لعلها من المرات القليلة جدا، التي أطال خلالها الفريق الوطني غيابه عن المشهد الكروي الدولي، فمنذ أن واجه ببوجامبورا منتخب بورندي يوم 19 نونبر من العام الماضي وفاز عليه بثلاثية نظيفة في إطار ثاني الجولات الإقصائية لكأس إفريقيا للأمم المقرر لها العام القادم بالكامرون، إنسحب الأسود تحت الإكراه من منصات النقاش ومن مسرح الأحداث، كحال كل المنتخبات العالمية التي تكومت في عرينها مع حلول جائحة كورونا، إلى أن خرجت الأوروبية منها بداية هذا الشهر لتخوض تصفيات دوري الأمم للقارة العجوز. قضى الناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش أياما طوالا في حجره الصحي بفرنسا بسبب إغلاق المجال الجوي، وما كان يصلنا منه، آهات يطلقها بسبب الإنحسار الكروي، وتلميحات عن خارطة الطريق الوعرة والمغبرة، بسبب ما تداعى في المشهد الكروي من موجات خوف اقترن بعضها باليأس مما هو آت، ولعلنا يئسنا من أي ظهور ولو ودي للفريق الوطني قبل التاريخ الموضوع بشكل حذر ومتوجس من "الكاف"، حيث سنواجه منتخب إفريقيا الوسطى ذهابا بالمغرب وإيابا ببانغوي عن الجولة الثلاثة والرابعة لتصفيات كأس أفريقيا للأمم شهر نونبر القادم. كان الخبر الذي ذكرنا بأسودنا ونحن نتابعهم فرديا في تحليقاتهم مع نواديهم، هو أن الفريق الوطني رتب بشكل رسمي لنزالين وديين سيضعانه في محكين تجريبيين قويين أمام أسود التيرانغا وفهود الكونغو الديموقراطية، هنا بالرباط شهر أكتوبر القادم في ثاني فسحة دولية تقترحها الفيفا، منذ أن أغلقت الحدود الدولية شهر مارس الماضي فتأجل تلقاء ذلك النزال الرسمي للأسود أمام منتخب إفريقيا الوسطى. وعدا التنويه بشجاعة الطاقم التقني وعلى رأسه وحيد، في اتخاذ قرار اللعب وديا للحيلولة دون مزيد من العطالة الدولية للأسود، فأنا أرى في إقرار النزالين الوديين في أقل من 4 أيام خلال شهر أكتوبر القادم، وفي نوعية المنافسين اللذين جرى انتقاؤهما، ما يؤكد أن وحيد خاليلودزيتش رفع السقف، ومر فعلا للسرعة الثانية في تنزيل منظومة اللعب وفي رسم الملامح النهائية لمجموعة ستكون خلال سنة ونصف السنة في بحث عن تأهل مزدوج لكأس إفريقيا للأمم بالكامرون وكأس العالم بقطر، مع اختلاف المقاسات وتباين الرهانين، فلطالما اشتكينا من نزالات ودية ومحكات تجريبية ترصد لها منتخبات من المستوى الرابع ولا فائدة تجنى منها، إلا ما يتسبب فيه الإرتباك وارتكاب الأخطاء من هبوط حاد لمنسوب الثقة بالنفس. طبعا عندما يقابل الأسود بعد غياب طويل عن التباري الدولي، في أقل من أربعة أيام منتخبا سينغاليا هو وصيف بطل إفريقيا وهو المتصدر للترتيب الإفريقي في تصنيف الفيفا، ومنتخبا كونغوليا هو من العيارات الثقيلة في القارة الإفريقية، فهذا معناه أن هامش المناورة أصبح كبيرا، وأن وحيد أكمل فيما يبدو رسم الملمح النهائي للفريق الوطني، ولا يرى ضيرا في مواجهة من يوصفون بعتاة الأحراش الإفريقية، وكيف يتملكه توجس وهو يحتكم على مجموعة رائعة من اللاعبين الذين يتبارون بشكل جميل على الصعود في سلم العالمية، ومنهم من بات يوصف على أنه العنوان الجديد للإبداع الكوني لإفريقيا. ويجدر بنا ونحن نتقدم باتجاه الوديتين الوازنتين واللتين نتمنى ألا تعبث بهما الجائحة، أن نتذكر أين تركنا الفريق الوطني؟ بأي حال؟ وبأي قوام؟ وبأي هيئة؟ نذكر أنه بمجيء البوسني وحيد خاليلودزيتش خلفا لهيرفي رونار، كانت هناك حاجة لتحيين الكوماندو البشري ومعه منظومة اللعب، فرحيل عدد من الدعامات البشرية بسبب التقدم في السن، فرض على وحيد أن يباشر عملا في العمق أو ما يوصف عادة بالأشغال الشاقة، أن يعيد تركيب البيت بالشكل الذي يتلاءم مع فلسفته التكتيكية، ولكن من دون المس بالهوية التي أنفق الأسود زمنا في إعادة بنائها، وكان من نتيجة هذا الورش الشاق أن الفريق الوطني في ودياته الأربع صدر عن نفسه صورة مشوشة ومقلقة بل وموغلة في الضبابية، ما يفسره التعادل الكارثي هنا بالمغرب أمام منتخب موريتانيا يوم الخامس عشر من نونبر الماضي في أولى جولات التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بالكامرون. تعادل لم يكن وحده الصدمة التي أصابتنا جميعا، ذلك أن مع إهدار الفوز وقع الفريق الوطني على أداء سيء رمى بكثير من أحجار النقد اللاذع والجارح في وجه وحيد خاليلودزيتش، قبل أن يحصل على صك البراءة المؤقتة، أربعة أيام بعد ذلك والفريق الوطني يحقق ببوجامبورا فوزا بثلاثة نظيفة على بوروندي ويعود لصدارة المجموعة، فما شاهدناه في ذلك اليوم من الأسود كان انتفاضة للكبرياء وتصحيحا لصورة مختلة ووعدا بأن القادم سيكون لا محالة أجمل.. بماذا أفادت كل هذه الأشهر التي انقضت الناخب الوطني وحيد، وهو في حجر يعيد من خلاله قراءة الحصيلة ويعيد رسم الأفق؟ هذا بالضبط ما ستدلنا عليه الوديتان أمام أسود التيرانغا وفهود الكونغو شهر أكتوبر القادم..