حاولت مرارا كتابة مقال عن شيء مما تعانيه صحافيات "أخبار اليوم"، و"اليوم24″، لكن في كل مرة أجدني أمزق الورق بغضب ممزوج بالسخرية وأنا أجهر بالسؤال، لمن سأكتب؟ هل سيستوعب هؤلاء قصدي؟ هل سأتحمل تأويلاتهم الغريبة وهذه الحملة المسعورة التي يخوضونها ضد كل من شكك في طبيعة التهم الموجهة لمدير نشر الجريدة توفيق بوعشرين؟ هل لديهم القدرة على الإنصات، على الإنصاف، على القراءة والفهم حتى؟.. وهل أنا مضطرة للتوضيح؟.. في كل مرة كنت أفقد القدرة على التعبير، وتخونني اللغة، فأجدني عاجزة أمام الورق، ومكبلة أمام تدويناتهم وتصريحاتهم الكاذبة، طبعا ليس بسبب عدم وجود ما أقوله أنا أو زميلاتي، بل عكس ذلك تماما، خوفنا وارتيابنا كان بالأساس من أن قولنا للكثير وفضحنا لبعض الألاعيب والكولسة سيكون له تبعات ضارة، تماماً مثل صمتنا وعدم قول أي شيء بتاتاً.. اليوم، وبعد أن انتشلت نفسي من حالة الفوضى وصخب الاتهامات، أجدني مستعدة للبوح تحقيقا لهذا التوازن، لعل من التحفوا بلثام الأخلاق وارتدوا عباءة النضال وتقمصوا دور القاضي ونطقوا بالحكم قبل القضاء، يتوقفون عن غيهم وحملاتهم المريضة، و"يحشموا شوية" ليوفروا جهدهم في السعي لرؤية الحقائق كما هي، وطرح الأسئلة الصحيحة المشروعة، علهم يعثرون على المنطق وسط كل هذا الحطام. مقدمة قد تبدو طويلة، ولكنها ليست أطول من نفس اضطررنا طوعا لقطعه تحت الضغط، منذ الجمعة الأسود، يوم مداهمة مقر جريدة "أخبار اليوم"، واعتقال مديرها بطريقة هتشكوكية وكأنه إرهابي على أهبة الانفجار، وضعنا أيدينا على قلوب توقفت مجازا عن النبض، وانتظرنا بذهول كبير الكشف عن طبيعة التهم، ذاتها التهم التي لم نستطع استيعابها إلى حدود كتابة هذه الأسطر، تهم لا تتماشى مع شخص مدير كان يتصل بنا على الساعة السابعة أو الثامنة مساء، ويعتذر بشدة على الاتصال في وقت يعتبره هو "غير مناسب"، حتى وإن كان الغرض من الاتصال هو توجيه ملاحظة قاسية أو التوبيخ، أو حتى تقديم مقترح. ولكي لا يذهب تفكير هؤلاء ممن يلعبون دور "حطب جهنم" في قضية شائكة معروضة على القضاء، إلى أنني وزميلاتي نسعى لتبرئة مديرنا أمام الرأي العام ب"اندفاع" كما يقولون، سأغلق قوس علاقتنا كصحافيات ببوعشرين على أن أعود لهذا الموضوع في فرصة قادمة، كوننا أيضا معنيات ولأن الفرقة الوطنية لم تستمع لباقي الصحافيات والعاملات في الجريدة والموقع، ثم دفاعنا كان دائما عن مؤسستنا وليس مديرنا، فبوعشرين له محامييه وملفه معروض أمام القضاء الذي نثق في عدالته، ونحن لحد الآن لم ننصب أنفسنا محاميات عن بوعشرين، نحن صحافيات تعرضنا للإهانة في قلب مؤسستنا وتعرضنا لحملة مغرضة تسعى للنيل من شرفنا وكرامتنا نقطة إلى السطر. "هل تحرش بك بوعشرين ؟ هل اغتصبك؟ عل تعرضت لاعتداء جنسي من بوعشرين؟ كيف هي الكنبة؟ ما لونها؟"، هذه أسئلة كلها ترددت على مسامعنا أنا وزميلاتي، سواء عن طريق رسائل توصلنا بها عبر حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى اتصالات هاتفية أغلبها بعد منتصف الليل من طرف أشخاص هم اليوم يدافعون عن المشتكيات ويدعون أننا أيضا ضحايا لبوعشرين، ردنا على هذه الأسئلة بالنفي المقرون بالاستغراب لم يكفهم، بل زادت حدة الضغط عندما وجهت أصابع الاتهام لشرفنا، بعضهم يقول إننا ضحايا محتملات ونتكتم من أجل "طرف الخبز" أو لكي لا نفقد عملنا، والبعض الآخر يقول إننا "خايفين الشوهة" مع العلم أن "الشوهة" لم تطلنا إلا من جهتهم وبعد ادعاءاتهم، فصارت سمعتنا وكرامتنا على كف عفريت بسببهم. هؤلاء وهم يدافعون عن كرامة النساء المشتكيات، تناسوا أن لصحافيات الجريدة كرامة وسمعة ومحيطا عائليا أيضا، هؤلاء وهم يتصلون لتهديدنا ومطالبتنا بالتراجع عن مواقفنا تناسوا وربما عن قصد أننا أيضا نساء، هؤلاء وهم يطالبوننا بضرورة الدفاع عن المشتكيات لأنهن بنات جلدتنا تجاهلوا مواقفنا وكتاباتنا وكل موادنا التي سلطت الضوء على الحقوق والحريات. أنا أرفض أن يتهمنا أحد بالكذب، نعم تعرضنا نحن صحافيات "أخبار اليوم" و"اليوم 24″، لكل أنواع الضغط والاستفزاز والتهديد نحن اللواتي لا علاقة لنا بقضية بوعشرين، سوى أننا نعمل في المؤسسات التي يديرها، أزواج بعضنا توصلوا برسائل هاتفية سخيفة وحقيرة تهدد استقرارهم العائلي، من قبيل "زوجتك ذاقت الحلوى ديال بوعشرين"، و"أكيد أن زوجتك مرت من كنبة بوعشرين.. عليك التأكد من هوية الأبناء." وعائلاتنا توصلت برسائل قدحية أيضا، هل سمعنا تضامنا من أحد؟ هل سمعنا صوت النقابة الوطنية للصحافة التي ادعت في بيان سابق لها أنها ستتابع الحالة النفسية لصحافيات الجريدة والموقع على غرار المشتكيات؟ لا لم نسمع بشيء ولم يسأل عنا أحد، هم فقط اتصلوا بنا ليطالبونا بالتراجع ويخبرونا أن المشتكيات هن من أقدمن على اللجوء إلى النقابة لتساندهن، هل هذا صحيح؟ فلتجب المشتكيات. وفي ظل هذه الظرفية القاسية والحملة الممنهجة التي نتعرض لها نحن العاملات في "أخبار اليوم" و"اليوم24″، والتي أدت إلى تدهور صحة بعضنا ونقله إلى المستشفى، ظهرت فجأة عروض عمل مغرية لصحافيات المؤسسة الإناث دون الصحافيين، للعمل في منابر إعلامية جديدة، بمعايير تناسب الحالة الاجتماعية والمهنية لكل واحدة، ولم يتوقف الأمر عند الصحافيات، بل توصلت العاملات في مكاتب الجريدة بعدة مدن بعروض عمل جيدة.. هل ترون أن كل هذا عادي؟ أليس لنا الحق في أن نشكك في هذا السيناريو البئيس الذي وجدنا أنفسنا جزءا منه؟ كل ما سردته سالفا، ليس سوى شيء من أشياء أتحفظ على ذكرها، ولكن كان من الضروري هذا التوضيح كي ينزل البعض عن صهوة فرس "التبوريدة"، كل ما يحدث وكل ما تقاسيه صحافيات "أخبار اليوم"، دليل على أن محاكمة بوعشرين ذات علاقة وطيدة بمواقفه وقلمه الجريء، والهدف الحقيقي وراء التهم الثقيلة التي وجهت لمدير المؤسسة هو جريدة "أخبار اليوم" وخطها التحريري، أما بخصوص التحرش أو الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو حتى البيدوفيليا، جرائم نستنكرها ونرفضها في كل الأحوال ومواقفنا السالفة حتى قبل عملنا في "أخبار اليوم" تؤكد ذلك. أعلم أني سأتعرض لكل أنواع الإرهاب النفسي بعد نشر هذا المقال.. ولكن وجب أن نضع النقاط فوق الحروف، لأنهم جعلونا أيضا وغصبا عنا ضحايا بوعشرين إلى أن يثبت العكس.