منعطف مثير شهده التحقيق الإعدادي في ملف المسؤول الأمني الذي أوقفته الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، زوال يوم الأربعاء 27 فبراير المنصرم، متلبسا بتسلم رشوة داخل مكتبه بالدائرة الأمنية الثانية بمدينة قلعة السراغنة المجاورة، فقد أدلى ثلاثة شهود، مؤخرا، بإفادات أمام قاضي التحقيق باستئنافية مراكش يفندون فيها ما جاء في شكاية الشخص، الذي يتهم المسؤول الأمني المتهم، وهو برتبة عميد شرطة، بمطالبته بمبلغ مالي على سبيل الرشوة، مقابل التوسط له لإخراج ملف من الحفظ، ليتم توقيفه في حالة تلبس بتسلم مبلغ الرشوة داخل مكتبه الوظيفي. أحد الشهود، الذي يعمل بائعا للسيارات المستعملة، أكد بأنه سبق أن باع للمسؤول الأمني سيارة وبقي في ذمته مبلغ 5000 درهم، ملتزما بإعطائه إيّاه بمجرد استرداده من شخص أقرضه مبلغا بالقيمة المالية نفسها، وضاربا معه موعدا لتسليمه المبلغ على الساعة الواحدة من بعد زوال اليوم نفسه، الذي تم توقيفه فيه من طرف الفرقة الجهوية، بحضور وإشراف مباشر لأحد نواب الوكيل العام بمراكش. إفادة الشاهدين الآخرين، وأحدهما يعمل سائق شاحنة، لا تختلف عن سياق رواية الشاهد الأول، فقد أدليا بتصريحات متطابقة مفادها بأنه سبق لهما أن شاهدا المشتكي برفقة المسؤول الأمني، وهما يتجادلان بحدة داخل مقهى تابع لفندق مصنف بالمدينة، موضحين بأن عميد الشرطة كان يطالب المشتكي باسترداد مبلغ مدين له به. وقد أجرى قاضي التحقيق، عبد الرحيم المنتصر، مواجهة بين الشهود والمشتكي، الذي أنكر أي معرفة شخصية سابقة له بهم، كما نفى أن يكون تردد على المقهى المذكور، داعيا إلى الرجوع لتسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة بالفندق لتأكيد صحة تصريحاته. إفادات شهود”النفي” تثير جدلا قانونيا لدى المتتبعين المحليين للملف، فقد تباينت الروايات حول الطريقة التي دخلوا بها على خط القضية، فبينما أكد مصدر محلي بأن الشهود الثلاثة تقدموا بشكل تلقائي، لدى النيابة العامة المختصة، للإدلاء بشهاداتهم بعد أن تناهى إلى علمهم توقيف المسؤول الأمني، أشار مصدر آخر بأن دفاع المتهم هو الذي تقدم بلائحة للشهود المذكورين لدى الوكيل العام، الذي أحالها على قاضي التحقيق. في المقابل، أكد مصدر قانوني بأن الشهود الثلاثة لم يأت المتهم على ذكر أسمائهم، خلال مرحلة البحث التمهيدي، ولم يسبق أن تم الاستماع إليهم من الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، مستغربا كيف يجري الاستماع إلى شهود لم يسبق لهم أن كانوا مصرّحين بمحضر الضابطة القضائية، التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وعلمت “أخبار اليوم” بأن التطورات الجديدة دفعت بالمشتكي إلى التقدم، بواسطة أحد المحامين، أمس الاثنين، بطلب تنصيب نفسه مطالبا بالحق المدني، بعد أن كان فضّل عدم التنصّب طرفا مدنيا، خلال المرحلة السابقة. هذا، وبعد انتهائه من الاستنطاق التفصيلي للمتهم ومواجهة الشهود الجدد مع المشتكي، أحال قاضي التحقيق الملف على نائب الوكيل العام من أجل إبداء استنتاجاته وإعداد الملتمس النهائي بانتهاء التحقيق الإعدادي، قبل إعادة إحالته، مجددا، عليه، ليصدر قرارا إما بحفظ الشكاية لعدم كفاية الأدلة، أو أن تُنتج الأبحاث الأمنية والقضائية أدلة كافية على ارتكاب المتهم للجناية المتابع بها، فيصدر قرار إحالته على المحاكمة أمام غرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة نفسها. وكان المشتكي، الذي عمل لمدة أكثر من 12 سنة مهاجر بأوربا، تقدم بشكاية لدى المصالح المختصة برئاسة النيابة العامة، عبر الخط الهاتفي الأخضر المباشر الذي أطلقته للتبليغ عن الفساد و الرشوة، يتهم فيها عميد الشرطة “محمد.ز”، بأنه طلب منه رشوة قدرها 5000 ألف درهم، مقابل التدخل له من أجل تحريك المسطرة القضائية في شأن ملف، سبق للنيابة العامة بابتدائية المدينة أن اتخذت فيه قرارا بالحفظ. وقد أحيلت الشكاية على النيابة العامة المختصة، ممثلة في الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، الذي كلف أحد نوابه بالتنسيق مع الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، من أجل ربط الاتصال بالمشتكي، الذي جرى الاستماع إليه في محضر رسمي، وتم الاتفاق معه على معاودة الاتصال بالمسؤول الأمني وإبداء موافقته على تسليمه الرشوة المفترضة، ضاربا معه موعدا بمكتبه الوظيفي، ليتم نسخ الأوراق المالية للمبلغ المذكور، قبل أن ينجح الكمين الأمني بتوقيف المشتكى به متلبسا بتلقي الرشوة المفترضة، ويجري توقيفه، وتتم مرافقته إلى منزله من أجل حجز سلاحه الوظيفي، الذي تم وضعه في عهدة رؤسائه بالمنطقة الإقليمية للأمن بالقلعة، ليُقتاد، بعد ذلك، إلى مقر الفرقة بمراكش، حيث تم وضعه تحت الحراسة النظرية، على ذمة البحث القضائي التمهيدي. واستنادا إلى مصدر مطلع، فقد نفى المسؤول الأمني، المنحدر من مدينة القنيطرة، التهمة المنسوبة إليه، موضحا في تصريحاته التمهيدية وأمام النيابة العامة وقاضي التحقيق، بأن المبلغ الذي ضُبط متلبسا بتسلمه لم يكن رشوة، بل قرضا كان يسترجعه من المشتكي.