الثقة التي كان حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، يتكلم بها إلى جانب رفيقته في الحزب، ياسمينة بادو، في موضوع شقتي باريس، أوحت للمتتبعين بأن هناك شيئا ما غير عادي يخطط له الرجل الذي يقود حزب علال الفاسي، أكبر من مجرد الدفاع عن وزيرة سابقة، متهمة بتهريب الأموال إلى الخارج. إصرار شباط على المضي قدما في رفع دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة، في قضية تبدو مثيرة للانتباه بشكل لافت، لدرجة عززت التكهنات بأن الرجل وجد الفرصة الملائمة للتخلص من وزيرة الصحة السابقة، على اعتبار أنها واحدة من الرموز "القديمة" في الحزب، التي يسعى شباط لإزاحتها من أجل استكمال الصورة الجديدة لحزب الميزان في نسخته الشباطية. الهدف إذن هو حزب استقلال "جديد"، لا مكان فيه لمن عارضوا شباط، أو استخفوا بقدرات وطموحات الرجل، والهدنة المؤقتة التي سيطرت داخل الحزب خلال السنة الأولى من تربع الرجل على عرش أمانته العامة، كانت فقط من أجل التفرغ لمواجهة عبد الإله بنكيران، وتفجير حكومته من الداخل. أما وقد استقر أمر الحكومة، وخرج الاستقلال منها خاوي الوفاض، فإن الساحة الجديدة لحروب شباط التي لا تنتهي ليست سوى الباحة الداخلية للمنزل الاستقلالي، سواء بشكل واضح وصريح، كما هو الشأن في الطرد الجماعي لعشرات القيادات الاستقلالية، ممن عارضوا شباط، وفي مقدمتهم امحمد الخليفة وعبد الواحد الفاسي وآخرون، أو بطرق أكثر مكرا، كما هو الحال مع ياسمينة بادو. ويبدو أن عمدة فاس ينسق بشكل كامل ومدروس في الخطة الجديدة مع عدد من القيادات الشابة التي يراد إخراجها إلى الواجهة، وصناعة رمزيتها بالشكل الذي يتوافق والإصدار الجديد لحزب الاستقلال، مثل عبد القادر الكيحل، الذي يقود الشبيبة الاستقلالية، وعادل بنحمزة. ويتضح أن دور بنحمزة يتمثل في الإجهاز على كريم غلاب، الوزير السابق لفترات متعددة، ورئيس مجلس النواب، من خلال الزيارة الأخيرة التي قادته إلى ميناء الوطنية بطانطان، حيث قام بزيارة ميدانية أتبعها برسالة طويلة، تكشف الكثير من الاختلالات التي يعرفها الميناء، وتضرب بشكل مباشر في جهود وزارة التجهيز والنقل، التي أشرف عليها حزب الاستقلال ل14 سنة متواصلة، جزء كبير منها تحت إمرة كريم غلاب. هكذا تكتمل قطع الأحجية، تهشيم للرموز القديمة للحزب، والتي لم تعد مناسبة للعصر الشباطي، والتخلص منها بأسرع طريقة ممكنة، وأفضلها إثبات تهمة الفساد والطرد من الحزب، في مقابل صناعة نجومية الوجوه الجديدة، وأفضل طريقة لذلك هي إظهارها كفرسان تحارب الفساد، مهما كان المتورطون فيه قريبين منها.