما الدفعة الأخيرة، فتتكون من 127 دبابة، فيما يُرتقب أن يبرم المغرب بالولاياتالمتحدةالأمريكية صفقة جديدة، بموجبها سيحصل المغرب على 162 دبابة إضافية من الطراز نفسه، ليصبح بذلك عدد مدرعات “أبرامز” في حظيرته، في حدود 384 دبابة. بحث عن تفوّق نوعي التقارير الدولية الحديثة صارت تُدرج المغرب ضمن أكبر مستوردي السلاح في العالم، خاصة بعد التحاق المغرب بنادي الدول المتوفرة على أقمار اصطناعية ذات الاستعمال العسكري، ليكون بذلك الدولة الإفريقية الثالثة التي تحوز هذه التكنولوجيا بعد مصر وجنوب أفريقيا. معطى اقتناء المغرب لقمر اصطناعي للاستخدام العسكري، ظهر رسميا في تقرير معهد ستوكهولم للسلام مستهل 2017، قبل الإعلان رسميا عن الأمر، مؤكدا تسريبات سابقة كانت قد نشرتها صحف فرنسية، وتحدّثت عن إبرام الصفقة عام 2013، بقيمة تناهز 500 مليون أورو. وتوضح بعض المصادر الفرنسية أن الأمر يتعلّق بقمرين اثنين يمكن استخدامهما معا في الحصول على صور ومعطيات دقيقة وموثوقة في مجال التجسس العسكري، إلى جانب استعمالات أخرى في مجال الخرائط والبيئة… فدخول التقنيات التكنولوجية والفضائية المتطورة مجال المبادلات التجارية الدولية في مجال التسلح، انطلق، حسب تقرير معهد “ستوكهولم” في العام 2005، حين حصلت تايوان على قمر اصطناعي عسكري من فرنسا، تلاها حصول مصر وجنوب أفريقيا على قمر اصطناعي روسي لكل منهما في 2014، ثم قمر اصطناعي فرنسي لصالح تركيا، وآخر إيطالي لصالح البيرو في العام 2016. إلى جانب سلاحي الجو والبر، دخل المغرب، أيضا، في عملية تطوير استثنائي لقواته البحرية. ففي يناير 2012، نجحت الفرق التقنية والعسكرية الفرنسية المتخصصة، في التجارب الأولى لتجهيز الفرقاطة العملاقة المسماة “محمد السادس”، بصواريخ متطورة قادرة على بلوغ أهداف على بعد مئات الكيلومترات، بما فيها الأهداف تحت البحرية، أي الغواصات. وأعلنت حينها مصادر من الشركة الفرنسية لبناء المعدات العسكرية البحرية DCNS، أن تلك الفترة عرفت إنجاز تجارب ناجحة على الأنظمة القتالية للسفينة الجديدة، وعلى رأسها شحنها بالصواريخ التي ستمثل السلاح الأساسي للفرقاطة الجديدة عند دخولها الخدمة، وهي الصواريخ التي ستمكن الفرقاطة التي تعتبر آخر طراز أوروبي، من القضاء على أهدافها العسكرية على بعد مئات الكيلومترات. الفرقاطة التي تسلّمها المغرب، خضعت على مدى أسابيع لاختبارات لأنظمة قيادتها الجديدة، وأجهزتها التقنية في التوجيه والتحرك داخل المياه. وشملت تلك التجارب نحو 200 شخص من الأطقم التقنية، لاختبار قدرتها على العمل على متن هذه الفرقاطة ذات الخصائص الجديدة وغير المألوفة، سواء منها العسكرية أو التقنية. ويبلغ طول الفرقاطة نحو 142 مترا، وتعتبر قادرة على حمل ما يقدّر ب6000 طن، من ضمنها أصناف عدة من الصواريخ ذات المهام المختلفة. زبون مغر في سوق السلاح تقرير استثنائي أصدرته وكالةStrategic Defence Intelligence، الموجود مقرها بالعاصمة البريطانية لندن حول الجيش والتسلح في المغرب قبل سنتين، قال إن المغرب يعمل على استيراد أسلحة وذخيرة من النوع المتطوّر، “من قبيل الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والصواريخ والدبابات والفرقاطات، بهدف تقوية قدراته العسكرية”. الوثيقة التي تُعتبر مرجعا لكبار مصنّعي وتجار الأسلحة في العالم، قالت إن سوق التسلح المغربي في منحى تصاعدي، رغم الانخفاض الذي سجلته السنوات الأربع الماضية في قيمة النفقات السنوية، والتي تراجعت من 3.8 مليار دولار سنة 2013 إلى 3.5 مليار دولار في 2017. تراجع قال التقرير إنه يعود إلى ارتفاع في قيمة الدرهم في مقابل الدولار، وليس لتراجع المخصصات المغربية الموجهة للتسلح. وكشف التقرير أن المقتنيات المغربية المستقبلية من الأسلحة، تتمثل، أساسا، في مزيد من الطائرات المقاتلة والمروحيات والغواصات وأنظمة رادار وسفن حربية… هذا التقرير يوضح أن المغرب يخصص قرابة 3 في المائة من ناتجه الداخلي الإجمالي، لتغطية النفقات العسكرية. نسبة تكاد لا تخصصها أي من الدول المتقدمة والديمقراطية لجيوشها، رغم مصالحها الكبيرة وتحدياتها الخطيرة. نسبة، يقول التقرير، إنها ستعرف بعض الانخفاض في السنوات المقبلة، بالنظر إلى ارتفاع ميزانية الدفاع بإيقاع أقل من معدل نمو الناتج الداخلي الإجمالي للمغرب. التقرير، ورغم إشارته إلى التهديد الذي تمثله جبهة البوليساريو بالنسبة للمغرب، إلا أنه يبني جل معطياته على الضغط الذي تمثله الجزائر بالنسبة إلى الاختيارات العسكرية للمغرب. هذا الأخير يعتبر ثاني أكبر مستورد للسلاح في القارة الإفريقية، بعد الجزائر التي دخلت منذ الطفرة البترولية الأخيرة التي انطلقت في 2003، في حملة تسلح غير مسبوقة في تاريخها. “وبالنظر إلى أن المغرب بلد غير متقدم في مجال الصناعات العسكرية، فإنه يلجأ إلى استيراد كل حاجياته من الأسلحة”. واردات يقول التقرير إنها تأتي بالدرجة الأولى من الولاياتالمتحدةالأمريكية، مفسرا ذلك باتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين.