بنهاية الإستحقاق القاري، متمثلا في النسخة 31 لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، والذي نال منه الفريق الوطني علامة الإجادة، وهو يبلغ الدور ربع النهائي لأول مرة منذ 13 سنة، ويقدم ما يمكن القول أنها بشارات فعلية لمولد منتخب وطني يتطابق مع نفسه ويحفظ عن ظهر قلب تضاريس الكرة الإفريقية، نأتي لوضع كثير من أسئلة المستقبل القريب، والتي ستكون الإجابات عليها في صورة قرارات تتخذ بإستحضار كامل لحجم ومسببات النجاح. وطبعا في طليعة هذه الأسئلة، كيف ستتدبر الجامعة مستقبل الناخب الوطني هيرفي رونار؟ هل ستجدد الثقة فيه؟ وإن فعلت بأي أهداف أخرى سيجري تجديد هذه الثقة، وطبقا لأية رؤية سيتواصل العمل مع هيرفي رونار؟ لماذا أتينا برونار؟ لم يفاجئنا والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم توقع على وثيقة الإنفصال عن الزاكي بادو لعلل فنية وإستراتيجية ساقتها الجامعة في بلاغ عمم على المغاربة، أن يكون الخيار الأمثل للمرحلة بحسب ما قال السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة، هو الفرنسي هيرفي رونار، فقد إقترب الساحر الأبيض من الكرة المغربية منذ زمن بعيد سواء بالمباشر أو بالرمز أو بالإيحاء، وكانت مبررات اللجوء لخيار هيرفي رونار من طبيعة أخرى، غير ما جرى إشاعته ذات وقت من أن أنجح المدربين الذي مروا بعرين أسود الأطلس كانوا فرنسيين، لقد كان الداعي للإرتباط بهيرفي رونار هو النجاحات التي تشهد بها سيرته الرياضية، فهو المدرب الذي قاد منتخبي زامبيا وكوت ديفوار سنتي 2012 و2015 للفوز بكأس إفريقيا للأمم. وبمعزل عن السياق الزمني الذي جاء فيه رونار وقد كان بالفعل مثيرا للجدل من قبلنا كإعلاميين ومن قبل الرأي العام الرياضي، فإن ما راهنت عليه الجامعة من الإرتباط بالفرنسي هيرفي رونار هو أن يكسب الفريق الوطني الشخصية الإفريقية التي ضاعت منه زمنا طويلا، دخل خلاله دوامة الإقصاءات والخيبات، لقد راهنت الجامعة على معرفة رونار الدقيقة بتضاريس الكرة الإفريقية، ليخيط للأسود الجلباب الذي يليق بهم. عقد ثلاثي الأبعاد من منطلق هذه القناعة الكاملة بسلامة التوجه ومنطقية الإختيار، صاغت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عقدا ثلاثي الأبعاد مع هيرفي رونار، حددت له ثلاثة أهداف مترابطة فيما بينها، أولا التأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بالغابون، ثانيا الوصول لدور نصف نهاية المونديال الإفريقي وثالثا التأهل لنهائيات كأس العالم. وطبعا هذه الأهداف، ليس هناك من طريق للوصول إليها، سوى تمكين الفريق الوطني من نواة صلبة ومن شخصية إفريقية نافذة تجلب الهيبة ومن هوية لعب تطابق ممكناته البشرية مع متطلبات كرة القدم الإفريقية الحديثة التي يحفظها رونار عن ظهر قلب. الدخول إلى المعمعة على قاعدة بشرية كان قد أسس لها الناخب الوطني السابق الزاكي بادو، سيدخل هيرفي رونار المعمعة، وكان مطلوبا منه أن يتخلص من منتخب الرأس الأخضر أقوى من نافسه على البطاقة الإفريقية المتاحة في مجموعته، وهو ما نجح فيه هيرفي رونار بشكل فوري، عندما فاز ذهابا وإيابا على الرأس الأخضر الذي كان قد بث فينا رعبا كبيرا يوم إلتقيناه بجنوب إفريقيا خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2013 وبمشقة الأنفس إنتزعنا منه نقطة لم تغن عن الخروج من أول دور. وطبعا بالوصول لنهائيات كاس إفريقيا للأمم بالغابون، وهو ما لا يمكن القول أنه مثل إنجازا أو حتى غاية، لطالما أن المراد شيء آخر تماما، أدركنا أن العمل الجدي سيبدأ من تلك اللحظة، العمل على تجهيز الفريق الوطني للإستحقاق القاري بالغابون، والذي من أجل النجاح فيه إستقدمنا هيرفي رونار. وقبل أن يدخل الفريق الوطني الإمتحان الإفريقي بكل هواجسه وقوة إنتظاراته، كان عليه أن يبدأ الإمتحان المونديالي بلعب جولتين، أنهاهما متعادلا أمام الغابون بفرانس فيل وأمام كوت ديفوار بمراكش، ما كان يقول أن البدايات لا هي سيئة ومحبطة للغاية ولا هي باعثة على الإطمئنان أيضا. كيف سيحلق الفريق الوطني بالغابون؟ والحقيقة أن الفريق الوطني وهو يصل للإستحقاق القاري، لم يكن ليقنعنا جميعا بأنه بات مؤهلا لإحداث إنقلاب نوعي في طريقة تدبيره للمونديال الإفريقي ليتجنب المصير القاتم والمآل الكارثي في النسخ الأربع الأخيرة لنهائيات كأس إفريقيا للأمم التي أعقبت نهائيات كأس إفريقيا، لقد كانت هناك صور متناقضة ومتضاربة، صعود ونزول في الأداء وخلخلة في التشكيل البشري، ما باعد بيننا وبين منتخب مستقر على تشكيل شبه تابت، إلا أن هيرفي رونار كان في كل مرة يخرج إعلاميا ليقول أنه مطمئن لسلامة الرؤية والنهج وأنه موقن من أن الفريق الوطني سيكون في أتم الجاهزية البدنية والتكتيكية وحتى النفسية ليخوض غمار الكأس الإفريقية بشكل سيجلب له الإحترام. وإزاء هذا التفاؤل، الذي هو سمة غالبة في فكر المدربين الكبار الذين خبروا الكثير من الظروف الصعبة، زاد قلقنا وتوجسنا والمنتخب المغربي يتعرض لضربات موجعة، فقد كانت البداية بإسقاط إسم حكيم زياش من لائحة 23 أسدا لأساب تحفظ عليها رونار، وذاك حقه، تم توالت الضربات بإصابة أربعة لاعبين يشكلون جميعهم حلقات هجومية قوية، كيف لا وهم في الأصل رجال أروقة، ما كان يعني أن الفريق الوطني أكره على دخول «الكان» في غياب كامل لرجال الأروقة أو لنقل في غياب تام لأجنحة التحليق. فريق له شخصية سجن هيرفي رونار خيبة الأمل في قفص الضلوع، لقد كان موقنا أن ما أقتص منه أجنحة النور، إلا أنه كان يملك قدرة قوية على إيجاد فتحات ضوء، فتسلح بالرغبة الجامحة للاعبين، وانزوى هناك بمدينة العين الإماراتية ليهيء الوصفة على نار هادئة. رأى رونار أن أكثر الشاكلات قدرة على التغطية عن الغيابات الوازنة هي شاكلة 2 5 3 التي ما جربها من قبل إلا في مباراة مالطا الودية، وأيقن أن السلاح الذي يمكن أن يساعده على دخول المغامرة الإفريقية متحديا، هو سلاح الروح الجماعية والقوة الذهنية وتلاحم كل مكونات الفريق لتصبح الغاية في النهاية هي السيد المطلق. وعندما نضع المباريات الربع التي خاضها الفريق الوطني أمام الكونغو الديموقراطية والطوغو وكوت ديفوار ومصر فوق المشرحة الفنية والرياضية، سنخلص إلى أن رونار حقق للجامعة ما بنت عليه التعاقد معه متحملة النقد المبرح منا كإعلاميين، وحقق للمغاربة ما كانوا ينتظرونه منذ زمن بعيد، لا أن يتمكن الفريق الوطني فقط من تكسير عقدة الدور الأول، ولكن أن يحصلوا على ما يقنعهم بأن هذا الفريق الوطني أصبحت له روح وهوية وشخصية. رونار مستمر بقوة النجاحات إن الإنطباع الذي قدمه الفريق الوطني برغم الإعاقات التي إشتكى منها، ليس للمغاربة فحسب ولكن لكل المحللين والخبراء الذين تباروا في الإثناء على روحه الجماعية والإطراء على الوجه الجميل الذي برز به في المونديال الإفريقي، إلى درجة قال أحدهم أن الشيء الجميل في هذه الكأس الإفريقية أن القارة إستعادت أخيرا منتخب المغرب الذي يشهد التاريخ القديم والحديث لكرة القدم الإفريقية أنه كان دائما صاحب بصمة قوية. نخلص من كل هذا أن رونار حتى وهو لا يصل لسقف الأهداف المحدد في العقد والذي أبلعنا به كإعلاميين يوم التعاقد معه (الدور نصف النهائي لكاس إفريقيا)، فإنه ربح الرهان وحقق الجانب الفني قبل القانوني في مضمون العقد، أي أنه تمكن من تقديم الفريق الوطني للإستحقاق القاري بالصورة التي كنا نتمناها، إذا فهي مؤشرات على أن الرجل ضمانا لمواصة العمل والإستثمار في النجاح الذي تحقق، لا بد وأن يستمر على رأس الفريق الوطني، ولكن برؤية محينة وبأهداف محدثة. كيف نواصل العمل حفاظا على المكتسبات؟ إن ما يجب أن يتأسس عليه التعاقد المحين مع هيرفي رونار إستثمارا لمناخ الثقة الموجود حاليا وقد هدأت موجات الغليان ونوبات النقد الطائش، إلا ما كان من هذيانات لا يعتد بها، هو أن يتواصل العمل داخل الفريق الوطني من حيث الشكل والمضمون، ما يرتبط بالأهداف المشرعة قانونا وما يتعلق بهامش تطور الفريق الوطني ليواصل الصعود في السلم الإفريقي. وأمام هيرفي رونار قرابة سبعة أشهر ليطور هيكل الفريق الوطني بما لا يضيع عليه المكتسبات التي تحققت في «الكان» وهي كثيرة، وليزيد في متانة هوية اللعب لتكون أكثر فعالية ونجاعة بتصحيح ما ظهر في الغابون من أخطاء، قبل أن يحين موعد اللقاء بمنتخب مالي في ثالث جولات إقصائيات كأس العالم 2018، حيث سيكون خيارنا الوحيد هو الفوز لإحياء الأمل بالمنافسة على البطاقة المونديالية الوحيدة.