ثلاث خلاصات وثلاث ملاحظات أشادت الدراسة بالخطوة الإصلاحية للقانون الجنائي، والتي تأتي في سياق مسلسل الإصلاحات الكبرى التي دشنتها الحكومة الحالية، كما نوهت بالمقاربة التشاركية التي اعتمدتها في إصلاح هذا القانون، وعلى النفس الإيجابي الذي يطبع المشروع، والذي تترجمه أهداف الإصلاح، والمتمثلة في الرغبة في توسيع دائرة الحرية، والتقليص من العقوبات السالبة لها، كما ثمنت التمسك بالثوابت والقيم المرجعية للدولة والمجتمع المغربي، المُجْمَع عليها وطنيا، والمتأصلة تاريخيا، مع مراعاة المواثيق الدولية التي لا تتعارض مع دستور المملكة، وهوية الوطن ومرجعيته الحضارية، ونوهت بالقوانين التي جاءت في الوثيقة للحد من مظاهر الفساد والتطاول على المال العام، والاغتناء غير المشروع، والاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ، ووقفت بالتفصيل مع المواد التي جاءت في الباب الثامن الخاص بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة،( 449 1 504 ). وقد خلصت في هذا الباب إلى ثلات خلاصات تتمثل في: * سيادة نفس تحصين مؤسسة الأسرة، في مسودة القانون الجنائي بما يقوي وظيفتها في المجتمع، ويضمن لها التماسك، ويعيد لها أدوارها في التربية والتنشئة على القيم، ومد المجتمع بأجيال صالحة مصلحة، خادمة للوطن، ومساهمة في بنائه ونهضته، وهو ما تؤكده المادة 490 الخاصة بتجريم ترك وإهمال الواجبات الزوجية، و المادة المحدثة رقم 1 480 التي تنص على تجريم الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، والمادة الجديدة رقم 1 2 503 التي تجرم الإكراه على الزواج بواسطة العنف أو التهديد بارتكابه، والمادة المحدثة رقم 1 526 التي سنت جريمة جديدة تتعلق بتبديد أو تفويت أحد الزوجين لأمواله بنية الإضرار بالزوج الآخر أو الأبناء. * التأكيد على أن حماية الطفل ورعايته مسؤولية الأسرة، وأن الأسرة هي المحضن الطبيعي والأول لرعاية الأطفال، وحسن تنشئتهم وتربيتهم، وحمايتهم مما قد يعرض سلامتهم الخلقية والصحية للضرر والأذى، وهو ما تثبته المادة 486 التي تجرم إلحاق الأبوين الضرر بأحد أطفاله نتيجة سوء المعاملة، أو إعطاء القدوة السيئة بالسكر وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، أو سوء السلوك، أو عدم العناية، أو التقصير في الإشراف الضروري على صحته، وأخلاقه. * توسيع دائرة المسؤولية في حماية الأطفال والقاصرين، لتشمل محيطهم، ومن له دخل في التأثير على فكرهم وسلوكهم، ولم تقتصر على الجرم الناتج عن الأصول، ولم تربط مسؤولة حماية الأطفال بالأسرة فقط، يؤكد ذلك المادة المادة 459 التي تجرم كل من عرض للخطر أو ترك قاصرا دون سن الخامسة عشرة، أو عاجزا لا يستطيع أن يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس، أو حمل غيره على ذلك، والمادة 36التي نصت على حذف عقوبة الحرمان من المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية كعقوبة إضافية، نظرا لأثر هذا الحرمان على الأسرة والأطفال، والمادة 499 التي رفعت العقوبة في جريمتي تحريض القاصرين على البغاء واستغلالهم جنسيا في الدعارة، والمادة 4 35، التي استثنت الاستغلال الجنسي للقاصرين من تطبيق العقوبات البديلة، والمادة المحدثة رقم 188 فرع 10، التي تدين جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أو العنف ضد المرأة أو القاصرين، ثم المادة 484 التي شددت في العقوبة لمن هتك عرض قاصر وتم إعادة وصفها كجناية، مع عدم إعمال ظروف التخفيف مطلقا في الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين بصفة عامة حسب المادة 493، والمادة 1 1 503، والمادة 282 التي تشدد في تجريم استدراج الأطفال لدور القمار واليناصيب. وأسجل في نهاية هذه الدراسة ثلاث ملاحظات أجملها في: * جاء في المادة الجديدة 1 480 نص على المعاقبة " بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم، عن الامتناع من إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، في نطاق