بصم الدفاع الحسني الجديدي على موسم إستثنائي وأكثر من رائع توجه بإحرازه عن جدارة وإستحقاق لقب وصيف البطل بعدما أضاع فرصة الصعود لأول مرة في تاريخه إلى البوديوم ومعانقة الدرع الفضي، ولم يكن أشد المتفائلين يتوقع أن يحقق فارس دكالة هذا الإنجاز الكبير الذي أكسبه إحتراما كبيرا من لدن المهتمين للشأن الكروي الوطني، ويكون من ضمن المنافسين على لقب البطولة الوطنية الإحترافية «إتصالات المغرب» في نسختها السادسة، وهو الذي أمن مكانه بالكاد بقسم الأضواء في الموسم ما قبل الماضي وبنفس المجموعة تقريبا، ولأن الشهية تأتي مع الأكل كما يقول المثل الفرنسي الشهير فقد ساهمت سلسلة الإنتصارات التي حققها أشبال طاليب خاصة في مرحلة الذهاب في رفع سقف طموحاتهم وأحلامهم التي كبرت مع توالي النتائج الإيجابية التي بوأتهم الصدارة التي تخلوا عنها مرغمين للوداد البيضاوي بعد إهدارهم لنقاط كثيرة في الثلث الأخير من البطولة مما أضاع عليهم فرصة الظفر بالدرع الفضي لأول مرة في تاريخهم، مكتفين بلقب الوصافة الفخري الذي سيخول لهم المشاركة لثاني مرة في مشوارهم في كأس عصبة الأبطال الإفريقية الموسم القادم. صحوة نوعية وتحول إيجابي قدم الفريق الدكالي الذي أمن في الموسم ما قبل الماضي بالكاد مكانته بقسم الكبار، إشارات قوية على أنه سيكون رقما صعبا في معادلة البطولة، ورغم تلقيه صفعة قوية ومفاجئة في مستهل الموسم بالملعب الكبير طنجة أمام فارس البوغاز الذي هزمه برباعية مدوية، فإن الدفاع إستطاع لملمة جراحه واستجمع قواه بسرعة في الدورات الموالية التي حقق فيها نتائج إيجابية بعدما صحح أوضاعه بإنتدابه لحارس متمرس بدد مخاوف أنصار «المهيبلة»، وقد حافظ الفريق الجديدي على نسقه التصاعدي خاصة خلال الثلثين الأول والثاني من مرحلة الذهاب التي سجل فيهما سلسلة من الإنتصارات وبحصص مقنعة جعلته يرتقي إلى المراكز المتقدمة، مرسلا بذلك رسائل مشفرة لمنافسيه على أنه سيكون الحصان الأسود في البطولة الإحترافية، ولن ينحصر دوره كما كان عليه الأمر في السابق في لعب أدوار ثانوية صغيرة وسط الترتيب، وكان بإمكان الدفاع أن ينهي الشطر الأول متصدرا بمفرده البطولة ويفوز بقلب الرمزي لثامن مرة في تاريخه لو إستغل على نحو جيد تعثر منافسه الوداد البيضاوي في مناسبتين (د 13 ود 15)، وخلالهما لم يقو الفريق الجديدي على جمع أكثر من نقطتين حصل عليهما من تعادلين بملعب العبدي على التوالي أمام كل من النادي القنيطري والرجاء الرياضي، حيث تأثرت المجموعة الدكالية وقتئذ بكثرة الغيابات لأهم الركائز الأساسية للنادي بسبب التوقيف أو الأعطاب، لينهي الدفاع ذهابه المثالي في المرتبة الأولى برصيد 30 نقطة جنبا إلى جنب مع الفريق الأحمر، لكن مع إمتياز لهذا الأخير بالنسبة العامة التي رجحت كفته ومنحته بطولة الخريف الفخرية. إستقرار تقني وبشري بدا واضحا أن الجديديين إستوعبوا الدرس جيدا وإستفادوا من أخطاء الموسم ما قبل الماضي الذي أمن خلاله الدفاع وبصعوبة بالغة موقعه في قسم الأضواء، واختار المسؤولون الإستقرار شعار المرحلة على كافة المستويات، حيث كانت أولى الخطوات الناجحة التي أقدم عليها المكتب المسير بقيادة الدكتور المقتريض إقناع عدد من الركائز الأساسية بالإستمرار مع الفريق لمواسم إضافية مما قلص حاجيات طاقمه التقني، كما تم تمديد عقد المدرب عبد الرحيم طاليب الذي نجح في كسب رهان البقاء مع الدفاع لثلاثة مواسم، لكن وفق رهانات جديدة طبعا، لإيمان أعضاء المكتب