حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة العربية بين تحديات الإخفاق وجهود الإصلاح *3
نشر في اليوم 24 يوم 31 - 08 - 2018

الاختلالات التي عرفتها وتعرفها الجامعة العربية أصبحت بادية للعيان، حتى أن الكثير من الدبلوماسيين والسياسيين والمثقفين العرب تساءلوا ما من مرة: لأي شيء تصلح هذه الجامعة وما الغاية من انعقاد اجتماعاتها وقممها مادامت التوصيات الصادرة عنها لا تجد طريقها للتنفيذ، وما دام أنها وعلى امتداد 73 سنة من تأسيسها لم «تجمع» الدول العربية التي ازدادت فرقة وتشرذما وصراعات سياسية واقتصادية… في هذه الدراسة التي تنشرها «أخبار اليوم» على حلقات، يقوم الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، بتسليط الضوء عن الإخفاقات التي عرفتها الجامعة العربية وجهود إصلاحها.
مع تعاقب العقود على الجامعة العربية وعجز النظام الإقليمي العربي عن البروز كقوة إقليمية تؤثر على منظومة توازن القوى الشمولي والجهوي، أصبح من المنطقي توجه كل من الأمانة العامة والأجهزة المقررة نحو بحث سبل الإصلاح عن طريق البحث في تعديل الميثاق وإصلاح الإطار المؤسسي للجامعة، بما في ذلك الأمانة العامة والمجالس والقمة والهيئات المتخصصة، بل وحتى تلك المؤسسات التي تربط الجامعة بالشعوب العربية، بما في ذلك البرلمان العربي ولجنة حقوق الإنسان. ويبدو أن رياح الربيع العربي ساهمت بشكل قوى في بحث هذا الموضوع، إذ سارع الأمين العام في شتنبر 2011 إلى تشكيل "اللجنة المستقلة لدراسة سبل إصلاح وتطوير الجامعة العربية"، برئاسة السيد الأخضر الإبراهيمي، وهي اللجنة التي وضعت تقريرها في يناير 2013، وهو التقرير الذي يعتبر بحق مساهمة جدية ومنتجة بالمقارنة مع ما تحقق في هذا المجال من تراكمات ومع التطورات الخطيرة التي أصبحت المنطقة العربية تعرفها، بما في ذلك تفتت بعض الدول واستفحال مظاهر الفوضى وعدم الاستقرار من جهة، ومن جهة أخرى فشل استراتيجيات التنمية المستدامة ومشاريع الاندماج الاقتصادي، فقد اتجهت هذه الورقة بالتركيز، أساسا، على حتمية مراجعة علاقة الجامعة بالشعوب العربية: (المبحث الأول) وإعادة صياغة سبل الاندماج الاقتصادي الذي أصبح ضرورة حيوية للتعايش مع رهانات العولمة: (المبحث الثاني).

المبحث الأول:
مراجعة علاقة الجامعة بالشعوب العربية: لقد مر على تأسيس الجامعة العربية سبعة عقود، لعبت فيها دور المنتدى المفتوح لتعبير القيادات العربية عن مواقفها بعيدا عن مطالب الجماهير العربية وطموحاتها. ولقد جاءت ثورات الربيع العربي لتعري هذا الواقع وتؤكد بشكل لا يقبل الجدل أن استمرار القيادات العربية في تشخيص السلطة واحتكارها، وفرض الأمر الواقع على الشعوب لن يكون إلا وسيلة أخرى لتأجيج الانتفاضات الشعبية، وبالتالي الاتجاه بالمنطقة نحو مزيد من الاضطرابات والفوضى. وقد يكون من واجب الأمانة العامة للجامعة العربية أن تجعل على رأس مقترحات الإصلاح المطروحة اليوم، كل ما من شأنه أن يدعم المشاركة الشعبية في آلية اتخاذ القرار العربي. وبالتأكيد، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب إعادة النظر في الميثاق العربي لحقوق الإنسان ونظام المحكمة التابعة للجامعة، كما أنه يتطلب إعادة النظر في علاقة الجامعة العربية بالمنظمات غير الحكومية الممثلة لطموحات المجتمع المدني في البلدان العربية، ناهيك عن التفكير الجدي في مراجعة بنية البرلمان العربي وطريقة عمله وآليات اتخاذ القرار فيه، بل وإعطائه دورا تشريعيا يتجاوز المهام الاستشارية المخولة له حتى الآن.

