في كل رياضة، هناك نخبة من النجوم الذين يجعلون اللعبة تبدو سهلة وأنيقة، وخاصة عندما يكونون في ذروة مسيراتهم. هذا بالضبط ما نجح في تحقيقه كل من شتيفي غراف وروجيه فيدرر في ملاعب كرة المضرب مثلاً، أو ناديا كومانتشي في الجمباز، أو مايكل جوردان في كرة السلة أو تايغر وودز في الغولف. وفي كرة القدم، يُعد تشافي هيرنانديز واحداً من هؤلاء الرياضيين المتميزين.
بفضل قدرته على تمرير الكرة بكل سهولة وعلى نحو متتابع دون كلل أو ملل، أصبح تشافي يشكل العمود الفقري للأسلوب الهجومي الأسباني، وهو الذي حقق سجلاً شخصياً مذهلاً في الطريق إلى التتويج بلقب كأس العالم لكرة القدم سنة 2010 في جنوب أفريقيا، حيث بلغ معدل نجاح تمريراته نحو 90٪.
في الجزء الثالث والأخير من هذه المقابلة الحصرية، يتطرق لاعب خط وسط نادي السد إلى ذكرياته الأولى عن كأس العالم، مستحضراً نارانخيتو التميمة الرسمية لنهائيات أسبانيا 1982، بالإضافة إلى سحر دييغو مارادونا والفوز التاريخي في جنوب أفريقيا، معرباً في الوقت ذاته عن إعجابه بما تشهده كرة القدم من شغف وحماسة في العالم العربي.
س. ما هي الصورة التي لا تزال عالقة في ذاكرتك من أول مرة شاهدت فيها مباريات كأس العالم؟
ج. أتذكر نارانخيتو، تميمة كأس العالم 1982 في أسبانيا، رغم أني لا أعرف إن كانت تلك الصورة لا تزال في ذاكرتي من تلك الحقبة أم أنها تبادرت إلى ذهني في وقت لاحق. كما أتذكر دييغو مارادونا في نهائيات كأس العالم 1986 وأتذكر كيف سجل الهدف في يده الشهيرة امام انكلترا. كنت في السادسة من عمري آنذاك. وأتذكر أيضاً هدفه المذهل ضد إنكلترا ايضا، ذلك الهدف الذي دخل كُتب التاريخ حين راوغ كل الدفاع ثم الحارس بيتر شيلتون، ناهيك عن إنجاز المنتخب الأرجنتيني ومارادونا شخصياً.
لم يسبق لي أن شاهدت مباراة في كأس العالم من المدرجات، قبل مشاركتي الأولى في البطولة. ولكني تابعت أغلب المباريات عبر شاشة التلفاز، حتى عندما أقيمت النهائيات في الولاياتالمتحدة، حيث كانت المواجهات تقام في الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً بتوقيت أسبانيا. كنا جميعاً ننهض باكراً لمشاهدة المباريات... كل أفراد العائلة، إخوتي وأختي كذلك. تابعت جميع بطولات كأس العالم دون استثناء. كرة القدم هي حياتي وشغفي، وأنا أعشق مشاهدتها.
س. كانت بطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا هي الأولى التي تقام في القارة الأفريقية كما تزامنت مع تتويج أسبانيا باللقب للمرة الأولى في تاريخها، حيث كنتَ عضواً مؤثراً في ذلك الفريق. كيف ساعدت بلدك على بلوغ ذلك النجاح التاريخي؟
ج. لم نحقق بداية جيدة في تلك النهائيات. فبعد خسارتنا أمام سويسرا، بدأت الشكوك تحوم بعض الشيء، حيث كنا عصبيين ومتوترين أكثر من المعتاد. لكن الفريق حافظ على رباطة جأشه، رغم أننا ربما لم نلعب بشكل جيد إلا عندما قابلنا البرتغال. قدمنا مستوى جيداً أمام البرتغال في ثمن النهائي، وبعدها بدأنا نرى أداءً أسبانياً متميزاً.
كان علينا أن نكافح بقوة ضد باراغواي في الدور ربع النهائي، ولكننا قدمنا مباراة رائعة في نصف النهائي وهزمنا المانيا، كما لعبنا بشكل جيد امام هولندا في النهائي. إلى حد ما يمكن القول إن ذلك الإنجاز كان استكمالاً لنجاحنا في بطولة كأس الأمم الأوروبية. حينها كنا نتحلى بعقلية الفوز، حيث كنا نؤمن بقدرتنا على هزم أي فريق كان، كما كنا نشعر بقوتنا وقدرتنا على أخذ زمام المبادرة فوق أرض الملعب. أعتقد أن مسيرتنا كانت رائعة خلال تلك البطولة، حتى لو أننا لم نبدأ بشكل جيد.
