أظهر النقاش حول دور الجهات في التنمية والعدالة الاجتماعية الذي احتضنه مجلس المستشارين في إطار المنتدى البرلماني الدولي الثالث، والذي انتهت أشغاله، أمس، احتجاز وزارة الداخلية لمخططات التنمية الجهوية، بعدما تسلّمت بعضها قبل حوالي سنة كاملة. ممثلو ثلاث جهات هي: فاسمكناسوبني ملالخنيفرة ودرعة تافيلالت، حضروا هذا النقاش واشتكوا صراحة من استمرار وزارة الداخلية في ممارسة سلطة "الوصاية"، التي أنهاها دستور 2011، وقالت ممثلة مجلس جهة بني ملالخنيفرة إن "عدم المصادقة على مخطط التنمية الجهوية، دفع الجهات إلى الانخراط في أعمال من خارج هذه المخططات"، ودعت إلى "تدارك هذا الوضع سريعا". وقدم إدريس الصقلي عدوي، نائب رئيس جهة فاسمكناس، مرافعة وُصفت ب"القوية" أكد فيها أنه "بعد مرور ثلاث سنوات على بداية تنزيل خيار الجهوية المتقدمة، لازالت هناك ارتجالية، وضعف في تملك هذا المشروع". داعيا إلى "تجاوز مفهوم الوصاية الذي كان سائدا قبل سنة 2015، واعتماد المفاهيم الجديدة التي أقرها الدستور والقانون، وأبرزها مفهوم التعاقد والتدبير الحر". وكشف الصقلي أن 10 جهات رفعت مخططاتها الجهوية للتنمية إلى وزارة الداخلية، أولها كان لجهة الدارالبيضاءسطات منذ مارس 2017، وآخرها توصلت به في دجنبر 2017 لجهة فاسمكناس، "لكن وزارة الداخلية لم تصادق عليها بعد". وأردف الصقلي قائلا: "كفى من الارتجالية، لا بد من الإسراع في المصادقة على تلك المخططات، لأننا في السنة الثالثة ولا يفصلنا عن نهاية الولاية الانتدابية سوى سنتين". ولم تتوصل وزارة الداخلية سوى بمخططين فقط حتى الآن، الأول لجهة درعة تافيلالت، والثاني لجهة كلميم واد نون، وهما الجهتان الجديدتان في التقسيم الإداري لسنة 2015. وكان ممثل وزارة الداخلية، الذي ألقى مداخلته قبل ممثلي مجالس الجهات، قد أشار إلى سبب تأخر المصادقة على تلك المخططات، مفاده أن الوزارة تشتغل مع الجهات في لقاءات متتالية على توحيد محتوى تلك المخططات، في اتجاه تقوية القواسم المشتركة فيما بينها، وهو ما يشير إلى وجود اختلافات بين تلك المخططات بحجم الاختلاف بين الجهات وما تواجهه من تحديات وصعوبات. بالإضافة إلى ذلك، تطرح تلك المخططات تحديات مالية كبرى على الدولة، وكشف الصقلي أن الجهات 12 عشر تمنحها الدولة تمويلات لا تتجاوز 7 ملايير درهم، قد ترتفع في 2021 إلى 10 ملايير درهم، لكن المخططات الجهوية للتنمية تتطلب اعتمادات مالية أكبر من ذلك، بحيث أن أدنى مخطط تنموي جهوي يتطلب 20 مليار درهم وأعلاها يتطلب تمويل قدره 115 مليار درهم. وفي حالة جهة مكناسفاس على سبيل المثال، يتطلب المخطط التنموي للجهة 34 مليار درهم، بينما لن يتجاوز الدعم المالي من وزارة الداخلية 4 ملايير درهم طيلة الولاية الانتدابية الحالية التي تنتهي سنة 2021. ورغم أن المشروع في بدايته، فقد تبين سريعا أن المعايير المعتمدة من قبل وزارة الداخلية في توزيع الموارد المالية المخصصة للجهات غير واقعية، بحيث يوزع الغلاف المالي المرصود للجهات (7 ملايير درهم) بنسبة 50 في المائة بالتساوي بين الجهات، و50 في المائة المتبقية بناء على معيار المساحة بنسبة 37,5 في المائة، ومعيار السكان بنسبة 22,5 في المائة. واعتبر إدريس الصقلي عدوي أن هذه المعايير "باتت متجاوزة ولن تحقق التنمية كما لن تساهم في تقليص الفوارق المجالية"، ودعا إلى اعتماد معايير مشابهة لتلك التي اعتمدت في توزيع الموارد المالية لصندوق التأهيل الاجتماعي، أي مؤشرات الفقر والهشاشة والبطالة ونسبة تغطية البنيات الأساسية والولوج إلى الخدمات العمومية. وتبيّن من النقاش بين مختلف الفاعلين من سياسيين ونقابيين ومجتمع مدني أن الجهات تعاني عجزا آخر على مستوى الموارد البشرية، واعتبر بعضهم أن "الموارد البشرية المتوفرة حاليا في الجهات غير قادرة على إعطاء انطلاقة حقيقية في مشروع الجهوية المتقدمة"، بل إن الأطر منهم "يفكرون باستمرار في اللحظة التي يغادرون فيها المدن التي يعملون بها نحو المركز". واعتبر عدّي بوعرفة، برلماني ومسؤول نقابي، أن تنزيل مشروع الجهوية "يقتضي إعادة النظر في النموذج السياسي، بحيث يجب أن تكون الجهوية هي المدخل للإصلاح السياسي في أفق أن تتوفر الجهات على حكومات وبرلمانات جهوية حقيقية"، واعتبر أن مستقبل الجهوية "يكمن في ديمقراطية حقيقية وليس أي شيء آخر".