أ إصلاح البرلمان العربي:
رغم أن فكرة البرلمان العربي تعود إلى منتصف خمسينات القرن الماضي، إلا أن اعتماد النظام الأساسي للبرلمان العربي لم يتحقق إلا بتاريخ 29 مارس 2012، عندما أصدر مجلس الجامعة على مستوى القمة القرار 559، مشيرا إلى أن هذا البرلمان سيكون فضاء "لممارسة مبادئ الشورى والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان"، ويكون "أداء للحوار والقرار وقوة دفع شعبية لمنظومة العمل العربي، وشريكا فاعلا في رسم السياسة العربية المشتركة؛ وذلك خدمة للمصالح العليا للأمة العربية، وتأكيدا على مبدأ توسيع المشاركة السياسية كأساس للتطور الديمقراطي".
ورغم أن هذه الانطلاقة أعطت بعد افتتاح دورته الأولى خلال شهر دجنبر 2012 لهذا البرلمان صبغة الديمومة، من خلال انتخاب الرئيس وتشكيل اللجان الدائمة واختيار الأمين العام ونوابه ووضع النظام الداخلي، إلا أن حضوره في الفضاء العربي كان باهتا، ولم يظهر حتى بعد انتقاله من دمشق إلى مقر الجامعة العربية بالقاهرة، أي تطور ملحوظ على مستوى توحيد القوانين العربية أو اتخاذ مواقف حازمة بخصوص القضايا المصيرية للأمة العربية، كما أنه لم يظهر بشكل قوي أمام الرأي العام الدولي كممثل شرعي للشعوب العربية ومتمتع بالمصداقية الضرورية لتمثيلها.
ورغم أن البرلمان العربي حقق في صورته الحالية بعض النتائج الإيجابية، خاصة فيما يتعلق بإضفاء طابع الديمومة على أجهزته ونظام عمله، إلا أنه لايزال في حاجة ماسة إلى مجموعة من الإصلاحات، يمكن تلخيص البعض منها فيما يلي:
* بالنسبة إلى نظام العضوية:
إن البرلمان العربي الحالي يقوم على مبدأ المساواة المطلقة في السيادة بين الدول الأعضاء، ولئن كان هذا المبدأ صالحا كمعيار لاتخاذ القرار داخل أجهزة الجامعة العربية انطلاقا من مبدأ المساواة في السيادة، إلا أنه غير صالح للتطبيق ضمن برلمان يفترض أنه يمثل الشعوب العربية ويعكس طموحاتها في الديمقراطية والحرية.
وهكذا، فإن الاستمرار في تمثيل كل دولة بأربعة برلمانيين بغض النظر عن حجمها السكاني، يشكل مساسا بحق الشعوب في التعبير عن طموحاتها داخل هذا البرلمان.
ومن تم، فإنه يستحسن انتخاب البرلمانيين العرب بموجب نظام التمثيل النسبي وعن طريق الاقتراع السري المباشر وعلى مستوى وطني وبشكل مواز للانتخابات التشريعية في الدولة التي ينتمون إليها، مع تطبيق مبدأ المناصفة النسبية بالنسبة إلى مشاركة النساء، وذلك بتمكينهم من نسبة لا تقل عن 20% من المناصب البرلمانية، علما بأن نسبة النساء في البرلمان الأوروبي تجاوزت 29%.
