لم يتقبل أحد أن يُقصى الوداد البيضاوي من ثلاث مسابقات في ظرف شهر ونصف، وأن يصبح قزما في الميدان بعدما كان بطلا في منصة التتويج، ويعلن الإستسلام الطوعي بطريقة مستفزة للجماهير الودادية، وفي ظرفية كانت تتطلب تدبيرا وتسييرا آخر غير ذلك الذي حصل. المدرب الحسين عموتا والذي أهدى الوداد لقب عصبة الأبطال الإفريقية العام الماضي، وفي تحليله بقناة «بين سبور» لنهائي هذه السنة وتتويج الترجي التونسي على حساب الأهلي المصري، إستحضر الوداد وقال عنه بنبرة حسرة وألم: «لقد كان بإمكانه أن يدافع عن لقبه أو يصل على الأقل للمباراة النهائية، لم تكن الطريق عسيرة أو شاقة، جزء كبير من الفريق المتوج بقي مجتمعا، وبالتالي فالوداد هو من جنى على نفسه بإهدار تتويج آخر كان في المتناول». تصريح لخّص فيه كل شيء وزاد به من ندم الجمهور الودادي على ضياع النجمة الثالثة، في ظل المستوى الذي شهده المربع الذهبي والنهائي، بتواضع الأهلي المصري وحتى الترجي التونسي البطل الجديد والذي تلقى هدية الموسم من التحكيم في نصف النهاية ضد أغوسطو الأنغولي، وينضاف إليهما وفاق سطيف الجزائري المحدود والذي حقق إنجاز العام بسرقة تذكرة العبور من مركب محمد الخامس.. الوداد هو من أقصى نفسه بالعصبة ولم يقصيه أحد، وهو من عاد بعدها ليجني على نفسه ويضيع التأهل لنهائي كأس العرش وتفويت حيازة اللقب العاشر والمفقود منذ أزيد من عقد ونصف، وهو من إنتحر وقطع شرايينه بسكين تونسي ناعم في مسابقة عربية كانت ستحمل له المجد القومي وملايين الدولارات، وكل هذه الإخفاقات والطعنات القاسية والمتتالية جاءت بسبب سوء التدبير الإداري وقلة الحماس الكروي وفقر النهج التكتيكي. الرئيس تمادى في التسيير الأوحادي والترفع عن سماع نبض الشارع والمستشارين، واللاعبون أصاب الكثير منهم الغرور والإشباع المالي فأثر ذلك على مردودهم، فيما البعض غُلب على أمره لكبره في السن أو إنكشاف عيوبه، إضافة إلى إنكسار قيود الإنضباط وتسيب لاعبين دوليين طغوا منذ رحيل فوزي البنزرتي. مصعد الوداد شرع في النزول بعد مغادرة عموتا، وهبط للطابق تحت الأرضي بعد الإنفصال الإضطراري عن المدرب التونسي، وتعطل وتوقف رسميا عقب قدوم الفرنسي روني جيرار، المسكين الذي تصادف إلتحاقه مع سلسلة من المواعيد الحاسمة في مختلف المسابقات، وهو الفاقد للزاد والخبرة المغاربية والإفريقية، والجاهل للعقلية الهاوية لدى اللاعبين المحليين الذين يطيرون لوقت وزمن محدود كفقاعات بُعيْد أي تتويج. المحترفون ينشغلون دائما بالبقاء في القمة وتحسين الأداء، بينما الهواة لا يفكرون سوى في بلوغها وتذوق حلاوتها دون وضع إستراتيجية الإستمرار فيها، والضحية الجمهور الذي يشتري الوهم ويصدق الوعود، ويتفاءل كالأعمى بألقاب متتالية ستأتي. للأسف في إفريقيا توجد ثلاثة أندية فقط تملك عقلية التتويج كل سنة وتراها دائما في المباريات النهائيات وتتبادل الوقوف في منصات الكؤوس، وهي الأهلي والترجي ومازيمبي، فيما البقية تظهر وتختفي وتتخبط في غياب الإستراتيجية الإدارية والتقنية، وخصوصا الفكر الإحترافي الذي يجلب المجد والمال والسمعة. ولاية سعيد الناصيري الأولى مرت حلوة وسعيدة وبعدة غنائم، لكن الثانية قد تكون مُرة وتعيسة وبعدة خسائر، إن هو لم يتدارك الموقف عاجلا ولم يشرع في تحضير مخطط كبير وشامل برؤى واضحة وقرارات تشاركية وتفاعلية، فقصة النجاحات تبدأ بأفكار فعمل وأدوات، ومستقبل الوداد ورهانات جمهوره تتوقف على وجوب خضوع البيت الأحمر لحملة تنظيف دقيقة وواسعة، وما سيُعاد بناؤه بداية من اليوم مع مدرب كفء جديد وتركيبة بشرية متجددة، وإعادة زرع بذور القتالية مع لاعبين شبان «عطّاشا» وما أكثرهم..