بنك المغرب: حاجيات السيولة لدى الأبناك بلغت 131,6 مليار درهم خلال الفصل الثالث من السنة الجارية    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    "مجلسا النواب والدولة" في ليبيا يناقشان ببوزنيقة ملفات سياسية وأمنية    في يومها العالمي..ائتلاف يدق ناقوس الخطر إزاء ما يتهدد لغة الضاد في المغرب من محاولات الهدم    شراكة بين "ISIC" و"السلطة القضائية"    مالطا: الحكم الذاتي أساس للتسوية    ألباريس: لم نقدم أي تنازلات للمغرب في ملف الصحراء والعلاقات بين البلدين تعيش أفضل لحظاتها    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    الأمن يطلق بوابة الخدمات الرقمية    محكمة النقض تسدل الستار عن ملف "كازينو السعدي" وترفض الطعن الذي تقدم به المدانون    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    مفوضة أوروبية: المغرب «شريك أساسي وموثوق» للاتحاد الأوروبي    إحباط عملية تهريب دولية لأزيد من 3 أطنان من الحشيش داخل ضيعة فلاحية    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    مزراوي يحقق ارتفاعا قياسيا في قيمته السوقية مع مانشستر يونايتد    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف        حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة قطر بالعيد الوطني لبلاده    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد        جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    الرجاء يعين عبد الصادق مدربا مساعدا    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    الوداد يعلن عن منع جماهيره من حضور مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    الطلب العالمي على الفحم يسجل مستوى قياسيا في 2024    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانقلاب الأول في تركيا لوقف المد الإسلامي
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 07 - 2018

عم اقتراب مرور قرن كامل على الاحتضان الغربي لتحركات «الوطنيين» العرب الساعين للتخلّص من السيطرة العثمانية (التركية)، واحتضان باريس لأحد أشهر مؤتمراتهم عام 1913؛ تحوّل الانجذاب العربي التركي الذي أفرزته ثورات الربيع العربي، إلى مصدر لهواجس جديدة للعالم الغربي، جعلته يسحب رداء الرضا الذي ظلّ يلفّ به الدولة العلمانية في تركيا منذ تأسيسها من طرف أتاتورك. والسبب الرئيس، تجاوز تركيا أردوغان لحدود الدائرة المرسومة لها منذ قرن، وشروعها في تصدير نموذجها القائم على ثنائية القومية والانتماء الإسلامي، إلى شعوب المنطقة العربية التي خرجت عام 2011 بحثا عن الخلاص من قيود ما بعد «سايكس بيكو» ومعها أنظمة الاستبداد والقمع. تركيا أردوغان القوي واسطنبول البهية والجيش المسلّح ذاتيا (تقريبا) والدبلوماسية المتمردة على الوصاية الغربية والطامحة إلى دور إقليمي يستند إلى الشرعيتين التاريخية والدينية؛ لم تعد هي تركيا ما قبل الربيع العربي، أي تلك الدولة التي تعانق الغرب مجرّدة من ردائها الثقافي (الديني). والرجل الذي يحكم تركيا منذ أزيد من 15 عاما، بدوره لم يعد ذلك الشاب المتمرّد على شيخه (أربكان)، والساعي إلى الجمع بين العلمانية والتنمية والإشعاع الدولي. رجب طيّب أردوغان، شق لنفسه طريقا نقلته من مجرّد رئيس حكومة يمشي في ظلّ الدولة العميقة (الجيش والقضاء)، إلى سلطان جديد يحرّر الشعور الديني من جديد داخل نفوس الأتراك، ويغيّر الدساتير ليصبح رئيسا للجمهورية على النمط الأمريكي، دون أن يخلو سجلّه من آلاف الاعتقالات في صفوف الخصوم السياسيين والصحافيين والمعارضين، بدعوى التواطؤ مع الأعداء والانقلابيين. «أخبار اليوم» التي كانت قد خصصت في صيف العام 2011 حلقات مطوّلة لرسم صورة كاملة عن مسار تركيا منذ عهد أتاتورك إلى مرحلة هذا الرجل المعجزة؛ تعود بعد سبع سنوات لتنحت هذا البورتريه، مع ما حملته هذه السنوات من منعرجات وتحولات. تركيا القوية اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا باتت اليوم درسا إلزاميا لجميع شعوب المنطقة العربية، لا مناص من قراءته، دون إغفال أن صانع هذه التجربة الاستثنائية، أردوغان، إنسان راكم الخطايا كما «الحسنات».
بعدما استقر الوضع وهدأت موجهة القمع الشديد التي تعرضت لها الطرق الصوفية من قبل حماة الأتاتوركية، قامت بعض هذه الطرق بتكوين جمعيات للإنفاق على طلاب مدارس الأئمة والخطباء لتعويض النقص الذي حصل نتيجة اختفاء الدعاة بسبب المحن التي تعرضوا لها، كما ظهرت طرق أخرى جديدة كرد فعل على الممارسات التي رافقت إجراءات العلمنة الكمالية التي استهدفت إقصاء الدين عن الحياة التركية العامة.