وتفاديا لما قد يثيره تطبيق مبدأ التمثيل النسبي من حساسيات، فإنه يمكن الشروع في تطبيقه بشكل تدرجي من خلال مرحلة أولى بتمكين جميع الدول الأعضاء من حصة ثابتة من المقاعد في البرلمان، مع إضافة بقية المقاعد ارتكازا على مبدأ التمثيل النسبي.
* بالنسبة إلى المهام والاختصاصات:
يمارس البرلمان العربي اختصاصاته حتى الآن بشكل يكاد يكون منعزلا عما يجري في البرلمانات الوطنية، بل وفي الأجهزة الرئيسية للجامعة العربية نفسها، ومن تم، فإن صلاحياته المحددة تبقى نظرية في غالب الأحوال، فكم هي القوانين والاتفاقيات التي صادق عليها البرلمان العربي وأصبحت سارية المفعول في كل الدول الأعضاء، وما هي مظاهر التعاون المنتجة التي تحققت مع برلمانات الدول الأعضاء؟ وهل تتم إحالة القوانين والاتفاقيات على البرلمان العربي من طرف الجامعة العربية أم بمبادرة من أعضائه؟ وما هو هامش تلك المبادرة ونتائجها…؟
أما أن يقتصر نشاط هذه المؤسسة على بيانات الإدانة أو التنويه وبرتوكولات الصداقة والتضامن، فسوف لن يحقق ذلك النتائج الإيجابية المرجوة لتحقيق الفعالية ودعم المصداقية لدى الشعوب.
إن المرحلة الراهنة، والتي يفترض أن تكون مطبوعة بانتعاش الديمقراطية واحترام طموحات الشعوب، تتطلب توجها جديا من طرف الجامعة العربية لتوحيد القوانين الوطنية وفق المعايير الكونية واعتبار البرلمان العربي سلطة تشريعية لإقرار تلك القوانين والتصديق عليها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن ربط نشاط البرلمان العربي بسائر البرلمانات العربية عن طريف جهاز يشكل قوة ضغط حقيقية لمراقبة الانسجام في التشريعات الوطنية.

ب إنعاش وتطوير حقوق الإنسان:
لقد سبق لاجتماع القمة العربية في تونس سنة 2004 أن أقر الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي دخل حيز التنفيذ في سنة 2009، بعد ما صادقت عليه 7 دول عربية.
ويبقى أهم جهاز يمارس دورا إيجابيا في مسألة تطبيق الميثاق هي لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عنه، وتضم 7 شخصيات مشهود لها بالخبرة والنزاهة والاستقلال ويتم انتخابهم من الدول الأطراف في الميثاق.
وتتميز اللجنة بكونها تشتغل في استقلال تام عن كل من الجامعة العربية وكذلك عن الحكومات العربية، ويتميز نشاطها بتقديم ملاحظات وتوصيات للدول من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، كما تنشر تقارير بشأن تقييم أوضاع حقوق الإنسان في البلدان العربية. ومن بين الملاحظات الأساسية التي يمكن تقديمها بخصوص دور الجامعة العربية في حماية حقوق الإنسان بالمنطقة العربية:
* غياب الإجماع العربي بخصوص الميثاق، إذ رغم أن إقراره تم منذ أكثر من عشر سنوات إلا أن المصادقة عليه تحققت حتى الآن من طرف 14 دولة فقط، ولا تزال 8 دول ترفض المصادقة حتى الآن، والشيء المهم أن من بينها دولا كبرى بكل المقاييس، بما فيها مصر التي تستضيف مقر الجامعة، وكذلك البرلمان العربي.
