كيف تقرأ الحضور الديني والاجتماعي المكثف للملك خلال شهر رمضان؟ يمكننا أن نربط ذلك بالغياب شبه الطويل للملك طيلة الفترة الماضية؛ سواء بسبب زياراته المتكررة لبعض دول إفريقيا، في إطار تفعيل السياسة الإفريقية للمغرب، أو بسبب مرضه، حيث إنه خضع لعملية جراحية في باريس اضطر معها للخضوع لفترة نقاهة حددها الأطباء، إضافة إلى العطل التي كان يأخذها قبل ذلك والتي تطول أحيانا، ويغيب خلالها عن التراب الوطني. وشبه الغياب الملكي في نظام سياسي محوره المؤسسة الملكية هو ما يدفع الناس اليوم إلى الحديث عن حضور مكثف للملك، لأن عودته إلى التراب الوطني تزامنت تقريبا مع حلول شهر رمضان. وما دلالات هذا الحضور في أنشطة الملك؟ النظام السياسي المغربي يقوم على الشرعية الدينية للملك، فهو أمير المؤمنين، كما ينص على ذلك الدستور. وإمارة المؤمنين وظيفة استراتيجية في النظام الملكي، تقتضي من الملك القيام بمجموعة من الأعمال والأنشطة الاجتماعية والدينية. كما أن تفعيل هذه الوظيفة يبرز بكثافة خلال المناسبات الدينية، مثل رمضان أو الأعياد الدينية مثل المولد النبوي. فالملك يعكس، من خلال حضوره، شرعيته الدينية، من خلال ترؤسه الدروس الحسنية، وهي تقليد رمضاني حرص عليه الحسن الثاني وأحاطه بطقوس خاصة، منها استضافة فقهاء وعلماء من بلدان إسلامية مختلفة، ما يسمح بممارسة نوع من الدبلوماسية الدينية، وهو ما ينعكس إيجابا على الإشعاع الديني للمملكة. كما يتم تفعيل الوظيفة نفسها من خلال الحضور الاجتماعي، فالملك حين يدشن حملة «القفة الرمضانية»، يعكس دور «الملك الأب» العطوف الذي يرعى كل أبنائه، وهو ما يكرسه الخطاب الإعلامي الرسمي بنوع من المبالغة والتضخيم. بمعنى أن رمضان تحول إلى زمن سياسي خاص؟ في رمضان تبرز مركزية الدين في الفضاء السياسي المغربي، وتتجلى العلاقة الوطيدة بين الديني والسياسي. فخلال ترؤس الملك احتفال ليلة القدر، يظهر ذلك العمق التقليدي للنظام، حيث الطقوس العتيقة، والأبخرة الخاصة، كما أن الطريقة التي يجلس بها الملك وسط رجالات النظام والدولة، تظهره في أعلى المراتب الروحانية والسياسية كذلك. وما الوظائف التي يحققها النظام من وراء الحضور الملكي المكثف في رمضان؟ لعل من أبرزها تكريس مكانة الملك سلطة محورية في النظام السياسي، والدليل على ذلك أنه يمكن أن يغيب عدة شهور، وربما لا يحضر مناسبات أيضا، لكن لم يثبت أنه تغيب خلال رمضان منذ اعتلائه كرسي الحكم. وهذا يكشف لنا عمق الشرعية الدينية للملك، والتي يسعى إلى تعزيزها أكثر خلال رمضان.