وضعت "الرأي" يدها على وثيقة تكشفُ بالدليل القاطع فضيحة من العيار الثقيل مرتبطة بالفساد الانتخابي، بطلها برلماني استقلالي بإقليم الرشيدية، وغض عنها القضاء الطرف، فيما قد يعني "تطبيعا" مع الفساد الانتخابي. ويتعلق الأمر بالمستشار بالغرفة الثانية، محمد بلحسان، القيادي في حزب الاستقلال ورئيس المجلس الإقليمي بالرشيدية، الذي وضع شكاية لدى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمدينة سلا، يشتكي فيها برلمانيا آخر، اسمه مصطفى العمري، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ويتهمه ب"النصب والاحتيال واستعمال شيكين سلما على سبيل الضمان". البرلماني الاستقلالي اعترف، في نص الشكاية، التي تحمل تاريخ 14/09/2009، تتوفر "الرأي" على نسخة منها، بشكل صريح جدا بأنه سلم للبرلماني التجمعي شيكين بنكيين تبلغ قيمتهما الإجمالية 400 ألف درهم (40 مليون سنتيم) مقابل التصويت لفائدته للوصول إلى رئاسة غرفة التجارة والصناعة والخدمات بإقليم الرشيدية سنة 2006. ولمزيد من التوضيح نُورد العبارة التي تضمنت اعترافا صريحا وعجيبا بالفساد الانتخابي، في الشكاية الموجهة إلى النيابة العامة والمسجلة في مكتب الضبط تحت رقم 3566 ش 09. يقول محمد بلحسان: "إنه في إطار التهيؤ الانتخابي لرئاسة الغرفة (يقصد غرفة التجارة والصناعة والخدمات بإقليم الرشيدية)، قد سبق أن تسلم مني المشتكى به شيكين بنكيين: الأول بمبلغ 300.000 درهم تحت رقم 40118037 مسحوب من الصندوق الوطني للقرض الفلاحي بالرشيدية، والثاني بمبلغ 100.000 درهم تحت رقم 4018035 مسحوب عن نفس البنك، وذلك مقابل التصويت لفائدتي بمعية بعض أتباعه مستغلا إلحاحي على الفوز برئاسة الغرفة المذكورة"، والمثير للاستغراب والاندهاش هو إقرار المستشار البرلماني المنتمي لحزب حميد شباط بأن الأمر مخالف للقانون حين يقول في الشكاية ذاتها: "الشي الذي هو مخالف للأعراف والقوانين الجاري بها العمل في هذا المضمار". رئيس المجلس الإقليمي للرشيدية لم يقف عند هذا الحد، بل ضَمَّنَ شكايته أيضا اعترافا صريحا بأنه سلم للبرلماني مصطفى العمري المبلغ المتفق عليه، فيقول في نص الشكاية دائما: "بعد فوزي برئاسة الغرفة وتسلمه مني مُقَابِلَ تصويته علي ومطالبته بإرجاع الشيكين ادعا أنهما ضاعا منه في ظروف غامضة". القيادي في حزب شباط كشف أيضا، في شكايته إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بمدينة سلا، أن البرلماني المنتمي لحزب صلاح الدين مزوار، استعمل الشيكين لاحقا في ابتزازه لأجل التصويت لصالحه للفوز برئاسة المجلس الإقليمي للرشيدية وكذا رئاسة غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالإقليم ذاته في الاستحقاقات المتعلقة بسنة 2009. والمثير أيضا في هذه النازلة أن البرلماني الاستقلالي كانت لديه الشجاعة الكافية لمطالبة وكيل الملك بالمحكمة ذاتها، بإعطاء أوامر للشرطة القضائية من أجل "تحقيق دقيق" في النازلة. والأسئلة التي تطرحُ نفسها بإلحاح على مستويين بعد كل ما عُرض. المستوى الأول: لماذا لم يُتابع وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بمدينة سلا البرلمانيين الاستقلالي محمد بلحسان، والتجمعي مصطفى العمري، من أجل تهمة "الفساد الانتخابي"، رغم أن نص الشكاية الموضوعة بين يديه تتضمن اعترافا صريحا باستعمال مبالغ مالية كبيرة من أجل شراء صوت أو أصوات انتخابية؟ ولماذا "تجرأ" البرلماني الاستقلالي على القضاء وذكر تفاصيل الفضيحة المجلجلة و"الجريمة" الكبيرة بوجه مكشوف؟ هل إلى هذا الحد يُمكن لمنتخب مهما على شأنه أن "يسخر" من القضاء؟ والمستوى الثاني: هل يملك حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، الشجاعة الكافية لطرد برلماني من حزبه، اعترف بعظمة لسانه أنه استعمل المال للفوز برئاسة غرفة مهنية، ويضع ملفه بين هيئات حزب الميزان المختصة للنظر فيها؟ أم أنه سيصمت ويترك الأمور كما هي عليه، خصوصا أن البرلماني المذكور ما زال مستشارا إلى الآن ويرأس المجلس الإقليمي للرشيدية؟ وهل يفعل صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، الشيء ذاته مع برلماني حزبه، مصطفى العمري، بعد هذه الفضيحة المدوية؟ الرأي العام سينتظر الجواب ليقيس مدى تغير النخب بعد دستور 2011.