ما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة" استمرارا في نفس الوقاية وتحصين مؤسسة الأسرة والنشأ من الفساد والانحراف، مطلوب إدراج باقي أفراد الأسرة وبالخصوص الأبناء، لما قد يترتب عن طردهم من انعكاسات قد تؤول إلى انحرافهم وفسادهم، مع وضع ضمانات تساعد الأسرة على أداء واجبها في التربية، دون التأثير على حقوقها في حالات وجود أبناء يطال أداهم مؤسسة الأسرة أو أحد أفرادها. * وفي المادة الجديدة رقم 1 526 التي " يعاقب فيها بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، أحد الزوجين في حالة تبديد أو تفويت أمواله، بسوء نية، وبقصد الإضرار بالزوج الآخر، أو الأبناء، أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة، أو السكن، وبالمستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية وباقتسام الممتلكات" ينبغي على المشرع التدقيق في طبيعة " تفويت الأموال " المقصود في المادة، مع إدراج حالات البيع أو الهبة أو غيرها من العقود العوضية وغير العوضية، لأفراد الأسرة أو لغيرهم، والتي يرجى من خلالها حرمان الورثة من التركة، قياسا على توريث المطلقة في مرض الموت لكون الغاية من الطلاق إخراجها من الميراث، كما ينبغي إضافة " الإخفاء والإنكار للممتلكات، تهربا من أداء الواجبات المالية، فالإخفاء والإنكار للأموال أكثر وقوعا من التفويت أو التبديد، بل إن التبديد للأموال هربا من النفقة لا يكاد يتصور أصلا "[1]. * تأكيدا على المواد 499 التي رفعت العقوبة في جريمتي تحريض القاصرين على البغاء واستغلالهم جنسيا في الدعارة، والمادة 4 35، التي استثنت الاستغلال الجنسي للقاصرين من تطبيق العقوبات البديلة، والمادة المحدثة رقم 188 فرع 10، التي تدين جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أو العنف ضد المرأة أو القاصرين، ثم المادة 484 التي شددت في العقوبة لمن هتك عرض قاصر وتم إعادة وصفها كجناية، مع عدم إعمال ظروف التخفيف مطلقا في الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين بصفة عامة حسب المادة 493، والمادة 1 1 503، والتشديد في تجريم استدراج الأطفال لدور القمار واليناصيب،كما تنص على ذلك المادة تأكيد على هذه المواد وضمانا لسلامة الأطفال والأسرة من الجرائم التي جاءت في هذه المواد مطلوب مزيد من القوانين التي لا تقتصر على أفراد الأسرة، بل تمتد لكافة المؤسسات، والأطراف المتدخلة في التأثير على وظيفة الأسرة وبنيتها وعلاقاتها، مع اعتماد مقاربة مندمجة تجمع بين كافة المؤسسات والأطراف والقطاعات التي لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بمؤسسة الأسرة، مع الجمع بين الردع والتوجيه والتربية والوقاية، وهنا يمكن تنفيذ ما جاء في توصيات التقرير الموضوعاتي الصادر عن الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري يوم 27 أبريل 2015، حول " البرامج التي تتخذ الجريمة موضوعا لها في القنوات ذات البرمجة العامة، خاصة الإجراءات الكفيلة بحماية الجمهور الناشئ وملائمة أوقات البث وإعادة البث مع مضامين البرامج التي تتخذ من الجريمة موضوعا لها"، وكذا البرامج التي تساهم في انحراف الشباب عن وظيفتهم في التحصيل العلمي، وخدمة المجتمع، والتي تتعارض مع قيم المجتمع المغربي وثوابته المرجعية. ويبقى التشريع الجنائي في الأخير للحالات الشاذة عن وظيفتها في المجتمع، والتي انحرفت عن طبيعتها وأدوارها، وانخرطت في عملية الهدم والإفساد للعباد والبلاد، وتبقى الوقاية بالتربية، وتحصين مؤسسات المجتمع الأصل والأساس، وهو ما يفرض تقوية مؤسسة الأسرة، وغيرها من مؤسسات التنشئة على القيم كالمسجد والمدرسة والإعلام، وتمكين هذه المؤسسات من أداء أدوارها، ومساعدتها على ذلك، وهي مسؤولية مشتركة يساهم فيها كل الأطراف الرسمية والمدنية، وكافة الفاعلين، كل من جهته، لحماية أجيالنا من الفساد والضياع، ومساعدتهم على الانخراط في مشروع بناء الوطن، والإسهام في نهضة الأمة.
[1] : رأي للدكتور العالم المقاصدي أحمد الريسوني في قراءته لهذه للمادة 1526.