وهي وضعية تتطلب تدخلا عاجلا للجامعة على أعلى مستوى من أجل إقناع المجموعة الممتنعة بأن تصادق على الميثاق وتنخرط في مسلسل حماية وإنعاش حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، واعتبارا للمصداقية التي أصبحت تتمتع بها اللجنة العربية لحقوق الإنسان، فقد أصبح لزاما أن يتم توسيع صلاحياتها وتمكينها من إنشاء فروع في البلدان الموقعة، وألا يبقى دورها مقتصرا على تلقي التقارير وتوجيه التوصيات، بل ينبغي تمكينها من الوسائل المادية لافتتاح المكاتب الفرعية وإيفاد مقررين خصوصيين للبلدان المعنية قصد القيام بمعاينات مباشرة في موقع الأحداث. ويكتسي سلوك هذا الاتجاه أهمية خاصة في الظرفية الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية، باعتبار أن حالة الفوضى وعدم الاستقرار وارتفاع حدة التطرف والممارسات الإرهابية أدى إلى تضاعف حالات الخرق السافر لحقوق الإنسان، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي.
ينبغي، كذلك، الحسم في التناقضات القائمة بين كونية حقوق الإنسان والخصوصيات الثقافية الوطنية، وهو ما شكل لحد الآن عرقلة جدية أمام الانخراط الكامل لكل البلدان العربية في مسار تطبيق الميثاق العربي والإعلانات والمواثيق الدولية. ويبدو أن معالجة هذه المعضلة لا تتأتى إلا من خلال بحث عميق للموضوع تتبناه الجامعة العربية، من خلال أجهزتها المركزية وتشرك فيه بالأساس المرجعيات الفقهية وفعاليات المجتمع المدني والسياسي بهدف الوصول إلى توافقات تحسم نقط الخلاف، وتمكن من اندماج حقيقي في الإطار الكوني لمنظومة حقوق الإنسان، ورغم صعوبة تحقيق هذه المعادلة في ظل تنامي دعاوى التطرف الديني والعرقي إلا أن هذه الصيغة تبقى هي الأسلم لتفادي مزيد من التدهور في سلم الحريات والتصعيد في ممارسة العنف والإرهاب باسم الدين.
ج توسيع مشاركة المجتمع المدني:
رغم أن الجامعة العربية قائمة على مبدأ تمثيلية الدول بواسطة حكوماتها إلا أن التطور الديمقراطي في ظل العولمة أصبح يفرض مشاركة أكبر للشعوب عن طريق فعاليات المجتمع المدني، التي عادة ما تمثلها الجمعيات الأهلية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات الثقافية والدينية والاقتصادية.
ويكتسي هذا الموضوع أهمية خاصة بالنسبة إلى المنطقة العربية، إذ أثبتت الأحداث المرتبطة بالربيع العربي أن الجامعة كانت بعيدة عن هموم الجماهير وتطلعاتها، وأنه أصبح من واجبها في ظل التطورات الجديدة أن تستمع إلى الشعوب قبل الحكومات.
هكذا تبين أن المؤسسات الرئيسية للجامعة، وهي المتمثلة في القمة العربية ومجلس وزراء الخارجية، بل وحتى جزء من سكرتارية المنظمة تتجاهل منظمات المجتمع المدني وحتى إن تعاملت معها فبكثير من الحيطة والحذر، وربما تبقى المؤسسة الوحيدة الأكثر انفتاحا على المجتمع المدني هي لجنة حقوق الإنسان، كما أن الأمانة العامة شرعت مؤخرا في قبول منظمات عربية بصفة مستشار في الجامعة لكن هذا الاختيار يتحقق دون تشاور مع المجتمع المدني. ويبدو أن الواقع، الذي تعيشه المجتمعات العربية على إثر هزات الربيع العربي، أصبح يفرض اهتماما استثنائيا من طرف الجامعة بدور المجتمع المدني، وهناك عدة مبادرات يمكن أن تساهم في هذا الاتجاه.
