غيرتس يقرئكم السلام في الوقت الذي كان الرأي العام المغربي غير متفق بالمرة مع معيار- المدرب العالمي - التي جعلت غيرتس يكسب منافسيه المفترضين أو حتى الواقعيين الذين فاوضتهم الجامعة في السر كما في العلن،في مخاضها الإختياري الطويل وولادتها القيسرية التي أفرزت الفلاماني ربانا للسفينة» المخرومة» في خاتمة المطاف،كان السيدان منصف بلخياط وعلي الفاسي الفهري قد أوجدا وهيآ الدفوعات الشكلية التي تبرر الإختيار عبر منظار خاص جدا ومقاربة موضوعية لم ينتبه لها أكثرنا نباهة، وهي أن العالمية التي توهمناها في غير غيرتس من كابيلو لمارشيلو ليبي فطراباطوني ثم فينغر ذابت وأصبحت بلا قيمة أمام خصلة فريدة يتوفر عليها المدرب البلجيكي وهي جنسيته البلجيكية ومعسكر البينيلوكس الذي ينتمي له والقادر على إدخالنا كل الحدائق العجيبة لهذا المحور لنرتشف من رحيق زهورها لما لا نهاية له.. كان رادار الجامعة والمنقبون عن المحارات الثمينة والزمردات الغالية بالقارة العجوز، قد رصدوا وجوها من الجيل الثالث للمهاجرين المغاربة الذين نبتوا كالفطر هناك وهم مشروع لنجوم ستضيء الليالي الدهماء والكالحة لكل القارة ولا شك، وتم التخمين بأن حربا باردة ستندلع ولا شك بين جبهة يمثلها المغرب وجبهة يمثلها محور البينيلوكس والجارين (بلجيكاوهولندا) للإستئثار بخيرات ومعادن تحمل علامة «ماد إن موروكو» لتغيير علامة الماركة. هذا هو ما برر اختيار غيرتس ناخبا وطنيا جعل أكثر المتنطعين في الرفض يقبلون به وبالسند الذي حمله لنا، صوروا لنا غيرتس مفاوضا ديبلوماسيا من الصنف الثعلبي الذي لا يشق له غبار في الإقناع، على أنه يفوق المبعوثين الأمميين في جدلية فرض المواقف وتغيير القناعات وعلى أن الخير سيفيض علينا من كل جانب للدرجة التي سنصاب خلالها بالتضخم والإشباع والتخمة، ونضع أسودنا المهجريين في طوابير طويلة لنختار الصالح منها وبمنتهى الثقة.. بدا لي للوهلة الأولى أن الأمر محمول على غرابة وانفصام كبير لا يقبله لا العقل ولا المنطق، لم أستوعب كيف سيدخل المدرب البلجيكي في حرب مسعورة مع شياطين جلدته، كيف سيقبل على نفسه أن يحارب بلده الأصلي في جبهتهم؟ بل توجست من أن حضور غيرتس البلجيكي على رأس المنتخب المغربي سيشكل للبلجيكيين عامل استفزاز وتحريض للتصدي له وتقزيم دوره أمام كل المغاربة.. كنت واثقا وقلت لو تذكرون «لا تنتظروا ناصر والمهدي» في نافذة سابقة، ليقيني أن البلاجكة هم من الصنف «الآري» الذين لا يشهرون راية الإستسلام بسهولة وخنوع كا الذي تم توهيمنا به». واليوم ها هو شادلي كما قال لي خرجة تعامل معنا باستخفاف إن لم يكن بقلة احترام، لقد جرب حذاء المغاربة وعليه أن يجرب الحذاء الثاني للبلجيكيين ليختار الأنسب لمقاسه، وكارسيلا لست أدري إن كان سيأتي رسميا ولا أقول وديا أم لا بعد «البيضة الجديدة التي حطها في طاس» سويسرا بالطعن المشؤوم؟ غيرتس يقرئكم السلام وقد كنت سباقا لإثارة معلومة حملها لي أحدهم من هولندا وكانت صادقة وكتبتها بالبنط العريض (شادلي لم يرد على ست رسائل هاتفية للمدرب البلجيكي)، ولا مكالماته حتى اعترف بذلك بملئ شذقيه وفاه، وقالها متأثرا: «كان ينبغي عليه أن يتحلى على الأقل بالأدب معي ويرد على رسائلي». وعن المهدي قال: «لا أعرف إني في حيرة ومتاهة الأمور اختلطت علي ولا لعلم لي بموقفه الرسمي ولا كيف ستسير الأمور؟؟» هذا هو غيرتس الذي قايضناه صفة «المدرب العالمي» بصفة «الديبلوماسي»، إبتلعنا تصنيفه ضمن العشرة الكبار بريق الأمل وعبقريته التفاوضية، إلى اللحظة التي بدا فيها المسكين منقاذا لمصير لاعبين يلعبون بالبيضة والحجر ومخطئ من يأمن لمراوغاتهم، ولأن الشياطين يحتاجون وصفة خاصة لصرع همزاتهم، فإن غيرتس فوق طاقته لا يلام لأنه لم يجد الرقية الشرعية بعد لحرقهم فاستحق التعاطف لحالته.. لم يجتهد غيرتس كثيرا فقال أن وعدتكم بالشيحاني وليس الشادلي، ووضع إسم مهدي آخر هو قرناص الجديدي حتى إن لم يحضر مهدي سطاندار دوليج وجدنا مهديا ثانيا نحلم معه بالتغيير المنتظر؟