أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي "الطيب رجب أردوغان " للجزائريومي الثلاثاء والأربعاء من شهريونيو الماضي ، التقى مسؤولين سياسيين واقتصاديين و اعلاميين ...سمع مَمن قَدمّه في واحد من تلك اللقاءات ألقاباً استدعته أن يعقب فور إنتهاء الثقديم ، مبديا إنه لا يقوى بمفرده على حَمل كل تلك الألقاب متوسلا الى الوفد التركي المرافق له كي يشاركه هذه الحمولة من الألقاب . فأنا لست زعيما وقائدا ملهما وسياسياً واقتصاديا ومخلِّصا .... إلى آخر القائمة، أنا مجرد راع ومسؤول عن رعيته اليوم ، وغدا أمام الله . وهذا ليس تواضعاً من السيد أردوغان بقدر ما هو إعادة الاعتبار إلى مفهوم المسؤولية ، كونه يدري أن الألقاب في بلاد العرب خاصة والمسلمين عامة تُمْنح بالمجان وتوزع دونما أحقية وجدارة، بعد أن كانت ذات يوم بمواصفات باهظة كخليفة رسول الله أيام الصديق وأميرالمؤمنين في العهد العمري وقائد الأمة زمان صلاح الدين الأيوبي . إننا في عصر قلَّ ما تسمع اسم حاكم عربي بشكل مجرد، أو بعدد محدود من الالقاب وإذا حدث ذلك يبدو الأمر كما لو أنه استخفاف بذالك الحاكم . وتجاوزت الألقاب نسبة جُنونها لتعتري مجالات الحياة كلها فهوالرياضي الأول والراعي للفن بكل أشكاله الغنائية والمسرحية و.... ، بل ثمة ألقاب يحَمَلها الحاكم تكفي لأكثر من جيل لاحق.... حتى ان المذيع يجد مشقة وحرجاً في سردها لدرجة يحل قيها البلاء مجل الولاء ، فالقدافي على سبيل المثل كان يلقب بالأخ معمر، وملك ملوك افريقيا ، وأميرالمسلمين ، وصاحب الخيمة ، والكتاب الاخضر، والنهرالاعظم ، وقائد الثورة الإنسانية والتقدمية والمُحررة ،على أساس أنه كان يظن أن هناك ثورات حيوانية ورجعية وتسعى إلى تحويل البشر إلى أسرى ، لذلك فبمجرد أن ثارعليه أبناء الشعب نعتهم بالجرذان التي سوف يطاردها في كل مكان. فالحاكم العربي عال جداً لدرجة اصبح فيها صاحب جلالة ،وملك القلوب ، وهو الزعيم الأوحد العبقري الذي لا يليق بأسمه أن يأتي عاريا في أي سياق حتى لو كان في الحياة اليومية داخل المطبخ وغرفة النوم والمرحاض ... وهذا الاسراف في إغداق الألقاب أفقدها دلالاتها.وهي التي لم يطمح اليها حكام يشهد التاريخ على عظمة سيرهم وفترة حكمهم كعمربن الخطاب الذي خطب في الناس يوم توليه الخلافة قائلا :".... وإنّي امرؤ مسلم وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله عزّ وجلّ، ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئاً إن شاء الله؛ إنما العظمة لله عزّ وجلّ، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولنّ أحد منكم: إنّ عمر تغيّرمنذ ولي." لقد شمل التّضخم وبالتالي التعويم كل شيء في حياة الحاكم العربي، وأصبح اسمه فاقدا لدلالة إذا لم يسبق ويلحق بقافلة من الألقاب الضخمة التي جعلته أشبه الى حد ما بطيور النعام لا ندري ما هي الجدوى من طول رقابها وارتفاع قاماتها إذا كان قوت يومها ثمار نباتات تفترش الأرض مثل الشمام والقرع العسلي تجعلها تدس رؤوسها في الأرض لدرجة تعجز معها عن رؤية ما يحيط بها من أخطار!؟