لنا طبعا ما نحزن عليه، بل وما نندم عليه، فمباراة مثل هاته في الظروف التي لعبت فيها ما كان يجب أن يضيع الفريق الوطني كل نقاطها، ما كان يجب أن يبرز أحيانا نقاط ضعف في التركيز ليتحطم بهذا الشكل ولتضيع منه فرصة من ذهب لمصالحة نفسه وللعودة بشكل قوي إلى المسرح الإفريقي. كان رائعا أن نكتشف فريقا وطنيا في مباراة مشبعة بالضغط، فريقا يدافع عن حظوظه ضدا على كل التوقعات، فريقا يعطينا جميعا الإقتناع بأنه يولد من الرماد، وكان محزنا أن نرى من هذه المباراة الوجه الفني الذي يصيب بالتذمر ولا أقول بالإحباط لأن الفريق الوطني بالأداء الذي قدمه أعطانا مؤشرا على أنه يسلك الطريق الصحيح، فالخروج من الدور الأول من دون خسارة هو نهاية لحلم إفريقي، ولكنه بالصورة التي جاء بها يحفز على أن نستمر في العمل. كشف الفريق الوطني عن كل أوجه التغيير التي وعد بها الناخب الوطني رشيد الطوسي والتي كانت إحدى حتميات المرحلة، بل وكانت من ضرورات التدرج المنطقي في بطولة يدخلها الأسود ليبنوا حاضرهم الإفريقي، عندما قدم نفسه لمباراة مصيرية أمام جنوب إفريقيا بشكل نستطيع أن نقول عنه نموذجي. فكما توافقنا على ذلك وكما بشر به السيد رشيد الطوسي دخل الفريق الوطني بتغييرات بشرية وبمتغيرات تكتيكية تستوجبها مباراة كان لا بد وأن ندخلها لنلعبها بدون مركب نقص، فتمت إعادة الكوثري للرواق الأيسر بهدف إعطاء العمق الدفاعي قوته وتم تقديم الرائع والمقاتل عصام عدوة إلى مركز السقاء وعدنا إلى اللعب بعنصري إرتكاز بكمال شافني وتم إعتماد الشاهيري جناحا وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد هي وضع الثقة في يوسف القديوي ليشغل الرواق الأيسر في الهجوم ما أعطى للفريق الوطني زخما هجوميا ساعد على أن يكون ذا مغزى أن العناصر الوطنية دخلت المباراة من البداية مبادرة للهجوم وهو ما كافأها بشكل رائع عندما نجح الفريق الوطني في السيطرة ميدانيا على فترات كثيرة من الجولة الأولى، بل ونجح في الوصول إلى مرمى جنوب إفريقيا برأسية الشجاع عدوة، وكان بمقدورنا تسجيل هدف ثان لو أحسن شافني إستغلال الإنفراد الصريح ولكان بالإمكان أن نخرج من الجولة الأولى بهامش أمان كبير. وكان لزاما أن يتعامل الفريق الوطني بشكل لا يتيح للجنوب إفريقيين الزيادة في الضغط الذي يولد الأخطاء ويدفع إلى الإنتحار البطيء بالتراجع إلى الخلف، ومؤسف أن يكون ذلك هو ما شاهدناه، فقد آثرت العناصر الوطنية أن تعتمد التكثل والإعتماد الصريح على المرتدات التي كان بالإمكان أن تريحنا جميعا لو أن العرابي تعامل جيدا مع فرصة رائعة إلا أنه أضاع وكأننا فتحنا بذلك أبواب الجحيم. ولأننا رضينا بإبقاء المساحات مفتوحة فإن اللدغة ستكون قوية جدا، إذ سيتمكن الجنوب إفريقيون من تعديل الكفة وقد ذهبت من يد الطوسي بعض الأوراق ليطرحها على أرضية الملعب إلا من الشاب الواعد الحافيظي الذي سيدفع به بديلا للقديوي سيوقع للفريق الوطني هدفا لم يتمكن لغاية الأسف من الحفاظ عليه لأن خطأ في المراقبة سيمنح منتخب جنوب إفريقيا الحياة من جديد وقد ظن أكثرنا أنه شيع إلى مثوى الإقصاء. ولأن الرأس الأخضر فاز في مباراته الأخرى على أنغولا مفجرا مفاجأة مدوية، فإن النقطة الوحيدة التي تحصل عليها من مباراة جنوب إفريقيا لم تسعف الفريق الوطني ليكسر عادة الخروج من الدور الأولن وإن كان الأمر قد إختلف في النص والحبكة عما عداها من المرات. مؤكد أن الفريق الوطني الذي ذهب إلى جنوب إفريقيا ليولد منها بعد طول إنكسارات، يعود خائبا وله كثير مما يندم عليه. يندم على أنه علق كل آماله على مباراة جنوب إفريقيا المستضيف للدورة ويندم على أنه تعامل بنوع من السماجة مع مباراتيه أمام أنغولا والرأس الأخضر ويندم على أن التدرج الطبيعي الذي كان ولا بد أن يمر منه الأسود لم يعطه ما كان يستحق. الآن يجب أن نقوى على تحمل الصدمة، صدمة الإقصاء التراجيدي من الدور الأول، وأن نتوجه للمستقبل القريب بإعطاء هذا الفريق متسعا من الوقت لتتقوى شخصيته وليتمكن في القريب من تجاوز حالة الإنكسار المجاني التي يلازمنا منذ وقت طويل.