أعاد قرار النيابة العامة فتح تحقيق في موضوع الشكاية التي تقدمت بها جمعية حماية المال العام حول الاختلالات التي عرفتها أسعار المحروقات وفوّتت على ميزانية الدولة 17 مليار درهم، حيث كلّفت الشرطة القضائية بالرباط بالاستماع إلى محمد الغلوسي، رئيس الجمعية، أعاد الجدل حول مصير مشروع قرار حكومي يرمي إلى تسقيف الأسعار. وقال الحسن الداودي، وزير الحكامة والشؤون العامة، في تصريحات صحافية إن الحكومة لم تتخذ أي قرار بعد، فيما يخص تسقيف أسعار المحروقات، مشيرا إلى أنها منهمكة خلال الأشهر الماضية في تفعيل الأولويات الملحة التي طرحها الخطاب الملكي لعيد العرش الأخير. وكان الداودي قد صرّح أمام البرلمان أن وزارته مستعدة للتقدم بمشروع مرسوم شبه جاهز يرمي إلى تسقيف الأسعار في قطاع المحروقات، من خلال إعادة النظر في بنية الأسعار ككل. قبل أن ينفجر الخلاف داخل الحكومة بين توجهين: الأول يرمي إلى تسقيف الأسعار، بينما يرمي الثاني إلى تسقيف الأرباح. وعلى وقع تلك الخلافات، تراجع النقاش حول الموضوع إلى الخلف، قبل أن يعود إلى الواجهة مجددا بفضل شكاية جمعية حماية المال العام التي تقدمت بها أمام رئاسة النيابة العامة، والتي أحالتها على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط التي أعطت تعليماتها للاستماع إلى رئيس الجمعية محمد الغلوسي، وهو ما تم قبل أيام، وسط تخوفات من إقبار الملف. وقال عبداللطيف وهبي، محامي وقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، إن البرلمان “قام بدوره في الحدود الممكنة، لكن الحكومة لم تُفعل توصيات تقرير اللجنة البرلمانية، ربما خوفا من تكسير التحالف بين الأغلبية”. وأضاف وهبي أن “الشعب المغربي يؤدي اليوم ثمن السياسة”، مشيرا إلى أن هناك “تواطؤا بين التحالف الحكومي في موضوع أسعار المحروقات، يدفع ثمنه الشعب من جيبه”. لكن عبدالعزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة في حزب العدالة والتنمية، استبعد هذه القراءة وقال ل”أخبار اليوم” إن التأخر في ضبط أسعار المحروقات يعود إلى “الضغوط الكبيرة التي تمارسها لوبيات المصالح في هذا القطاع من أجل أن يبقى الوضع كما هو عليه”، مؤكدا أن “هناك اقتساما للسوق بين كارتيلات معينة”. واعتبر أفتاتي أن الحكومة السابقة حين أقدمت على تحرير الأسعار في سياق إصلاح صندوق المقاصة، كانت قد أعادت النظر في قانون الأسعار وفي قانون مجلس المنافسة، وكان يفترض أن يتم تفعيل تلك الإجراءات المصاحبة في حينه، لكن “اللوبيات استطاعت أن تقبر تلك الإجراءات، بما فيها تعطيل مؤسسة دستورية” في إشارة إلى مجلس المنافسة. وعن دور الحكومة الحالية في تفعيل تلك الإجراءات، أوضح أفتاتي أن “تفعيل دور مجلس المنافسة على ضوء القانون الجديد ليس بيد الحكومة لوحدها، بل هناك مؤسسات أخرى معنية”. وكان تقرير المحروقات، الذي أعدته لجنة برلمانية، كشف عن اختلالات كبرى في القطاع، منها أن أرباح الشركات العاملة في القطاع تضاعفت إلى 17 مليار درهم في سنتين، منها ملايير درهم كانت أرباح صافية لشركة “افريقيا غاز” التي يملكها عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، علما أن “المعطيات والأرقام غير مكتملة، ويمكن أن تكون الأرباح أكبر”. وفي غياب مجلس المنافسة، الذي يعد دركي السوق، فإن الفاعل المهيمن في قطاع المحروقات، أي “افريقيا غاز”، يصبح هو ضابط الإيقاع فيما يخص مستوى الأسعار، والتي ظلت خلال السنوات الثلاث الماضية تناهز 10 دراهم للتر (المازوط)، و12 درهما (البنزين).