مع بداية الخمسينات بدأ التضييق والحصار يتراجع عن الدين وأهله من رجالات التصوف وغيرهم من الجماعات والأفراد، وأخذت العديد من هذه الطرق تخرج من سريتها، لتمارس نشاطاتها بشكل علني شيئا فشيئا، وساعدها على ذلك تنافس الزعماء السياسيين على كسب أصوات أتباعها عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، "بل إن بعض زعماء الأحزاب كانوا لا يترددون في أن يعلنوا أنهم أعضاء في بعض هذه الطرق"، يقول وسام فؤاد.
فتجربة الانفتاح السياسي التي عرفها "إسلاميو" تركيا خلال عقد الخمسينيات، وصعود الحزب الديمقراطى بزعامة "عدنان مندريس" إلى الحكم طيلة سنوات هذا العقد، كانت بالدرجة الأولى انعكاسا لنشاط هذه المكونات الصوفية للتديّن التركي، وبلوغ الطرق الصوفية مرحلة متقدمة من العلاقات السياسية التي نُسجت في أوساط بورجوازية واقتصادية وحزبية عديدة.
يعرّف الزعيم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، تركيا من الناحية الثقافية بأنها بلد القطائع والمتناقضات الشديدة، "فقد حوّلها انقلاب النخبة المتغربة (نخبة جماعة الدونمة أي اليهود المتأسلمون بعد طردهم من الأندلس، والتجائهم إلى حاضرة الخلافة) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، من عاصمة الأمة الإسلامية المترامية الأطراف، عبر القارات الثلاث، إلى دولة قومية شوفينية، في تعصبها للعنصر التركي، وعلمانية متطرفة حاربت الإسلام بكل ما ملكت من وسائل، وراهنت على استبدال الهوية الإسلامية العثمانية بهوية قومية علمانية أوروبية، عبر حملة شاملة على كل مؤسسات الإسلام التعليمية والوقفية والشعائرية بل التشريعية والدولية".
لقد غيّرت الدولة التركية قبلتها بالكامل، يقول الغنوشي في ندوة احتضنتها مدينة مراكش قبل بضع سنوات، ولم تدخر جهداً في حمل الشعب على ذلك، "رغم أن تجربة ثلاثة أرباع قرن أثبتت أن تغيير هويّات الشعوب أمر بالغ العسر، بسبب ما أبداه الشعب من مقاومة متعددة الأشكال، كان من بينها صعود حزب من داخل النخبة العلمانية العسكرية في الخمسينات، بقيادة عدنان مندريس، وفتح ثغرة محدودة في جدار العلمانية المتطرفة في عدائها للإسلام، التي أرساها مؤسس الجمهورية"، وتتمثل هذه الثغرة البسيطة، حسب الغنوشي، في الاتجاه إلى الاعتراف بالهوية الإسلامية لتركيا، عبر السماح بأداء الأذان بالعربية، "ما جعل الناس يخرون سجداً ويبكون فرحاً". رغم أن هذه السياسة لم تستمر أطول من الفترة بين 1950 و1960، إذ تم التصدي لها بكل عنف، من قبل حراس المعبد العلماني، الذين انقلبوا على الديمقراطية، فعلّقوا رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندريس، ورئيس الجمهورية جلال بايار على المشنقة..
بعد أن أعادوا ترتيب الأوضاع، وبضغط من الشركاء الأوروبيين، من أجل الحفاظ على مستوى من الانسجام مع الوجه الأوروبي، الذي تحرص عليه النخبة برأي راشد الغنوشي، تمت العودة إلى الديمقراطية، "غير أنها أفرزت مرة أخرى حزباً علمانياً معتدلاً بزعامة شخصية معتدلة قريبة من الجماعات الصوفية هو سليمان ديميريل، الذي استأنف على نحو ما سياسة مندريس من جهة السماح بالممارسة الدينية، وهو نفسه كان معروفاً بأداء الصلاة وفي عهده استأنفت الحركة الإسلامية بزعامة البروفسور نجم الدين أربكان عملها، ضمن حزب جديد هو حزب السلامة الوطني، الذي ظهر على إثر ما شهدته الساحة من صراعات اليمين واليسار وتشتت الأحزاب، ما أتاح لأربكان فرصة التحالف مع مختلف الأحزاب العلمانية لتشكيل الحكومة مرة مع اليسار بزعامة أجاويد، "رئيساً للوزراء"، ومرتين مع حزب العدالة بزعامة ديميريل".
هذه التجربة الأولى للحساسية الإسلامية في ممارسة الحكم بتركيا، والتي عرفها عقد الخمسينيات مع "مندريس" و"بايار"، انتهت بوقوع أول انقلاب عسكري في تاريخ تركيا الحديثة. وبعد مخاض عسير، واجهت فيه حكومة "مندريس" معارضة قوية من طرف القوى والنخب العلمانية، الطامحة إلى العودة للإمساك بزمام الأمور، والحد من تراجعات حكومة "مندريس" أمام المد الإسلامي. مما دفع حكومة مندريس إلى حظر حزب الشعب الجمهوري، حزب أتاتورك، لمدة ثلاثة أشهر، فأشعل ذلك فتيل احتجاجات طلابية كبيرة في اسطنبول، استدعت إعلان حالة الطوارئ في البلاد في أبريل 1960. لينفّذ الجيش انقلابه في 27 ماي من السنة نفسها، تحت غطاء سياسي من القوى العلمانية المتعصبة للفكر الأتاتوركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.