دقت ساعة الحقيقة، أمام "محكمة الشعب"، وآن أوان قول ما صمتنا عنه ردحا من الزمن، وإن كان الصمت أكثر فصاحة من الكلمات، على رأي المؤرخ الإسكتلندي توماس كارليل، وهي الحكمة التي طبقتها الأحزاب السياسية المغربية، في برامجها الانتخابية، التي جعلت من صمتها عرفانا غير مسبوق. السيد المصطفى الرميد؛ لقد قالت لك الأحزاب السياسية المغربية خلسة ما خافت من قوله علنا، وما عجزتُ عن قوله، وأنا أجاورك وأحاورك، وأدنو منك وأرغب في مخاطبتك، وهو أن ما قمت به سيتعب من بعدك، سيتعبه كثيرا ويحرجه أكثر، وإني حتى آتيك بالحجج والبراهين، قمت برحلة بين البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية المغربية، وهذا ما وجدته دليلا قاطعا على أن المصطفى الرميد نجح في وصفته التي قدمها لإصلاح منظومة العدالة؛ لقد خلت البرامج الانتخابية لكل من أحزاب "الحركة الشعبية" والتقدم والإشتراكية"، و"الإتحاد الاشتراكي"، والميثاق الذي تقدم به"الاتحاد الدستوري" من تقديم أي وعد يخص قطاع العدالة، وإن كانت هذه البرامج تحمل في بطونها الكثير من الوعود المتعلقة بالإصلاحات ذات البعد المؤسساتي والهيكلي، إلا أنها تجنبت هذا القطاع، وأبعدته من دوائر وعودها. وعندما تطرق له البرنامج الانتخابي لحزب الإستقلال جاء عرضيا في الجانب المتعلق بالحقوق والحريات، على شاكلة وعد بإعادة تعديل منظومة القانون الجنائي، فيما تحدث حزب التجمع الوطني للأحرار عن استكمال إصلاح منظومة العدالة، وهي الصيغة نفسها التي وردت في البرنامج الانتخابي الأول الذي تقدم به حزب الأصالة والمعاصرة بعنوان "الإنقاذ"، قبل أن يغيره في البرنامج الذي تقدم به تحت عنوان "التغيير الآن"، بعد انتقادات واسعة بسرقة إنجازات الحكومة الحالية. وحتى حينما حاول حزب الأصالة والمعاصرة تدقيق المقصود باستكمال الإصلاح لم يبتعد عن المنجزات التي دشنتها وزارتكم في التبادل الإلكتروني، وإعادة رسم خريطة المحاكم بناء على الجهوية الموسعة. وأما حزب التجمع الوطني للأحرار فقد قدم وعدين لا يبتعدان عن المسار الذي رسمته خطة إصلاح منظومة العدالة في عهدكم، ويعد الحزب في هذا المنوال بتحسين فعالية النظام القضائي بهدف ضمان إجراءات مبسطة ولا ممركزة، وتسريع النطق بالأحكام، والتزام مؤسسة القضاء أمام المواطنين بآجال معلنة مسبقا، الذي يعني بشكل دقيق ما قدمتموه في الندوة الصحفية في 7 شتنبر 2016، حول آجال البث في القضايا المعروضة أمام المحاكم. إن صمت الأحزاب السياسية اعتراف كبير بنجاح الإصلاحات التي وضعتم لها الأسس، ويسرتم لها السبل، رفقة فريق عملكم، وأن هذا الإصلاح رفع السقف عاليا، بتجاوزه للمقاربات الحزبية، بعد الحوار الوطني الذي دام 14 شهرا، واختيرت له هيئة من خيرة رجالات الوطن، ليصلوا في النهاية إلى وضع ميثاق شامل وعميق لإصلاح منظومة العدالة. السيد الوزير المحترم؛ لقد نجحتم حين حولتم كثبانا كثيرة صنعها الإعلام حول علاقة الوزارة بمهنيي القطاع إلى مجرد سراب، وفي سابقة يتلقى وزير العدل والحريات رسالة عرفان من محاميي هيئة الناظور من بين أقوى ما جاء فيها أن المجلس يسجل"التطورات الإيجابية التي عرفتها مختلف هذه المحاكم منذ انطلاق البرنامج الإستعجالي الذي جندتم في سبيل إنجاحه مجهودات مادية ومعنوية جبارة، وسهرتم على تتبع مختلف مراحله بصفة شخصية وقد أفضى كل ذلك إلى إخراج وضعية محاكم الدائرة من حالة الأزمة إلى مستويات رائدة، كما سجل مجلس الهيئة نقيبا وأعضاء كلمة عرفان وتقدير في حق شخصكم الكريم". السيد الوزير المحترم؛ لقد تعلم كل من اشتغل وعمل بمعيتكم أن رجل السياسة "الحق هو ذلك الذي على استعداد للمخاطرة" كما قال شارل ديغول، وقد غامرتم وخاطرتم بكل علاقاتكم الاجتماعية، مع العائلة والأصدقاء قبل غيرهم، من أجل فكرة تؤمنون بها، ومن أجل إصلاح منظومة ظلت معطوبة منذ عقود، كانت كالجمرة التي تحرق كل من يقترب منها، ويتخوف منها الجميع، وكنتم لها وعلى قدرها.