بعد زوال يوم الثلاثاء 8 نونبر 2016، ولجت مديرة حملة دونالد ترامب الانتخابية كيليان كونواي إلى برج ترامب وهي في مزاج رائق، ثم صعدت إلى مقر الحملة، الذي كان قد ظل حتى الأسابيع الأخيرة التي تسبق يوم الانتخابات مكانا فاترا لا فرق بينه وبين مكتب خلفي لإحدى الشركات، سوى بعض شعارات اليمين، التي كانت معلقة على جدرانه. وعلى الرغم من أن كونواي كانت على يقين من أن خسارة ترامب في الانتخابات محتومة، استأنفت اتصالاتها مع الإعلاميين ومنتجي بعض القنوات التلفزيونية المساندة لترامب، لتقديم بعض الإحاطات الصحفية. فمنذ تولي كونواي إدارة الحملة، عملت على توطيد علاقاتها مع منتجي هذه القنوات والتودد إليهم، لضمان وظيفة كمقدمة أخبار بعد الانتخابات. كونواي لم تكن الوحيدة التي آمنت بخسارة ترامب، بل كل المقربين من ترامب آمنوا بذلك، منذ بدأ ترامب التفكير جديا في الترشح للانتخابات سنة 2014. حينها بدت الفكرة بالنسبة لابنته إيفانكا أشبه بنكتة. زوجة ترامب كانت دائما تشكل الاستثناء، إذ كانت الوحيدة التي اعتقدت بأن زوجها يستطيع أن يصبح رئيسا. إلا أن ترامب كان يعي جيدا أن حظوظه ضئيلة جدا، وبالتالي كان يبتغي تحقيق أهداف أخرى من خلال ترشحه غير الوصول إلى البيت الأبيض. وحتى حين بدأت نتائج استطلاعات الرأي تميل لصالحه في بعض الولايات الرئيسية في غشت 2016، ظل ترامب وصهره جاريد كوشنر، الذي كان المدير الفعلي للحملة الانتخابية من وراء الكواليس، متيقنين بأن هذه المغامرة لن تنتهي حتما بترامب في البيت الأبيض. لذلك، حرص ترامب على عدم استثمار ماله الخاص في تمويل الحملة الانتخابية، واكتفى بإدارة الحملة بأموال المتبرعين. وبعد أول مناظرة بين ترامب ومنافسته هيلاري كلينتون في شتنبر 2016، طلب مساعد ترامب، ستيف بانون 50 مليون دولار إضافية لضمان استمرار الحملة حتى يوم الانتخابات. لكن ترامب رفض دفع المبلغ، وطلب تقليص النفقات. وفي الأخير، أقرض ترامب حملته 10 ملايين دولار، ثم استعادها بمجرد جمع فريقه تبرعات أخرى. وحتى مايكل فلين، الذي تعود على افتتاح مهرجانات ترامب الخطابية، لم يؤمن قط بفوز ترامب. فقد أراد بعض أصدقائه نصحه قائلين إن "تلقي 45 ألف دولار أمريكي من الروس مقابل إلقاء كل خطاب ليست فكرة جيدة،" فأجابهم فلين قائلا: "لن يشكل ذلك مشكلة إلا إذا فزنا." وحين اقتربت الحملة الانتخابية من نهايتها، كشف ترامب أخيرا أهدافه الحقيقية من الترشح، وقال في محادثة مع مساعده، سامب نونبرغ: "يمكنني أن أكون أشهر رجل في العالم بعد نهاية الانتخابات". "ولكن هل تريد أن تكون الرئيس؟"، سأله نونبرغ. ترامب فضل عدم الإجابة عن السؤال، لأنه بكل بساطة أوضح طيلة الحملة الانتخابية أنه لا يريد أن يكون رئيسا، وأنه كان يخطط للخسارة. فقبل أسبوع من يوم الانتخابات، اتصل ترامب بصديقه روجر آيلز، الرئيس التنفيذى السابق لمحطة «فوكس نيوز» وقال له: "أنا لا أؤمن بالخسارة. لأن خسارة الانتخابات لا تعد خسارة. بل أنا فائز على جميع الأصعدة." أكثر من ذلك أخبر ترامب صديقه آيلز أنه قد أعد مسبقا رده الإعلامي على الخسارة: "هيلاري سَرَقت الانتخابات." لقد كان ترامب وفريقه والمقربون منه مستعدين للخسارة ب" النار والغضب"، لكنهم لم يستعدوا للفوز. بالنسبة لهم، كانت الخسارة النتيجة الخالية من المتاعب، وستسعد الجميع؛ إذ سيصبح ترامب أشهر رجلٍ في العالم كما تمنى، وشهيدا لهيلاري كلينتون، فيما سيتحول صهره كوشنر وابنته إيفانكا من أثرياء مجهولين، إلى مشاهير عالميين وسفراء للعلامات التجارية. لكن ليلة الانتخابات جاءت بالسيناريو غير المتوقع. فبعد الثامنة مساء بقليل من ليلة الانتخابات، بدأت معجزة فوز ترامب تتحق، وبدأ الرعب يدب في ترامب. دون، ابن ترامب، وصف لصديق له كيف مرت تلك اللحظات على والده، قائلا "إنه وبعد أن أحس بقرب فوزه، بدا وكأنه رأى شبحا. لقد كان في الأول مرتبكا، قبل أن يسيطر عليه خوف عدم قدرته على القيام بمهام وظيفته الجديدة." ووفقا لملاحظات مستشار ترامب، ستيف بانون بعد إعلان الفوز رسميا، فقد بدا ترامب مرتبكا وغير مصدق لما حدث ومذعورا مما سيأتي، لكن في اللحظة الحاسمة، أظهر رابطة جأشه، وأضحى فجأة يصدق أنه يستطيع فعلا أن يكون رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية.