فيرغسون الأسطورة لم يمر إعتزال السير أليكس فيرغسون للتدريب دون أن يسيل مداد الأقلام ويحرك مشاعر المدربين واللاعبين والمتتبعين، والواقع أنه لم يكن غريبا أن يمر هذا الحدث دون أن تهتم به قصاصات الأنباء ويولي له جميع المتتبعين إهتماما كبيرا، لأن الأمر هنا يتعلق بأحد المدربين الذين طبعوا الكرة وتركوا بها بصمات كبيرة ستتغنى بها الكرة العالمية لسنوات طويلة. في رأيي مخطئ من قال أن الكرة بدورها لا تصنع الأساطير، وفيرغسون أكيد سيبقى من الأساطير التي صنعتها الكرة وستتمجد بها، فالرجل مكث في مانشستر يونايتد 27 سنة، نعم 27 سنة من العمل الدؤوب واللهث نحو الألقاب والعمل المضني. طبعا الفترة التي قضى السير فيرغسون بقلعة الشياطين ليست بالهينة ولا بالسهلة، فأن ترابط تحت سقف فريق واحد لما يناهز ثلاثة عقود لن يتأتى لأي كان، صحيح أن المدرب الكبير غي رو مكث مع أوكسير الفرنسي لأكثر من ثلاثة عقود، لكن ما حققه فيرغسون وكذا الفريق الوازن الذي يدربه لا علاقة لهما بتجربة غي رو، وبالتالي كان من الطبيعي أن يثير إعتزال فيرغسون إهتمام الجميع. كانت المباراة أمام سوانزي عن الجولة ما قبل الأخيرة بالبطولة الإنجليزية الأخيرة له على ملعب أولد ترافورد، قال المدرب الأسكتلندي وداعا لجماهير الفريق، وداعا لقلعة الشياطين، وداعا أيضا لدكة الإحتياط التي ربطت بالسير فيرغسون قصة عشق حميمية وكانت شاهدة على مجموعة من الأحداث المعجونة بالفرح والسعادة والحزن والغضب والقلق والإنتقادات والإحتجاجات وغيرها من المشاعر المثيرة. قال فيرغسون وداعا للمانيو وفي جعبته 38 لقبا في إنجاز سيعجز أي مدرب لتحقيقه مع فريق واحد. لذلك في إعتزال فيرغسون الكثير من الدروس المجانية دون استثناء دروس فريقه مانشستر يونايد، فالرجل يعطي المثال إلى أن الإستقرار يقود إلى النجاح، الإستقرار في الإختيارات والعمل والتحدي، فرغم الهزات التي مر منها في بعض المواسم إلا أنه فيرغسون كان دائما يؤمن بأن الفريق سيعود ويثق في إمكانياته وفي محيطه، إذ غالبا ما كان فيرغسون يتحاشى الحديث عن مشاكل فريقه بل يبعده عن كل ما من شأنه أن يؤثر على استقراره، خاصة الضغط الذي غالبا ما يلعب لعبته في الفريق ويكون واحدا من أسباب التراجع. إدارة المانيو أبدت إحترافية كبيرة وهي تؤمن بمشروع فيرغسون، إذ رغم السنوات التي توالت فإن التغيير لم يغريها، ولم تلهت وراء موضة تغيير المدربين، بل راهنت على الإستقرار بعد أن وضعت ثقتها في مدرب لم يخب ظنها وكان فعلا على قدر المسئولية. علمتنا التجارب أنه غالبا ما يلجأ مسؤولو الفرق إلى حل التغيير كلما ساءت النتائج ورضوخا لمطالب الجماهير لإطفاء نار الغضب، لكن إدارة المانيو كانت تجد دائما في الحفاظ على مدربها نقطة قوة وهو العارف بالبيت الكبير للمان يونايتد أكثر من أي أحد. أكيد أن الرحيل كان صعبا على فيرغسون، وإلا لما كان قد عدل عن إعتزاله التدريب عام 2001، عندما أشهره، لكنه وجد أن الوقت لم يحن بعد ليسلم مفاتيح فريقه لمدرب آخر، فكان أن عاد لممارسة مهنته، غير أن قرار إعتزاله الذي أعلنه في 2013 أكيد أن لا رجعة فيه، إيمانا منه أن لكل بداية نهاية، ونهاية فيرغسون وقصته مع المانشستر قلبت آخر صفحة بعد سنوات من التألق وحصد الألقاب. والأكيد أن الكرة خسرت أحد أفضل المدربين العالميين الذين عرفوا معنى التدريب والإحترافية، وأعطوا مثالا حيا لمن يريد الوصول إلى المجد ويتسلق النجاحات، لذلك سننتظر سنوات وسنوات لتنجب لنا الكرة مدربا محنكا ومرجعيا من طينة السير فيرغسون.