بكفاءة الرجل أولا، وتوفره «بروفايل» يؤهله للإنخراط في المشروع الإحترافي الذي كان قد بدأه النادي مع سلفه جمال سلامي، بالموازاة مع ذلك عمد المسؤولون الدفاعيون إلى تقنين التعاقدات مع اللاعبين رغبة منهم في القطع مع كل الممارسات السلبية والإنتدابات العشوائية التي أضرت بمصالح الفريق في السنوات الأخيرة، هذا الخيار الإستراتيجي الذي كان يروم بالأساس إعطاء الفرصة للطاقات المحلية لإبراز مؤهلاتها فرضه العجز المسجل في ميزانية النادي جراء تراكم ديونه التي ورثها المكتب الحالي عن سلفه والتي فاقت المليار سنتيم، وقد شملت الإنتدابات الصيفية والشتوية للدفاع التي همت بعض المراكز التي كانت تشكو من خصاص، خمسة لاعبين فقط، وهم: الحارسان عبد الحق الزومي وعبد العزيز الكيناني، الظهير الأيسر سعد لكرو، المهاجم عدنان الوردي والمحترف المغربي بالدوري السويدي يونس بارني الذي وجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع أجواء الفريق، ولتوسيع قاعدة إختياراته وضع مروض الفرسان ثقته في بعض اللاعبين الذين لم ينالوا فرصتهم الحقيقية نظير: هدهودي، المفتول، أحداد الذين بث روح الحماس والأمل في نفوسهم، وأحسن توظيفهم على رقعة الملعب، وكانوا فعلا في مستوى الثقة التي وضعها فيهم، كما إعتمد أيضا نظام التناوب لخلق نوع من التنافس الإيجابي بين العناصر الدكالية. حلم الكأس تبخر بالموازاة مع مسيرته الرئعة في البطولة المنصرمة، بصم الدفاع الحسني الجديدي على حضور متميز في منافسات كأس العرش التي كانت أحد الرهانات الكبرى للدكاليين في الموسم المنقضي، وإلى جانب عبوره السهل لحاجز أمل سوق السبت المنتمي لقسم الهواة الذي هزمه ذهابا وإيابا بثلاثية، أزاح فارس دكالة من طريقه فريقين كبيرين من حجم الرجاء البيضاوي والنهضة البركانية، وتمكن من بلوغ مرحلة نصف النهاية في المسابقة القضية، حيث قادته الأقدار والقرعة إلى مواجهة تاريخية ضد جاره وغريمه التقليدي أولمبيك آسفي الذي تغلب عليه ذهابا بملعب المسيرة بهدف دون رد، وخسر بنفس الحصة في الإياب بالجديدة، ليحتكم الفريقان إلى الضربات الترجيحية التي إبتسمت للعبديين وأدارت ظهرها لأصدقاء العميد زكرياء حدراف الذين تفننوا في إهدار الركلات الترجيحية، ومن ثمة أضاعوا فرصة ذهبية لمعانقة ثاني لقب لكأس للعرش في تاريخهم بعد الأول الذي أحرزوه مع الجزائري عبد الحق بن شيخة في موسم 2013، وقد خلف هذا الإقصاء المرير احباطا نفسيا وإنكسارا معنويا لدى الجماهير الرياضية الدكالية التي حملت وقتئذ مسؤولية الإخفاق للجهاز الفني واللاعبين الذين باعوا جلد الدب قبل سلخه، ومن حسن حظ الجديديين أن اللاعبين لم يتأثروا بهاته الضربة الموجعة على مستوى البطولة الوطنية التي حافظوا فيها على مسارهم الناجح. الدكاليون رضوا بالوصافة قبل ضربة البداية، تعاهد المدرب طاليب واللاعبون على بلوغ سقف 30 نقطة على الأقل في نهاية مرحلة الذهاب لتأمين مكانة الفريق مبكرا بقسم الكبار، وهو ما تحقق لهم على أرض الواقع، مما مكن الدفاع من خوض منافسات الإياب متحررا من كل الضغوطات النفسية وبرهانات وأهداف مغايرة لما تم تسطيره في بداية الموسم، حيث صرح مروض الفرسان مباشرة بعد نهاية مباراة الدورة الأخيرة - ذهاب - التي جمعت فريقه بالرجاء البيضاوي أن الفريق سيغير إستراتيجية عمله ومخططاته وسينافس من أجل إحتلال إحدى المراكز الثلاثة الأولى المؤدية إلى المسابقات الخارجية الموسم المقبل، في حين رفعت الجماهير الجديدية التي فتحت النتائج الباهرة التي راكمها الدفاع شهيتها، سقف أحلامها وباتت تتطلع إلى لقب يروي عطش السنين، وذلك بالنظر إلى المستوى المتقارب بين فريقها المحلي وباقي المنافسين وكذا الترسانة البشرية القوية التي يتوفر عليها النادي .