يقال إن الفتنة أشد من القتل، والفتنة كما نعرف تترتب عنها تصدعات ومشاكل وتداعيات قد يطول الحديث عنها، وقد تفرز مشاكل أخرى، يستعصى معها إيجاد حل آني لها· الفتنة تربك الحسابات وتشعل فتيل الإتهامات وتخلط الحابل بالنابل، الصالح والطالح، الناجح والفاشل، النقي والملوث، الأخيار والأشرار·· الفتنة التي كان مسرحا لها مركب مولاي عبد الله بالرباط وبطلها الحكم عبد الله العاشيري لم تكن في الواقع إلا تحصيل حاصل لتصدعات عرفه الجانب التحكيمي في السنوات الأخيرة·· لن نستغرب إذا ما وصل إليه التحكيم لحالة كارثية وتراجع مخيف·· فقد أصبحت الأخطاء التحكيمية جزءا لا يتجزأ من بطولتنا ومبارياتها·· أجراس الإنذار دقت قبل دورات، ونزيف الأخطاء تواصل، وكانت هناك إشارات أن النقطة التي ستفيض كأس الشرخ الذي يعيشه التحكيم قادمة لا محالة·· وما مباراة الجيش والوداد إلا صورة من الصور التي تعودنا عليها في غمرة الأخطاء التي يرتكبها قضاة الملاعب في لقاءات البطولة، لكن ما الذي جعل هذه المباراة بالذات تثير هذا النقع والدربكة وردود الفعل القوية· لم تكن المباراة عادية، ليس لأنها جمعت ناديين من السواعد الكبرى للكرة المغربية ولا لترتيبهما المتقدم، وإنما لكثرة القيل والقال الذي أثير أسبوعا قبل إنطلاق هذه القمة وتصريحات مدرب الوداد بادو الزاكي الذي تخوف من هاجس التحكيم أكثر من تخوفه من خصمه الجيش، وأن المباراة جاءت في وقت تصاعدت فيه وثيرة الإحتجاج على الحكام واتهامهم بمجاملة بعض الأندية، لكن ما أثارته هذه المباراة أكثر مما كان متوقعا خاصة على مستوى الفتور التحكيمي الذي أبداه الحكم عبد الله العاشيري أكان على مستوى الأخطاء المرتكبة والتي كان من نتائجها هدف السبق العسكري أو على مستوى الإمساك بخيوط المباراة، وقد يكون أيضا لإقتحام بادو الزاكي أرضية الملعب بعد توالي أخطاء الحكم العاشيري أمرا غير مقبول وخارج عن نص اللياقة وغير محمود، ولربما كان وقع الشعور بالظلم والضرب من تحت الحزام والإحساس أكثر من ظلم ذوي القربى وهو الذي شعر أنه بات مستهدفا، بل هو من أبدى تخوفه من التحكيم وتمنى أن يكون نزيها، لكن ما ذنب المدرب الذي يتعرض لإستفزازات كما أكد قبل المباراة من طرف الحكم؟ وما ذنب المدرب الذي شعر أن هذا الحكم إنما حضر خصيصا ليهدمه؟ وما ذنب المدرب الذي يكد ويشتغل طيلة الأسبوع بلا كلل ولا ملل ليرى في الأخير أن ما بناه طيلة أيام الأسبوع قد تكسر بقرارات تحكيمية ظالمة ومجحفة في حقه وحق فريقه· بادو الزاكي إقتحم أرضية الملعب وهو يدرك إن أخطأ في حق فريقه فلا أحد سيرحمه، لكن ما عساه سيفعل إن أخطأوا في حقه·· المتضرر في الأخير هو الذي ينتفض ويصرخ، هو من يستشعر بآلام وسياط الظلم تجلده··