سعدت كثيرا وأنا أطلع على خصلة الوفاء التي هي واحدة من الجبلات المغربية التي تحضر كلما غابت الإنتفاعية المقيتة، واللاعبون الدوليون السابقون يمدون يد العرفان وباقات الإمتنان إعترافا بما كان للسيد المهدي فاريا من فضل كبير على الفريق الوطني الذي إحتضنه بقلب العاشق المتيم قبل فكر المدرب العبقري لست سنوات كاملة من نهاية 1983 إلى مارس 1988 وما كان له من أدوار رائعة لعبها بإنسانية قل نظيرها في بناء الزمن الذهبي الثاني للجيش الملكي في عقد الثمانينات والذي أنتج الكثير من الجواهر التي توسطت عقد ألقاب الجيش وكان أقواها وأجملها لقب بطل أبطال إفريقيا، الأول للأندية المغربية في أم المسابقات. سعدت بما رأيت لأنني أعرف قيمة مثل هذه الإلتفاتات ورمزية هذا التكريم عندما يطول الأمد بالإنسان وهو يقف منزويا في مكان معتم، باردة فيه الأحاسيس وجافة فيه المشاعر، هو من كانت أخباره تشغل الناس ذات وقت وهو من كان يحترق كالشمعة ليضيء طريق الفرح، وأبدا لم أكن أتصور، لا أنا ولا غيري أن تمر أربعة أيام على هذه اللفتة الإنسانية الرائعة خلال المباراة الإستعدادية التي خاضها أسود سابقون أمام نجوم ريال مدريد بطنجة، ليسلم المهدي فاريا الروح لبارئها قبيل ساعة واحدة من عصر يوم الثلاثاء، مسدلا الستارة على حياة أظن أن من سيتطوع لكتابتها سيجد لا محالة فصولا من كفاح مرير قاد الرجل إلى القمة، بأن جعله أول مدرب يقود منتخبا عربيا وإفريقيا إلى الدور الثاني من نهائيات كأس العالم، وللجيل الذي ما عرف الحدث إلى مكتوبا في سجلات التاريخ فإن المهدي فاريا صمم للأمانة بمساعدة جيل من اللاعبين الرائعين، بل والخرافيين نسقا تكتيكيا عجائبيا أعجز الأنجليز بكل مكرهم الكروي وأحبط البولونيين وقد كان لهم وقتذاك جيل لا يتكرر وأغرق البرتغاليين بكل أساطيلهم وكاد يفعل الشيء نفسه بالألمان لولا أن القدر أراد لملحمة أسود الأطلس التاريخية أن تقف عند ذلك الحد. لا أستطيع أن أحصي ما كان لي مع فقيد كرة القدم المغربية من مواقف جميلة، فأنا كنت دائما أذكره بقطر التي أمم نحوها أشرعته أول الأمر، وأنا من توصل فعلا إلى أن كرة القدم لها لغة يفهمها كل الناس، فعلى الرغم من أنني لا أفهم إلا القليل القليل من اللغة البرتغالية التي كان يتحدث بها ممزوجة بلغة فرنسية متكسرة، إلا أنه لم يكن من الصعب علي أن أنفذ لفكر الرجل كلما حاورته، وللأمانة فقد كان الرجل صديقا بالعقل والقلب للصحفيين، يستطيع أن يفهم من عيونهم عمق الحزن والغضب وأبدا لا يغيضه أن يواجه ذاك الغضب عندما تسوء النتائج بابتسامة. وأظنها الأقدار التي جعلت المهدي فاريا يحقق كبرى إنجازاته مع الفريق الوطني ومع الجيش، فالرجل بعد أن غادر القلعتين معا وتجول قليلا بين الأندية المغربية، ما استطاع أبدا أن يستلهم نفس ألوان النجاح في كل الدول التي طاف بها، تلك الأقدار نفسها هي التي جعلته يرتبط وجدانيا بالمغرب فيرزق فيه بإبن وفيه يموت وفيه يدفن وبين أهله تعيش ذكراه إلى الأبد. غدا عندما يحين موعد اللقاء الودي للفريق الوطني أمام البافانا بافانا في افتتاح ملعب أكادير الرائع، بالتأكيد سنكون كمن يفتح مع الأسود صفحة جديدة من كتاب الأمل، صفحة نريدها أن تكون صفحة فرح نحن من طوينا للتو صفحة وجع والفريق الوطني يقصى من آخر دور إقصائي مؤهل لمونديال البرازيل، البرازيل بلد السحر والصامبا التي أعطت العالم أساطير لا تنسى هي التي أعطت المغرب مدربا كبيرا إسمه المهدي فاريا منحنا قبل ثلاثين سنة أعيادا كروية لا تنسى. بالطبع قبل أن يفتح الأسود صفحة الحلم الجديدة لا بد وأن يتذكروا بقراءة الفاتحة وبالدعاء الطيب المرحوم المهدي فاريا.