مضى وقت ليس بالقصير لم يواجه فيه الفريق الوطني منتخبا أوروبيا عريقا، وإختفت لسنوات الإصطدامات الكبرى والحساسة بين الأسود والبلدان التي تضم جاليات مغربية مهمة، قبل أن تأتي ودية المغرب وهولندا هذا الأربعاء بأكادير لتصالح الفريق الوطني مع المواعيد الكبرى ولو وديا. وبغض النظر عن توقيت المباراة السيء وقدوم الضيف الثقيل بفيلق خفيف متشكل أساسا من الشباب في غياب النجوم والمشاهير، فإن اللقاء سيعرف حوارا مشوقا بمشاعر حساسة وطابع حماسي خاص، سواء بالنسبة لأصحاب الأرض أو الزوار. فلطالما عرفت المباريات التي تجمع الدول الأوروبية ببعض مستعمراتها السابقة، أو البلدان الأصلية للجاليات المقيمة بها ندية وشرارة تتجاوز الحدود الرياضية عدة مرات، وهو ما يخيف هذه المنتخبات الشقراء التي تتجنب ما أمكن اللعب مع نوعية هذه الخصوم لعدة إعتبارات. وفي ظل الهروب والإمتناع الخفي أفلح الأسود أخيرا في إيجاد موعد ودي رنان، طرفه المنتخب الهولندي وصيف بطل العالم ثلاث مرات وبطل أوروبا مرة واحدة، وبلد الكرة الشاملة وصاحب الفضل الغزير في تزويد الكرة المغربية بعدة مواهب ولاعبين منذ زهاء عقدين. هولندا بمثابة البقرة الحلوب التي رضع من ثديها الفريق الوطني خلال السنوات الأخيرة، وظل يستنزفها ويحرمها من زبدة المنتوج الرفيع، ويخطف منها أغلى ما تملك، ويستفيد منها دون أن يخسر درهما واحدا. الضيعة الهولندية زرعت وسقت وإهتمت دون أن تحصد إلا القليل فيما يخص البذور المغربية المثمرة، ووقفت بحسرة وألم شديد على جني محصولها من بلد بعيد خطف أجود ما لديها، وتركها تبكي وتندب ضياع أزهار كانت تنوي تزيين حدائقها الفسيحة بهم. الهولنديون دخلوا في حملة كراهية وعداء شديد في الأشهر الماضية، وإستفزاز كبير للاعبين المغاربة الذين أداروا ظهرهم لمنتخب الطواحين، وقرروا قطع اليد التي ربتهم ليربطوا الوصال مع الوطن الأم، هناك حيث الحنين ونداء القلب لأبنائه المهاجرين. فقدان زياش وطنان قبل شهور فقط، وفرار ياسين أيوب وميمون ماحي حاليا جنن النقاذ الهولنديين، وأغضب جدا المدربين والمسؤولين بالجامعة البرتقالية ومنتخب الطواحين، والذين يشعرون بالغبن والإستفزاز لرفض هؤلاء اللعب مع من علموهم وكوّنوهم وأخرجوهم لعالم الشهرة، بعدما توهموا سابقا أن ضمهم مبكرا للمنتخبات السنية سيضمن تواجدهم مع الكبار. اللقاء بين الأسود والطواحين فصل مشوق وصراع خفي خاص بين المنتِج والمستهلك، بين الأسود وفريستهم البقرة الحلوب، معركة كروية بخلفيات وحسابات متعددة، حافلة بالتطاحنات والندية، وحبلى بالتوابل الرياضية والإجتماعية وغيرهما. الفرصة مواتية للهولنديين للإنتقام ورد الديون العديدة للمغاربة، وإثبات أنه مهما سلبوهم من لاعبين ومواهب لن يؤثروا على ملك الكرة الشاملة ولن يتمكنوا من الوقوف بوجهه، مع التأكيد على وفرة المنتوج وتعدده، دون تفويت المناسبة لتقليم مخالب هذا الأسد العدو الذي ينهشهم. من جهته سيكون الفريق الوطني وخصوصا مغاربة هولندا تحت مجهر الضغط، إذ كل الأنظار سواء بالمغرب أو هولندا ستُسلط عليهم في موقعة بمشاعر جياشة، في وضعية صعبة تدفعهم لمهاجمة البيت والأصدقاء. شاءت الصدف أن يكون أول ظهور للثنائي الجديد ميمون ماحي وياسين أيوب ضد الطواحين التي مثلوها إلى وقت قريب مع الشباب، وجاءت الفرصة للرزين كريم الأحمدي والواعد سفيان أمرابط ليثبتا أن حب الوطن أولى ولا يقدر بثمن، مع حسرة كبيرة لتفويت زياش نزال العمر ورد الصاع للهولنديين الذين شتموه وإستهزؤوا به، وحاربوه بعد إختياره اللعب للمغرب عوض هولندا. فصل كروي إحتفالي مع غروب يوم رمضاني، وعرض برتقالي أحمر بألوان الطيف، في معرض أكادير حيث يتأهب الرسامون المغاربة للإبداع والإمتاع، ونقش لوحة فنية بريشة من صناعة هولندية.