س. تفصلنا الآن سبع سنوات فقط على إقامة بطولة كأس العالم للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط. بعدما أتيحت لك الفرصة لمعاينة المخططات والوقوف على التقدم الذي أحرزته قطر في طريقها إلى استضافة النهائيات، كيف ترى التطورات المحققة هنا؟
ج. أنا متحمس حيال كل ما شاهدته. متحمس لمشاركتي في هذا المشروع ومجيئي إلى هنا للعمل مع عائلتي، لأن الأمر يتعلق بمشروع رائع حقاً بالنسبة لهذا البلد. أعتقد أن دولة قطر لديها البنية التحتية لاستضافة بطولة كأس عالم تاريخية. لقد شاهدنا اليوم الملاعب المستقبلية التي ستكون في غاية الروعة.
سيكون كل شيء متقارباً. وهذا شيء رائع بالنسبة للجماهير، التي سيكون بإمكانها مشاهدة مباراة في ملعب وبعد ذلك ببضع ساعات حضور مباراة أخرى تقام على استاد آخر لا يبعد سوى عشر دقائق. هذا أمر رائع. من المذهل حقاً أن تُتاح للمرء الفرصة لكي يقول: "حسناً، لقد انتهت هذه المباراة، دعونا الآن نذهب إلى هناك لمشاهدة المباراة التالية". بل ويزداد ذلك روعة عندما يتعلق الأمر ببطولة تشارك فيها أفضل فرق العالم. وبالنسبة للاعبين أيضاً سيكون من الرائع البقاء في نفس الفندق طيلة البطولة، موفرين على أنفسهم عناء السفر. هناك حقاً بعض المزايا الجيدة للغاية.
س. بعد تتويجك باللقب العالمي في أول نهائيات تقام على الأراضي الأفريقية، هل تعتقد أن كل منطقة من مناطق العالم يحق لها الحصول على فرصة استضافة هذا الحدث؟
ج. هذا هو أول بلد عربي ينال حق استضافة كأس العالم. أعتقد أن لكرة القدم ميزة عالمية وكونية، ولذلك فإنه من حق دولة عربية تنظيم النهائيات. كرة القدم تحظى هنا بشغف مذهل على نحو لا يُصدق، حيث يتابع الناس الدوري الأسباني عن كثب، كما يواكبون كل شيء وبأدق التفاصيل. إنهم مهووسون بكرة القدم ويتفاعلون معها بجوارحهم. إنهم يستحقون فعلاً استضافة كأس العالم.
س. حققت قطر بداية جيدة في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم روسيا 2018. كيف تُقيِّم أداء الفريق وفرصه في التأهل؟
ج: نعم، أعتقد أنهم قادرون على تحقيق التأهل، رغم أن المهمة لن تكون سهلة لأن هناك بعض القوى الكبرى والفرق العملاقة في منطقة آسيا. لكن المهم الآن هو التأهل عن المجموعة التي يلعبون فيها حالياً، ومن ثم انتظار خصوم المجموعة الأخرى التي ستضعهم فيها القرعة ضمن منافسات الدور التالي. ولكني أعتقد أن قطر تملك الموهبة الكفيلة بجعلها قادرة على التأهل إلى نهائيات روسيا.
يُعد ذلك واحداً من أهدافهم وأنا سأبذل كل ما بوسعي لمساعدتهم، بطريقة أو بأخرى، في تحقيق تلك الغاية وبلوغ ذلك الهدف. سوف نرى كيف سيتعاملون مع المباريات القادمة، ولكني أعتقد أن فرصة التأهل متاحة أمامهم.
س. في الختام، بما أنك تملك عقلية كروية متميزة، لا بد وأنك تفكر في أن تصبح مدرباً متميزاً كذلك. أليست هذه خطوة منطقية في مسيرتك؟
ج. أحب أرض الملعب، وأحب أن أكون على مقربة من كرة القدم وما يحدث في المباريات. سأتعلم مبادئ المهنة، وقد بدأت بالفعل دراستي هنا في أكاديمية أسباير. إنني أتابع كرة القدم الأسبانية من هنا بينما أواصل مسيرتي كلاعب وأستمتع حقاً بهذه التجربة. وبعد ذلك، لا أعرف ما يخبئه لي المستقبل. ولكني آمل بالطبع أن أعود يوماً ما إلى برشلونة. هذا هو هدفي. وكلما كان ذلك أقرب إلى أرض الملعب، كلما كان أفضل.