لا يكاد المجتمع المغربي يخرج من صدمة جريمة بشعة تهز الرأي العام إلا ويدخل في أخرى، آخر هذه الجرائم حادث تقطيع رأس مواطن بالمحمدية، وفيديو يوثق محاولة اغتصاب فتاة في البيضاء والذي أثار موجة استنكار واسعة. وقائع تعيد إلى الأذهان جرائم مماثلة شهدتها المملكة خلال الأشهر الماضية، والتي تتراوح بين اغتصاب وقتل وسرقة واعتداءات بالسلاح الأبيض وغيرها، ما يدفع الكثير إلى دق ناقوس خطر معدل الجريمة في المملكة وخطورة التطبيع معها. الباحث في علم الاجتماع علي الشعباني، أرجع الظاهرة لعوامل عديدة، ساهمت في تطبيع المغاربة مع الجريمة في يومنا هذا، ومن بين هذه العوامل تلك المتعلقة بما هو اجتماعي وسياسي وثقافي، علاوة على التغيرات التي طرأت على المجتمع على عدة أصعدة. هذا التطبيع أدى إلى وقوع جرائم “لم نكن نسمع عنها قبلا، على غرار تقطيع الرؤوس وتشويه الجثث وحرقها وأشياء غريبة عن الواقع المغربي”، يقول علي الشعباني. واعتبر الباحث الاجتماعي أن الجريمة في المغرب لا يمكن نسبها للعوامل الاجتماعية والاقتصادية فقط، على اعتبار أن المجتمع المغربي كان دائما فقيرا والفقراء لم يكونوا مجرمين، بل هنالك عوامل أخرى عمقت من الظاهرة، منها تراجع منظومة القيم في المجتمع واضمحلالها بشكل كبير، فضلا عن فشل المنظومة التعليمية في لعب دور الحصانة من هذه الظاهرة. الشعباني حمل المسؤولية أيضا للانفلاتات الأمنية التي يشهدها المغرب، والاستهتار في التعامل أمنيا مع الجريمة بمختلف تلاوينها، على اعتبار أن المجرمين اليوم يستفيدون من أحكام مخففة جدا، لدرجة الاستهتار والاستهزاء بأمن المجتمع، كما يجري تمتيعهم بأحكام بديلة من أجل تجنب الاكتظاظ الحاصل في السجون، وهو ما يحيل هنا إلى التركيز فقط على الوازع السياسي الذي يؤخذ بعين الاعتبار دون استحضار أبعاد الظاهرة الاجتماعية. بلغة الأرقام، ذكر تقرير للوكيل العام للملك في محكمة النقض ورئيس النيابة العامة السنة المنصرمة، أن القضايا الجنائية وصلت لوحدها إلى أزيد من مليون قضية، وورد في التقرير “أن الأفعال الجرمية المتسمة بالعنف على غرار الاعتداءات الواقعة على الأشخاص بواسطة أسلحة بيضاء أو التجول بالأسلحة تثير الهلع لدى الناس أكثر من غيرها”. وسجل التقرير أن المغرب يشهد حالة من ارتفاع العنف ضد الأصول والذي بلغت نسبته 8687 قضية السنة المنصرمة فقط. على المستوى العالمي، حل المغرب السنة المنصرمة في الرتبة 43 عالميا والسادسة عربيا من بين 125 دولة شملها تصنيف الموقع العالمي “نامبيو” المتخصص في تصنيف الدول وفقا لمعدلات الجريمة والأمن. ووفقا لذات المصدر، فمعدلات الجريمة وصلت في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء فقط إلى 54.34 في المائة مقابل 65.68 كمعدل للأمن. وبهذا المعدل تكون البيضاء ثاني أخطر مدينة في شمال إفريقيا من حيث معدلات الإجرام بحسب الموقع الأمريكي. ووسط هذه الأرقام الدولية التي توصف بالمقلقة، تشير إحصائيات رسمية لوزارة الداخلية إلى أن معدل الجريمة في البلاد لا يتجاوز على مستوى جميع أشكالها 21 قضية لكل ألف مواطن سنوياً. واعتبرت الوزارة أن هذا الرقم “هو أحد أقل المعدلات على مستوى العالم”.