قصة منع رواية محمد شكري "الخبز الحافي" هي قصة فريدة، أولا لأنها ساهمت في انتشار الرواية وحملت مؤلفها إلى تخوم الشهرة الكونية، وثانيا لأنها تطرح الكثير من المفارقات والتناقضات في مجال ممارسة الرقابة ومشروعيتها القانونية. فهذه الرواية، التي صدرت في البداية باللغة الإنجليزية على يد مترجمها الأمريكي بول بولز، ارتبطت بمسارات متعرجة. أولا، قليلون من يعرفون أن بول بولز كان قد نشر السيرة الذاتية لإحدى شخصيات مدينة طنجة، وهي العربي العياشي، قبل أن ينكب على ترجمة قصص محمد شكري إلى الإنجليزية. إذ بعد النجاح الذي لقيته سيرة العربي العياشي بين قراء اللغة الإنجليزية، طلب الناشر من بولز أن يبحث عن عمل مماثل. وهكذا بدأت قصة "الخبز الحافي" التي كان شكري يكتبها ليلا، ويترجمها بولز في اليوم الموالي، لكن بعنوان مغاير هو: "من أجل الخبز وحده"، وهو العنوان الذي ظهرت به في الإنجليزية (For Bread Alone)، كما أشار إلى ذلك الناقد والروائي نور الدين صدوق في نصه الذي أوردناه في الحلقة السابقة. وفي الآن نفسه، كان شكري ينشر أجزاء من الرواية، بعنوانها الأصلي: "من أجل الخبز وحده"، في جريدة "المحرر" بالصفحة الأخيرة من ملحقها الثقافي الذي كان يصدر أيام الآحاد، والذي كان يديره حينذاك الروائيان أحمد المديني ومحمد برادة والقاص إدريس الخوري. بعد ذلك، ستصدر الرواية عن دار الساقي بالعنوان نفسه، لكنها ستصدر في المغرب بعنوانها الذي تعرف به حاليا؛ أي "الخبز الحافي". إذ تفيد الرسائل بين محمد شكري ومحمد برادة أن هذا الأخير هو الذي غير العنوان، مثلما اقترح تغيير عنوان الجزء الثاني منها الذي ظهر في البداية موسوما ب"الشطار"، قبل أن ينشر تحت عنوان "زمن الأخطاء". صدرت الرواية على نفقة الكاتب، حيث تكلفت مطبعة النجاح بطبعها سنة 1982، بينما صدرت رواية "زمن الأخطاء" بعد عشر سنوات، أي سنة 1992. وظلت الرواية تروج في المكتبات والأكشاك بشكل طبيعي، قبل أن يتلقى الطابع أمرا من السلطات، عبر مكالمة هاتفية، بوقف طبع الرواية التي كانت قد حققت حينها 25 ألف نسخة من المبيعات. لكن الغريب في الأمر أنه رغم منع النسخة العربية، ظلت الترجمة الفرنسية، التي أنجزها الروائي الطاهر بنجلون، مطروحة للبيع. وظل الأمر على هذا النحو، إلى أن صرح المرحوم محمد العربي المساري، أيام كان وزيرا، أنه لا يوجد أمر رسمي مكتوب، قضائي كان أو غيره، يقضي بمنع الرواية من التداول. وهكذا، اكتشف الجميع أن المنع كان أمرا شفويا. فعاود شكري آنئذ إصدارها من جديد. تجدر الإشارة إلى أن الرسائل المتبادلة بين الراحل شكري والأديب والناقد محمد برادة، الموسومة ب"ورد ورماد"، تكشف الكثير من خبايا قصة المنع هذه، التي مورست على "الخبز الحافي". كما يروج أن الراحل عبدالله كنون هو من أوحى للسلطات بممارسة الرقابة على الرواية، لكن تبقى هذه الرواية غير مؤكدة، لانعدام الوقائع التي تؤكدها. في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه الزاوية المخصصة لمنع رواية "الخبز الحافي"، سنتوقف عند ما كتبه الناقد مصطفى التوبي حول هذه الحالة، باعتبارها تشير إلى العلاقة القائمة بين الأدب والحرية. وتكمن أهمية المعالجة التي قدمها مصطفى التوبي في كونها تسلط الضوء على ما رافق جدل الرقابة والمنع في حالة رواية محمد شكري، سواء في المغرب أو في مصر، وعلى العوامل الاجتماعية والدينية والسياسية التي تحدد إنتاج أي عمل أدبي عربي، وكذا تلقيه. تجدر الإشارة هنا إلى أن الرواية كانت قد حولت إلى فيلم يحمل العنوان ذاته، وقد عرض ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين لمهرجان الإسكندرية السينمائي سنة 2006. والفيلم من اقتباس وإخراج المخرج الإيطالي من أصل جزائري رشيد بن الحاج. كما أن الكاتب الزبير بن بوشتى كان اقتبس من الرواية عملا مسرحية بعنوان "رجل الخبز الحافي"، صدرت سنة 2014، حيث عرضت ضمن مجموعة من الفعاليات المسرحية بالمغرب وخارجه