رغم الأرقام المثيرة التي تكشف حجم الخصاص المهول في هيئة التدريس بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الذي يتوقع أن يتجاوز في أفق سنة 2028، 206 ألف مدرس، شرعت وزارة أمزازي في التخلص من موظفيها مقابل تعزيز استراتيجية التوظيف بالعقدة التي أقرتها الحكومة رغم رفض النقابات واستمرار احتجاجات الأساتذة المتدربين في شوارع الرباط، فقد أعلنت الوزارة عن بدء الاستفادة من التقاعد المبكر أو النسبي، ابتداء من الموسم الدراسي المقبل 2019/2020، وهو الإجراء الذي اعتبره البعض يسهم في إفراغ المدرسة العمومية من الأساتذة، وهو ما يؤكده التأشير على عشرات الآلاف من قرارات الإحالة على التقاعد. إلى هذا، وجه سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، مذكرة إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، قصد الشروع في تسجيل الأساتذة الراغبين في مغادرة الوظيفة العمومية. واشترطت الوزارة على أسرة التعليم للاستفادة من التقاعد النسبي أن يكون الموظف مرسماً قضى ثلاثين عاما من الخدمة الفعلية إلى غاية 13 غشت 2018، ابتداء من تاريخ التوظيف، دون احتساب فترات التوقيف المؤقت عن العمل (الاستيداع)، وكذا فترات التوقيف المؤقت عن العمل الناجمة عن رخصة المرض، وفترات قضاء عقوبة الإقصاء المؤقت. وتعليقا على هذه الإجراءات، أكد عبد الإله دحمان، الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، الارتفاع المهول في نسبة المحالين على التقاعد النسبي، موضحا في اتصال مع “أخبار اليوم”، أن لجوء الحكومة إلى التوظيف بالتعاقد، تبين على أنه ليس مدخلا بيداغوجيا يحقق الشعارات الكبرى للرؤية الاستراتيجية التي تؤكد على تكافؤ الفرص والجودة، لأنه كرس لعلاقات مهنية هشة لا يتوفر فيها الأساتذة على ضمانات قانونية، أو على الاستقرار المهني والاجتماعي المطلوب. وشدد دحمان أنه ليس أمام الحكومة إلا أن ترفع من عدد المناصب المالية في إطار قانون المالية 2019 لتدارك الخصاص المهول، مطالبا بإجراء دراسة حقيقية للكشف عن الأسباب التي تدفع الآلاف من الموظفين إلى مغادرة الوزارة، ليؤكد أن قطاع التعليم لم يعد قطاعا يجدب الموظفين نتيجة المعاناة والأوضاع المهنية التي يمرون بها، والجمود الحاصل في تطوير المدرسة العمومية، وعدم مسايرة التحولات الجارية. وكشف المسؤول النقابي عن رغبة جهات معينة في تدمير المدرسة العمومية، والتمكين للقطاع الخاص، وقال إن سؤال الإصلاح التعليمي لا بد أن يكون سؤالا مؤطرا بإرادة سياسية حقيقية من طرف الحكومة والفاعلين في القطاع، مع ضرورة استحضار المطالب المشروعة والتسريع بمعالجة كل الإشكالات المرتبطة بالخصاص في الموارد البشرية. يوسف علاكوش، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، أوضح أن القرار الجديد لوزارة أمزازي هو رغبة منها في معرفة العدد الحقيقي للراغبين في الاستفادة من التقاعد النسبي، وضبطا لكل التوقعات المرتبطة بهذا الإجراء. وأوضح علاكوش، في تصريح للجريدة، أن الوزارة وعلى العكس من كل التوقعات تسعى حاليا للاحتفاظ بالأسرة التعليمية عن طريق التمديد القسري، مشددا على أن الحكومة عاجزة عن سد الخصاص الفعلي في الموارد البشرية في قطاع التربية الوطنية، مشددا على أن التوظيف بالعقدة الذي يبقى إجراء هشا يزيد من تعميق الأزمة، ولن يساهم في تحقيق الهدف الأساسي لسد الخصاص وتوفير الموارد البشرية الكافية، على الرغم من توظيف 54 ألف مدرس إلا أن هذه الأرقام لم تستطع أن تخفف من الاكتظاظ الحاصل في الأقسام التعليمية. وكشف عضو اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية بالمجلس الأعلى للتعليم، أن هناك أزمة تمويل تواجه حكومة العثماني لمباشرة الإصلاح، لأنها باتت لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية لسد الخصاص المهول في القطاع التعليمي، منوها بأن وزارة المالية رفضت منحها 20 ألف منصب مالي جديد، وهو ما دفع بها إلى استرجاع كل الأطر التعليمية التي تشتغل في وزارات أخرى من أجل العودة إلى مهمة التدريس من جديد، لأن وزارة المالية فرضت عليها توظيف جميع مواردها البشرية في التدريس.