فالجامعة العربية أصبحت فعلا تمنح الصفة الاستشارية لبعض المنظمات غير الحكومية، إلا أنه يظهر واضحا أن المعايير التي يتم اعتمادها في منح هذه الصفة في حاجة إلى مراجعة عميقة، إذ ثبت أن العديد من المنظمات غير الحكومية العاملة بشكل خاص في مجال حقوق الإنسان لا تتوفر على كافة الشروط التي تفرضها الجامعة للقبول، وعلى رأسها موافقة دولة المقر وأن تكون تلك المنظمة مرخصا لها في الدولة التي تنتمي إليها، ومن تم، فإن تخويل صفة مستشار لمنظمات المجتمع المدني يجب أن يرتكز على عناصر موضوعية تتمثل في مرجعيات المنظمة المرشحة ومصداقيتها ومدى تمثيليتها وتعبيرها عن مصالح الفئات المعنية، كما أن نهج الاختيار ينبغي أن يكون مطبوعا بالمرونة ومستندا إلى لجان تحكيم متخصصة لتفادي أي تجاوزات.
من جهة أخرى، فبإمكان الأمانة العامة أن تطور المواقع الإلكترونية للجامعة بشكل أفضل مما هي عليه الآن، حتى لا تقتصر على دور التعريف بالمنظمة واستعراض نشاطاتها ومنجزاتها، بل تتجاوزه إلى فتح حوار متعدد التخصصات مع منظمات المجتمع المدني، وخاصة منها تلك التي لم تحظ بالصفة الاستشارية، على أساس أن تسند مهمة التواصل مع تلك المنظمات إلى خبراء متخصصين يقومون بتلقي الملاحظات والاقتراحات وانتقاء ما يمثل التوافق منه لإيصاله إلى أعلى مستويات اتخاذ القرار قصد البث فيه، بما في ذلك مجلس وزراء الخارجية واجتماعات القمة.
إن الاستماع إلى صوت الشعوب العربية سواء بشكل مباشر، عن طريق المنظمات المتوفرة على الصفة الاستشارية، أو عبر المواقع الإلكترونية مع تحديد سبل الانتقاء عن طريق الخبراء، يمكن أن يساهم فعلا في أن تصبح المنظمة معبرا حقيقيا عن طموحات شعوبها.
البحث في إمكانية عقد لقاءات موازية أو سابقة للاجتماعات الرسمية للجامعة العربية تشارك فيها بشكل مواز فعاليات المجتمع المدني من الدول الأعضاء، ويمكن أن يساهم في هذه اللقاءات نواب في البرلمان العربي وخبراء من الجامعة العربية، وترفع هذه اللقاءات في ختام أشغالها توصيات واقتراحات تعبر بشكل مباشر عن تطلعات المجتمع المدني في البلدان العربية. وقد سبق للمعهد العربي لحقوق الإنسان، بوصفه منظمة حقوقية إقليمية، أن قام بمبادرات تتمثل في عقد لقاءات موازية لاجتماعات القمة العربية، وذلك في كل من بيروت ثم تونس، بل وتم تقديم اقتراحات تهم إعادة هيكلة الجامعة لتتحول من منظمة للدول إلى جامعة للشعوب.
إن الجامعة العربية تقر بالدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني في التنمية والتغيير والإصلاح، كما أنها واعية بدورها الحيوي في ترسيخ الديمقراطية وحكم القانون داخل مجتمعاتها، إلا أن بعض المسؤولين يعتبرون أن هناك صعوبات تعترض الطريق، وتحد من تلك الطموحات التي تعبر عنها منظمات المجتمع المدني، ولعل من تلك العراقيل نقص وغموض التشريعات الضابطة لنشاط تلك المنظمات في الكثير من البلدان العربية واختلاف مساحات التعبير المتاحة من بلد إلى آخر ومجالات الحرية والديمقراطية المتاحة ومكانة المرأة وإشكاليات البطالة ومستوى التعليم، ومن جهة أخرى، فإن الكثير من الأنظمة العربية لاتزال تعتبر أن بعض المنظمات تعمل على الاستقواء بالخارج، وأن البعض الآخر يخلط في ممارساته بين السعي إلى تحقيق الحكم الرشيد، وتصفية الحسابات السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.