وبعد بداية أكثر من رائعة في محلة الإياب التي دشنها برباعية رد الدين أمام إتحاد طنجة، وفوز ثمين بأكادير، تراجعت نتائج الدفاع في البطولة بصورة مفاجئة، بدليل أنه جنى فقط في أربع مباريات 5 نقاط من أصل 12 نقطة ممكنة على الورق، كما تعطلت آلته الهجومية وعانى مهاجموه من حالة إمساك حادة عن التهديف لعدة دورات، مما فوت على فارس دكالة فرصة تعزيز موقعه في الصدارة التي تخلى عنها مرغما لمنافسه الوداد الذي إستفاد من تعثرات الفريق الجديدي الذي استعاد توازنه وحقق ثلاث انتصارات متتالية اثنان منها بكل من تطوان والحسيمة ، أعادته إلى الواجهة، قبل أن يسقط من جديد في فخ التعادلات المخيبة للآمال وفي مواجهات مباشرة وبالغة الأهمية خاصة أمام الوداد البيضاوي ونهضة بركانبالجديدة، وإستمر نزيف النقاط ضد شباب أطلس خنيفرة بميدان هذا الأخير، مما أخرج فارس دكالة من السباق عن اللقب الذي كان قريب المنال لو ناقش لاعبوه كل المباريات بنفس الحماس والجدية وتسلحوا بالنفس الطويل، ولإنقاذ موسمه الرائع كان لزاما على الدفاع الدفاع عن مركز الوصافة المؤدي إلى عصبة الأبطال الإفريقية الذي كان ينازعه عليه فريق الرجاء، وبالفعل إنتفض الجديديون وتمكنوا بفضل السرعة النهائية من حسم لقب وصيف البطل لصالحهم قبل دورة من إسدال الستار عن منافسات البطولة، وهو إنجاز مستحق بالنظر إلى المسار الرائع للدفاع الذي وقع على واحد من أفضل مواسمه على كافة المستويات، وخطوة إيجابية قد تفتح شهية الجديديين مستقبلا للمنافسة بجدية على اللقب الذي إستعصى كل الأجيال الكروية التي حملت قميص الفريق حتى الآن القبض عليه. عزوف الجمهور ..النقطة السوداء شكل العزوف الجماهيري النقطة السوداء بشهادة الجميع في مسيرة الدفاع خلال الموسم الماضي، فإذا ما إستثنينا قلة قليلة من الأوفياء والعاشقين المتيمين بحب «المهيبيلة» كما يحلو لشعراء المدرجات تسميتها، الذين يواظبون على حضور مباريات الفريق داخل وخارج ميدانه، فإن كثيرين أداروا ظهورهم لملعب العبدي وتواروا عن الأنظار لأسباب يتداخل فيها الذاتي والموضوعي في وقت كان فيه فريقهم يقدم مباريات كبيرة في البطولة التي أنهى شطرها الأول في الصدارة وظل منافسا قويا للوداد على الدرع الفضي إلى آخر رمق، ورغم إطلاق إدارة النادي لحملة «كلنا دفاع» عبر مواقع التواصل الإجتماعي والتي إنخرط فيها اللاعبون والمسيرون وأفراد الطاقم التقني بهدف لم الشمل وتحقيق مصالحة حقيقية بين مختلف مكونات أسرة الفريق، لم تتجاوب الجماهير الدكالية مع هذا الشعار وواصلت عزوفها عن الملعب حتى في المباريات التي فتحت فيها الأبواب بالمجان، ومن ثمة وجد اللاعبون أنفسهم يخوضون معظم مباريات البطولة في غياب المحفز الأساسي و«اللاعب رقم 12» الذي يعتبره المحللون عاملا مؤثرا في النتائج الإيجابية. وكان عامل إقليمالجديدة معاذ الجامعي محقا عندما دعا في حفل التكريم الذي أقامه على شرف فريق الدفاع بمناسبة حصوله على مركز الوصافة، المسؤولين عن الفريق إلى إعادة بناء علاقة جديدة مع الجمهور والإنصات لهمومه عبر إعتماد مقاربة مرنة لتدبير الأزمات لإنهاء حالة الجفاء التي عمرت طويلا وتحقيق مصالحة حقيقية بين مكونات الأسرة الدفاعية.