السياسة العادلة جوهر مقاصد الشريعة. إن السياسة ليست كلمة محدثة، ولا هي مصطلح مستورد من خارج الحقل الدلالي العربي الإسلامي؛ بل هي من صميم لسان العرب؛ كما قال ابن منظور: "السياسة؛ القيام على الشيء بما يصلحه ... والسياسة فعل السائس القائم بأمور الناس."1 وكذلك هي في الاصطلاح الفقهي؛ فهي مصطلح قديم التداول بين أهل العلم، وليست من مبتدعات هذا العصر! فقد عرفها ابن عقيل فيما نقله عنه ابن القيم بقوله: "السياسة: ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، ولو لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل به وحي."2 بمعنى؛ أن السياسة في منطق الشريعة هي مجموع الإجراءات والتدابير المصلحية التي تتخذها السلطات العامة لفائدة الخاصة والعامة، ولو لم يأت فيها حكم شرعي خاص؛ كما قال ابن نجيم: "السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي."3 وعليه؛ فإن السياسة الشرعية لا تنحصر في المنصوص الشرعي فقط، بل تشمل منصوصات الشريعة وكل ما وافقها، ولم يخالف مقاصدها من الاجتهادات السياسية والإبداعات التدبيرية في تنظيم العمران، ورعاية المصالح العامة في جميع أبعادها الدنيوية والأخروية كما مر. والسياسة بهذا المعنى لا تخرج عن تدبير الشأن العام بما يعود عليه بالنفع العام؛ وهذا هو جوهر السياسة العادلة التي جاءت بها الشريعة الكاملة؛ كما قال ابن القيم: "ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ... تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من أحاط علما بمقاصدها ووضعها موضعها وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتة؛ فإن السياسة نوعان سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر؛ فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها."4 وهذا الباب قد زل فيه كثير من الفقهاء؛ إذ فهموا أن العمل بالسياسة مناف لقواعد الشريعة، فجروا على الشريعة أضرارا كثيرة، وفوتوا على الأمة مصالح عظيمة، وأغلقوا على أنفسهم وعلى المجتمع من حولهم أبوابا واسعة من رحمة الإسلام، وأوهموا الرأي العام بأن الشريعة عاجزة عن معالجة القضايا المتجددة، ورعاية المصالح العامة على الدوام. وضل فيه أغلبية الحكام؛ إذ أهملوا العمل بالشريعة؛ فأحدثوا قوانين سياسية مناقضة لثوابتها ومحكماتها ومقاصدها في تنظيم العمران وتدبير الشأن العام، مما آل إلى التخلي عنها شيئا فشيئا؛ حتى تم إقبارها بالمرة مع نشوء دول التجزئة والتبعية مع بداية القرن العشرين؛ فاستفحل الاستبداد السياسي، وتنامى احتكار السلطة واتسعت الفوارق الاقتصادية، وتفاقمت المشاكل الاجتماعية، وكثرت الانحرافات الفكرية، والمفاسد الأخلاقية، كما هو واقع الحال.5 والسبب الرئيس في هذا كله تقصير مؤسسة العلماء، ومؤسسة الحكم في الإحاطة بحقيقة الشريعة ومقاصدها، وعدم قدرتهما على الملاءمة بين ما يقتضيه الواجب الشرعي ويتطلبه الواقع الفعلي، لأن "الواجب شيء والواقع شيء، والفقيه -عالما كان أو حاكما- من يطبق بين الواقع والواجب، وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم ... وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض ... فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل، فليس إلا الاصطبار، والقيام بأضعف مراتب الإنكار".6 وبناء عليه؛ فكل التدابير والقرارات والإجراءات والوسائل المؤدية إلى إقامة العدل وتحقيق المصالح الخاصة أو العامة الدنيوية أو الأخروية أو هما معا، فهي من مشمولات السياسة العادلة، أي: من الشرع، إذ كل ما وافق الشرع ولم يخالفه فهو منه، وإن لم يتقدم له شاهد منه بالاعتبار، وكل ما خالف هذه القاعدة؛ فهو من السياسة الظالمة التي لا علاقة لها بالإسلام مطلقا. ومن الأمثلة المعاصرة الدالة على موافقة السياسة العادلة؛ جميع النظم والتراتيب الإدارية الحديثة، وآليات التداول على السلطة، وتنظيم الشورى، ومساطر المراقبة والتفتيش والتحقيق في الجرائم واختلاس المال العام، وقوانين الحريات العامة، ومدونة الشغل والانتخابات، وقوانين الوظيفة العمومية، والضمان الاجتماعي، وقوانين تنظيم المرور، والمساطر القضائية، ووسائل الكشف عن المجرمين، وغير ذلك مما يعين على حفظ المصالح العامة، وإرساء دعائم العدل في مختلف "أنواع الولايات العامة والخاصة التي لا تقوم مصلحة الأمة إلا بها."7 لأن العدل أساس الاجتماع البشري والظلم مؤذن بزواله؛ كما قال العلامة ابن خلدون: "العدل أساس عمارة الأرض، والظلم مؤذن بخراب العمران ... ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب، كما هو المشهور. بل الظلم أعم من ذلك. وكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع؛ فقد ظلمه. فجباة الأموال بغير حقها ظلمة، والمعتدون عليها ظلمة، والمنتهبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، وغصاب الأملاك على العموم ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران؛ الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله. واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم. وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه. وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري. وهي الحكمة العامة المرعية للشارع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال..."8 من هنا كان العدل أعظم مقاصد الشرائع التي كافح من أجلها جميع الرسل؛ ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.﴾ (الحديد: 25). "فالكتاب والعدل متلازمان والكتاب هو المبين للشرع. فالشرع هو العدل، والعدل هو الشرع. ومن حكم بالعدل فقد حكم بالشرع."9 إن إقرار العدل وإقامته بين الناس ليس نافلة؛ بل هو من أهم ما يمكن أن يتوسل به صاحب الولاية العامة ليتحقق بأرقى مقامات العبودية لله، وهو مقام التقوى؛ الذي لا ينال بأداء الشعائر التعبدية والقربات المحضة وحسب؛ وإنما ينال كذلك بإشاعة قيم العدل الإلهي بين الجنس البشري مطلقا، بغض النظر عن اختلاف المواقف والمواقع والولاءات والصداقات والخصومات، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.﴾ (المائدة: 8). والمقصود بالعدل هنا: العدل الشامل العام الذي لا يتأثر بأنانية ذاتية، ولا بقرابة دموية، ولا بموقع اقتصادي راق، ولا بوضعية اجتماعية مزرية، ولا بشيء من الميولات العاطفية التي قد تؤثر على إقامته بين الجميع؛ كما يفيده قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً.﴾ (النساء: 135). إنه العدل الذي لا يحابي مؤمنا لإيمانه ولا متدينا لتدينه ولا وليا لولائه، ولا يتحامل على كافر لكفره ولا على علماني لعلمانيته ولا على خصم لخصومته؛ كما يتضح من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً، واستغفر الله، إن الله كان غفورا رحيما، وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً، هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً. وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً،وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.﴾ (النساء:105- 113). إن هذه الآيات القرآنية وغيرها قد نزلت لتقول: إن قضية العدل في المرجعية الإسلامية ليست قضية كلامية نظرية؛ جاءت لتكون موضوعا للنقاشات الفكرية، والتنظيرات الفلسفية والتحليلات السياسية؛ بل هي قضية واقعية عملية ينبغي أن يعيشها الناس باستمرار كما عاشوها على عهد الرسالة؛ في ظل المنهج الإلهي؛ الذي أبى إلا أن يعلم أمة الإسلام ويربيها عمليا على إقامة العدل بين الجميع، وإنصاف المظلوم وإعطائه حقه كاملا غير منقوص مهما كان عدوا لله، محاربا لدينه وللمؤمنين. والانتصاف من الظالم المعتدي، وكشفه أمام الملأ، وفضحه على رؤوس الأشهاد، حتى يكف عن ظلمه، مهما كان مؤمنا بالله ورسوله، ومناصرا لدينه وللمؤمنين. ومهما كانت الظروف والأحوال المحيطة بأمة الإسلام غير ملائمة، لأن منطق الإسلام يقتضي أن يكون إقرار الحق فوق كل أحد، وأن تبقى إقامة العدل فوق كل اعتبار.10 وهذا النوع من العدالة، ما أحوج حكام دول الربيع العربي بالخصوص للوقوف أمامه للاعتبار به، وأخذ الدروس منه في التعامل مع جميع الفرقاء السياسيين وغيرهم من عامة المواطنين. وبذلك يعطوا القدوة من أنفسهم، فيكونوا خير مثال يحتدى. ولما كان العدل بهذه الأهمية الكبرى في حياة الإنسان وبناء الحضارة؛ أولاه علماؤنا عناية خاصة، وجعلوا منه معيارا لتقويم أنظمة الحكم السياسي؛ واتخذوه مرجعية لتقعيد جملة من القواعد الأساسية لتنظيم الاجتماع البشري بصفة عامة؛ وقد جمعها ابن تيمية فيما نصه: "العدل نظام كل شيء. والحاكم الكافر العادل أفضل من الحاكم المسلم الجائر؛ لأن الحاكم الكافر العادل لنا عدله وعليه كفره. والحاكم المسلم الظالم له إسلامه وعلينا جوره. والدنيا تدوم مع العدل والكفر. ولا تدوم مع الظلم و "الإسلام". وأن الله يقيم الدولة العادلة؛ وإن كانت كافرة. ولا يقيم الدولة الظالمة؛ وإن كانت "مسلمة". والله ينصر الدولة العادلة؛ وإن كانت كافرة. ولا ينصر الدولة الظالمة؛ ولو كانت "مؤمنة ". وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، ولا تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم. وإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت؛ وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. وإذا لم يقم أمر الدنيا بعدل لم تقم؛ وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة."11 ويكفي شاهدا على مصداقية هذه القواعد الكلية ما عليه دول التجزئة والإلحاق الحضاري من المحيط إلى المحيط؛ من ظلم لشعوبها، وتهميش لعلمائها، ومضايقة لمصلحيها، مع دعوى الانتساب إلى الإسلام، مقارنة بدول الغرب وما هي عليه من ضمان لحقوق أبنائها، وتكريم لعلمائها، واحترام لمعارضيها مع كفرها، وهو ما يفسر سر تقدمها وانتصارها، ويوضح تخلف دولنا وعلة انهزامها. وبهذا يظهر أن طرح قضية العدل ومكافحة الظلم، ومناصرة كل العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومصالحه المشروعة – بغض النظر عن انتماءاته أو توجهاته أو هيآته – من آكد "فرائض الوقت" وأوجب واجبات الشريعة التي ينبغي التوسل إلى إقامتها بجميع آليات الاحتجاج المدني؛ من بيانات وقفات ومسيرات واعتصامات وإضرابات قطاعية وعامة وعصيان مدني شامل... فضلا عن توزيع البيانات ونشر التقارير عن تجاوزات الظالمين، وفضح خروقاتهم عبر وسائل الإعلام، والمطالبة بمحاكمتهم، والمشاركة في تأسيس الجمعيات الحقوقية للدفاع عن المظلومين، والدعوة إلى الانخراط فيها، تأسيا بحضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تأسيس "حلف الفضول" لمناصرة المظلوم أيا كان في دار عبد الله بن جدعان، في عهد الجاهلية. وتزكيته له وإشادته به في عهد الإسلام.12 وهو ما يفيد الإقرار بمشروعية كل الوسائل المساعدة على إقامة العدل بين الناس ومناهضة الظلم بإطلاق. الهوامش: 1 ابن منظور، لسان العرب، 6/108. مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، 1/3975. 2 ابن القيم، إعلان الموقعين، 4/372. ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، 1/17. ابن القيم، بدائع الفوائد، 3/673. 3 ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 5/11 قال المقريزي في الخطط:" يقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قولهم ساسه وسوسه القوم جعلوه يسوسهم والسوس الطبع والخلق يقال الفصاحة من سوسه والكرم من سوسه أي من طبعه. فهذا أصل وضع السّياسة في اللغة، ثم رسمت بأنها: القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأموال." البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 5/76 4 ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية،1/5. 5 هذا النوع من الانحراف الفقهي السياسي ليس جديدا؛ بل هو آفة قديمة، وقد نبه إليها ابن القيم في سياق تقويمه للاختلالات والمفاسد التي جرها جهل بعض الفقهاء وأغلب الأمراء بالسياسة الشرعية على الأمة، وهو ما يمكن مراجعته في كتابيه: الطرق الحكمية، 1/18، 19. و إعلام الموقعين، 4/372، 373. 6 إعلام الموقعين، 2/220. 7 الطرق الحكمية، ص359 8 ابن خلدون، المقدمة، 2/697 – 703. وقال:" الظلم مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع، وغير ذلك من سائر المقاصد الشرعية في الأحكام، فإنها كلها مبنية على المحافظة على العمران." المقدمة، 1/334. 9 مجموع الفتاوى، 35/366 10 من المفيد مراجعة تعليق سيد قطب على هذه الآيات. في ظلال القرآن، 2/752. 753 11 ابن تيمية، الحسبة في الإسلام، مطبوع ضمن كتاب: في التراث الاقتصادي الإسلامي، ص487، 551، 552. بتصرف. 12 ذكر ابن إسحق قال: "اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان؛ لشرفه ونسبه؛ فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم، إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته. فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول.( أي: حلف الفضائل. والفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس). وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت. وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة لأنه موافق للشرع إذ أمر بالانتصاف من الظالم." القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. 6/33. وقال ابن منظور: "سمي حلف الفضول؛ لأنه قام به رجال من جرهم؛ كلهم يسمى الفضل؛ الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة. فقيل حلف الفضول؛ جمعا لأسماء هؤلاء، كما يقال سعد وسعود." لسان العرب، 11/527.