عادة ما يكثر اللغط والقيل والقال على الأشياء الفارغة أو التي لن تحدث، ووقود الشائعات أحاديث الصحف والمقاهي والشوارع، بينما الوقائع والأمور الحقيقية تُجرى في صمت وبعيدا عن الأنظار، حيث طبخ الأهداف على نيران هادئة ومخفية، حتى بلوغ لحظة التقديم والكشف أمام الملأ عن نجاح ما تم إعداده. هذا السيناريو هو ما يحدث غالبا في ميركاطو اللاعبين وصفقات الأندية، والدليل ما حدث الأسبوع الماضي مع يوسف النصيري الذي باغث الكل بمن فيهم مدربه بليغانيس خافيير أغييري، حينما أشرف على تدريبه طبيعيا في حصةٍ صباحية، ليتفاجأ في المساء بأنه وقع عقدا مع إشبيلية وسيلعب المباراة القادمة بقميص العملاق الأندلسي، تاركا صدمة وإرتباكا على مخططاته وحساباته، ومعه جمهور الفريق المدريدي الصغير الذي كان يراهن على هدافه المغربي للمساهمة في إنقاذه من مخالب الهبوط إلى الدرجة الثانية الإسبانية. النصيري لم يُكتب عنه إلا نادرا فيما يخص إمكانية مغادرة ليغانيس وفرضية الرحيل، ولم تتحدث قط أعرق الصحف الإسبانية الشهيرة بمصادرها الكبيرة ومعرفتها لكل ما يدور في الكواليس حتى في أندية الأقسام السفلى، عن مفاوضات وإتصالات مع هذا الفريق أو ذاك لصفقة محتملة صاحبها قاهر لاروخا، ولم يروج وكيل أعمال اللاعب للأكاذيب والشائعات التي ينهجها أغلب الوكلاء للرفع من القيمة التسويقية وخلق مضاربة في سوق الإنتقالات، وحينما سارت الأمور على المنوال السري الناجح والفعال، تم الإعلان عن الصفقة المدوية والمفاجئة بإنتقال يوسف إلى إشبيلية في خبر مؤكد ونهائي، بلا تمهيد ولا توطئة ولا هم يتزايدون. وفي وقت بدأ فيه إبن فاس المغامرة الجديدة المجنونة بعدما تسلق الدرج من الهواية والتكوين بأكاديمية محمد السادس إلى زعيم إسبانيا وأوروبا في ظرف 4 سنوات، ما يزال يطل علينا المبدع حكيم زياش بأخبار يومية تقربه من عشرات الأندية بالقارة العجوز، حيث يتفاوض ويدنو من التوقيع تارة، ويتأهب لإجتياز الفحص الطبي تارة أخرى، لكن لا شيء حدث ولا صفقة تمّت، ولا هو غادر هولندا رغم القيل والقال وكثرة السؤال، بينما قطع النصيري الصامت في نفس المدة وسنوات المفاوضات البيضاء والراكدة لزياش، مشوارا حقيقيا وبطوليا من سلا إلى مالقا ثم مدريد فإشبيلية. وهنا تظهر شخصية اللاعب وذكاء وكيل الأعمال وإستراتيجية تدبير المشوار، فالنجاح والصفقات المربحة تكون عادة مفاجئة وسرية وتدريجية، بينما الفشل يحالف عموما كل لاعب عنيد ومتسرع، ووكيل طماع وعاشق للهرج والبهرجة، ورغبة في حرق المراحل دون قياس للخطوات وتقدير لمحدودية الإمكانيات. أقول للنصيري ومقربيه وفريق عمله مبروك صفقة العمر وتحدي الشهرة الذي قد يحلق به قريبا إلى أكبر الأندية العالمية، وأدعو القائمين على شؤون حكيم زياش ومستقبله أن يأخذوا الدروس من إنتقال يوسف، ومعه مئات اللاعبين الذين يختارون الوجهات المناسبة في الأوقات المناسبة بهدوء وسرية وديبلوماسية، فكم من جعجعة بلا طحين، وكم من جبل تمخض فولد فأرا.