حرص الاتحاد الأفريقي في ميثاقه على جعل منظمته مفتوحة في وجه كل الدول الأفريقية الراغبة في الانضمام إليها، ويظهر ذلك في الاهتمام الخاص الذي أولاه لقضية انضمام أعضائه، والتي جردها من أي تعقيدات ممكنة، وجعلها المسطرة الأكثر بساطة في مساطير المنظمة. بداية، فقرار الانضمام لا تبث فيه هيئة الرؤساء التي تعتبر أعلى وأسمى هيئة في المنظمة بحسب الفصل السادس من الميثاق، وهو دلالة على اعتبار انضمام الدول الأفريقية إلى المنظمة مسألة تقنية ومسطرية فقط، وليست قضية استراتيجية تستدعي اجتماع مؤتمر الرؤساء للبث فيها، هذه الهيئة التي تجتمع مرة في السنة، ويتم التداول على رئاستها بين الرؤساء الأفارقة مرة كل سنة، وتتخذ قراراتها بالتوافق أو بأغلبية الثلثين، وتبث في التوجهات والقرارات الكبرى للمنظمة.
أمام بخصوص الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي، فتجب الملاحظة على أن الميثاق وضع مسطرتين للانضمام، واحدة يحددها الفصل 27 وهي موجهة للدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية السابقة، والذين كانوا أعضاء فيها إبان تقديم الميثاق الجديد الذي أسس للاتحاد الأفريقي في 11 يوليوز 2000 بلومي، الطوغو. أما المسطرة الأخرى فهي تهم انضمام بلدان أفريقية جديدة لم تكن عضوة في المنظمة السابقة إبان تقديم هذا الميثاق الجديد، كما هو الحال لجنوب السودان والمغرب، ويحددها الفصل 29 من الميثاق.
بالطبع لا يهمنا الفصل 27 لأن المغرب لم يكن عضوا في منظمة الوحدة الأفريقية سنة 2000، هذه المنظمة التي غادرها منذ 1984، بعد أن خانت نفسها وقبلت بعضوية هيئة هلامية لا تمتلك صفة الدولة في لوائح الأممالمتحدة.
أما الفصل 29، فيؤكد في بنده الأول أن "كل بلد أفريقي له الحق في أي وقت أن يخبر رئيس الجمعية برغبته في الانضمام إلى الميثاق المؤسس وأن يصبح عضوا بالاتحاد". ويفصل في بنده الثاني أن "رئيس الجمعية فور توصله بهذا الإخبار يبعث بنسخة منه إلى كل الدول الأعضاء. ويتم قبول عضوية الدولة المرشحة بالأغلبية البسيطة للدول الأعضاء (وهي 28 دولة من أصل ال54 دولة المكونة للإتحاد)."
على هذا المستوى، ما يجب الإشارة إليه هو أن مسطرة الانضمام تبدأ وتنتهي في سكرتارية جمعية المنظمة، حيث ينص البند الثاني دائما من نفس الفصل أن "قرار كل دولة يبلغ إلى رئيس الجمعية، والذي يبلغ بدوره الدولة المرشحة للعضوية بقرار القبول بعد التوصل بعدد الأصوات اللازمة"، وهي 28 صوتا.
فلا وجود إذن في ميثاق الاتحاد الأفريقي لأي شرط خارج شرطي تقديم الطلب والحصول على الأغلبية النسبية للأصوات، حيث يتم قبول عضوية البلد المرشح تلقائيا كحق من حقوقه السيادية كبلد أفريقي، حيث لا تلعب الجمعية ورئاستها إلا دورا تقنيا في هذه المسطرة تتلخص في تلقي طلب الانضمام وتوزيعه على الدول الأعضاء وتلقي قراراتهم وإخبار الدولة المرشحة بقرار عضويته بناء على توفر الأغلبية النسبية لأصوات الدول الأعضاء.
فلا وجود لأي إشارة تفيد بمرور قرار الانضمام أمام مؤتمر الرؤساء، أو إشارة تفيد بإمكانية إخضاع أي طلب للانضمام إلى تقييم سياسي من طرف الدول. وهو ما يجعلنا اليوم أمام عملية خارجة عن ميثاق الاتحاد الأفريقي في مسطرة الانضمام، إذ كان يجب أن يحضر المغرب إلى هذه القمة كعضو كامل العضوية، وأن لا ينتظر كل هذا الوقت منذ أن تقدم بطلبه الانضمام، ومنذ أن تأكد حصول طلبه للعضوية حسب تصريح الخارجية المغربية على عدد من الأصوات بلغ أكثر من ثلثي الدول الأعضاء.
والأكيد في هذا الإطار أن السيدة زوما خانت مسؤوليتها، ولعبت دورا قذرا في هذه المناورة، كرئيسة للجمعية لها كامل الصلاحية في إعلان انضمام المغرب فور توصلها بالأصوات اللازمة الثمانية والعشرين. فالواضح إذن أن السيدة زوما، المعروفة بعدواتها للمغرب ووحدته الترابية، والتي تتدعي عدم توصلها بقرارات الدول الموافقة على عودة المغرب، نجحت في تهريب قرار الانضمام خارج مسطرته القانونية، للزج به في متاهات سياسية يراهن عليها خصوم وحدتنا الترابية لابتزاز المغرب ودفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات،
والحقيقة أن الدبلوماسية المغربية كان عليها أن تعلن رفضها الصريح لهذه المسطرة التي تخرق ميثاق الاتحاد الأفريقي، وتخلق آلية جديدة بعيدة كل البعد عن روح الميثاق وقوانينه. هذه المسطرة التي تم احترامها حرفيا من طرف الرئيس السابق للجمعية الأفريقية السيد جان بينغ (Jean Ping) في حالة انضمام جنوب السودان، حيث توصلت هذه الدولة بقرار انضمامها مباشرة من رئاسة الجمعية في شخص رئيسها يوم 26 يوليوز 2011 بعد التوصل بعدد الأصوات اللازم، دون الحاجة إلى عقد مؤتمر الرؤساء أو أي شروط أخرى. هذا القرار الذي تم بناء عليه رفع علم الدولة الجديدة بحضور أعضاء رئاسة الجمعية فقط ورئيس جنوب السودان، الدولة العضو الجديد.
وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول التطورات التي وصلت من خلالها الأمور إلى هذا المستوى الغريب والمنافي لميثاق الاتحاد : لماذا لم يستطع المغرب أن يفرض احترام الميثاق في تفعيل مسطرة انضمامه؟ وأين هي مواقف أصدقاء المغرب من هذا الخرق السافر لميثاق الاتحاد الأفريقي؟
إننا أمام العديد من التساؤلات التي تستدعي جوابا من جميع الأطراف، والتي لا يمكن إزائها إلا أن نعتبر المغرب عضوا كامل العضوية بالاتحاد الأفريقي بقوة ميثاقه بعد استيفائه لكامل شروط الانضمام، يحق له أن يبني على ذلك كامل حقوقه التي تترتب عليه كبلد أفريقي عريق.