في البرازيل لا تشكل كرة القدم مجرد رياضة أو لعبة أو تسلية بل تعد رافعة أساسية لتحقيق التنمية، والأكثر من ذلك أن كرة القدم بلغت في بلاد الصامبا درجات جعلتها أقرب إلى "ديانة يعتنقها الجميع". فلا عجب إذن أن تتنفس البرازيل عشق كرة القدم، رياضة يحرص الكبير والصغير على مزاولتها في الشواطئ كما في الساحات العمومية وداخل الفافيلا أو حتى على سطوح العمارات. عشق للمستديرة يتقاسمه في شوارع هذا البلد الباعة المتجولون والتلاميذ والطلبة والعمال وسائقو سيارات الأجرة وهم يرتدون قميص "السيليساو" أو قميص الفريق المفضل لديهم. لا تختلف نتائج استطلاعات الرأي بشأن الشعبية الكبيرة التي تحظى بها كرة القدم في البرازيل، لاسيما في أوساط الشباب وغيرهم، ذكورا وإناثا. المظاهرات نفسها التي عاشت على إيقاعها البلاد خلال الأشهر الأخيرة لم تكن ضد كرة القدم في حد ذاتها، بل خرج البرازيليون للاحتجاج ضد تدهور جودة الخدمات العمومية وخدمات البنية التحية، من بينها على الخصوص قطاع النقل والسكن والتربية. وفي هذا السياق، شدد الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)،جيرومفالكيه، مؤخرا في تصريحات صحافية، على أن ما "نسمعه مراراوتكرارامن كون أن البرازيليين لا يريدون كأس العالم غير صحيح ويتناقض مع ما تكشفه نتائج استطلاعات الرأي". وأضاف أن ذلك لا يتطابق مع الحقيقة التي عاينتها الفيفا خلال الزيارة الميدانية التي قام بها مسؤولوها إلى البرازيل، مشيرا في هذا السياق إلى نتائج استطلاع أجراه المعهد البريطاني "سبونسورشيب إنتيليجينس" الذي اعتبر أن 75 في المائة من المستجوبين عبروا عن تحمسهم لاستضافة البرازيل للمونديال، فيما ينتظر 57 في المائة منهم بشغف كبير، هذا العرس الكروي. وبالإضافة إلى ذلك، ففي نونبر من سنة 2008، كشفت دراسة استقصائية أجراها معهد"داتافولها"، بعد قرار الفيفا إسناد تنظيم كأس العالم لكرة القدم إلى البرازيل، أن 79 في المائة من البرازيليين عبروا عن ترحيبهم باستضافة هذه البطولة العالمية. أما بالنسبة لجونينيو بيرنامبوكانو،النجم الدولي البرازيلي السابق الذي لعب لنادي أولمبيك ليون الفرنسي، وأحرز معه سبع مرات لقب بطل فرنسا وسجل لفائدته مائة هدف، "فإن فوز البرازيليين بالمونديال أضحى ضرورة حتمية"، موضحا أنه إذا لم تتمكن السيليساو من الفوز فستعيش البلاد "كارثة وطنية". جونينيو يعتبر أن جرح "الماراكاناصو" الذي تسببت فيه الأورغواي في مونديال سنة 1950 مازال لم يندمل بعد، وهو السيناريو الذي يرفض البرازيليون إعادة تكراره، خاصة وأنهم هذه المرة أيضا هم أصحاب الأرض والجمهور. وأضاف النجم البرازيلي السابق، في تصريحات تداولتها مختلف وسائل الإعلام المحلية، أن "الجمهور والمعجبين لا يقبلون الهزيمة وعندما يخسر المنتخب فإن الصحافة تصب جام غضبها علينا..هزيمة أو هزيمتين يعجلان برحيل المدرب ..ليس هناك مجال للصبر أو الرحمة". ثم يردف بالقول الفصل: السيليساو التي توجت خمس مرات بكأس العالم "ليس لديها الحق في الهزيمة" في مونديال 2014. كما أن كرة القدم في هذا البلد الجنوب أمريكي تشكل بالنسبة للعديد من الممارسين الطريق المختصر والصحيح نحو المجد والشهرة والثروة. فليس من باب الصدفة أن يكون لاعبو كرة القدم المحترفين من أمثال نيمار ورونالدينو وريكاردو كاكا وغيرهم من بين الأغلى أجرا في البرازيل. ويحتل مهاجم فريق برشلونة الاسباني، نيماردا سيلفا سانتوس جونيور، المعروف اختصارا بنيمار، قائمة أغنياء البرازيل. وحسب المجلة الاقتصادية "بوبل ويتش ماني"، فإن نيمار يعتبر لاعب كرة القدم الذي حقق أكبر دخل سنة 2013 استنادا إلى تصنيف " اللاعبين الأعلى أجرا في العالم". ووفقا للمصدر ذاته، فإن نيمار قد يكون حصل على ما مجموعه 82 مليون أورو خلال الفترة الممتدة من أبريل 2012 إلى أبريل من سنة 2013 ، وهو ما يمثل زيادة بقيمة 50 مليون أورو مقارنة بسنة سابقة. واستنادا إلى مجلة "بوبل ويتش ماني" فإن ثروة نيمار، الشاب ذي 22 ربيعا، تقدر بنحو 245 مليون أورو. وفي تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء من الشارع البرازيلي، أجمع المستجوبون على أن السيليساو مطالبة بالفوز باللقب العالمي لتكون أول مرة في التاريخ على أرض الصامبا وأمام جمهور يعشق كرة القدم حتى النخاع. ويقول إدغار، (سائق سيارة أجرة) إن الفوز بهذه الكأس له طعم خاص لأنه حتما سينسي البرازيليين نكسة "الماراكاناصو" حينما خطفت الأوروغواي اللقب من بين أيديهم وأبكت نحو 200 ألف متفرج في ملعب ماراكانا الشهيرº لذلك فالفرحة ستكون أكبر لأن المباراة النهائية تقرر إجراؤها بريو دي جانيرو، وتحديدا بملعب ماراكانا الذي أعيد ترميمه وإصلاحه. أما لويس فيرناندو، (تاجر) فيرى أن "البرازيل تتوفر على حظوظ كبيرة للظفر باللقب، خاصة وأنها أحرزت العام الماضي كأس القارات في مباراة يصعب أن تسقط من ذاكرة البرازيليين، لأن النصر جاء فيها على حساب المنتخب الاسباني بطل العالم سنة 2010 ، والأجمل أن الفوز تحقق في قلب الماراكانا بكل الرمزية التي يحملها هذا الملعب". وبدوره يعتقد جواو عبد الله، برازيلي من أصول لبنانية، أن كرة القدم بالبرازيل تعتبر "ديانة يعتنقها الجميع"، ولعبة تستهوي جميع الشرائح الاجتماعية، كما أنها في المتناول ولا تكلف ممارستها الشيء الكثير إذ يكفي الحصول على الكرة لتبدأ الفرجة. ويتوقع جواو أن تلعب السيليساو المباراة النهاية أمام المنتخب الأرجنتيني أو الألماني. غير أن "سيكو" الذي ينحدر من جنوبالبرازيل لا ينكر أن المنتخب يتوفر اليوم على حظوظ قوية ليصبح بطل العالم من جديد، ولكنه يستدرك أن السيليساو قد تخسر الكأس وفي المباراة النهائية. كل الاستعدادات تم اتخاذها على جميع المستويات ووضعت آخر اللمسات لإنجاح عرس كروي يتطلع فيه السحرة إلى الفوز بلقب عالمي سادس من قلب الماراكانا لعل ذلك ينسي البرازيل، وإلى الأبد، شبح "الماراكاناصو"ويمنح أصدقاء نيمار حلم معانقة الكأس العالمية لأول مرة على أرض الصامبا.