في أول خرجة إعلامية له منذ التعاقد معه مديرًا تقنيًا وطنيًا، خلفًا لناصر لارغيط، جاء الويلزي أوسيان روبيرت بما يمكن اعتباره خارطة طريق أكثر منها استراتيجية، لإعطاء كرة القدم الوطنية الهوية التي تطابقها أولًا مع محيطها القاري والتي تصلها ثانيًا بالأساسات الفنية والتكتيكية التي تقوم عليها كرة القدم الحديثة، كرة قدم المستوى العالي. بالطبع احتاج أوسيان روبيرت الذي تعتبره الجامعة قنصًا ثمينًا يمهد لفتوحات كروية كبرى بالنظر للمسار المهني للرجل في مسالك التكوين ذي المستوى العالي، احتاج إلى وقت زمني مستقطع يتعرف خلاله، على تضاريس كرة القدم الوطنية، وينجز ما يشبه تقرير الحالة لضبط مناحي النقص التي يجب الإشتغال عليها، وقد جال الرجل المغرب من شماله إلى جنوبه، ورصد بالعين المجردة ممكنات المغرب، وأظنه وقف على ما يقول أننا بغياب سياسات تقنية واضحة نكون قد مارسنا على مواهبنا الكثير من الهدر. لذلك أجد في كثير مما تضمنته خارطة الطريق، ما ينبئ بأننا سنكون أمام ثورة كبيرة في منظومة اشتغال الإدارة التقنية الوطنية، يكون الرهان الأول فيها هو وضع اللبنات الأولى لنموذج كروي مغربي متفرد في هيكلته بنيويًا وتقنيًا، يستطيع أن يستثمر في هذا الغنى الكبير على مستوى العنصر البشري. وعندما يلح روبيرت على أن الطريق التي ستمشيها كرة القدم المغربية لخلق هذا النموذج المتفرد والذي يستطيع أن يستثمر في الرأسمال البشري وأن يحقق التميز قاريًا على مستوى كافة المنتخبات الوطنية السنية، ستمتد على عشر سنوات كاملة، فإن ذلك يعني أن وضع الهياكل وتأهيل التقنيين الذين سيشتغلون على كثير من الأوراش وطنيًا وجهويا، يحتاج لفترة زمنية طويلة ويحتاج إلى حفر في العمق بهدف وضع قواعد متينة لهرم كروي لا يترنح ولا يسقط عند أول إعصار. وإذا كنت لا أقيم وزنًا لما يسقط من أحكام على أهلية أوسيان روبيرت، وعلى مدى قدرته على إنجاح ورش الإدارة التقنية الوطنية، الباحثة عن منظومة فاعلة وناجعة ومتجاوبة مع روح كرة القدم العصرية، بسبب أصوله ومنبع ثقافته الرياضية (الأنغلوساكسونية) التي تبتعد عن أصولنا الرياضية الفرنكوفونية، بسبب أن ما تطمح له الجامعة هو براغماتية وعلمية وبراعة الرجل في هندسة إدارة تقنية وطنية بالأبعاد التقنية والرياضية الحديثة، إلا أنني مقابل ذلك أشدد على أن نجاح هذا التحول الكبير الذي تراهن عليه الجامعة لمأسسة العمل التقني، يرتبط بأمرين إثنين.. أولهما أن العمل الهيكلي والقاعدي وحتى البنيوي الذي بشرنا به المدير التقني الوطني أوسيان روبيرت، يحتاج منا جميعا إلى طول نفس وإلى قدر كبير من الصبر، فلا نرهن العمل الهيكلي الضخم بنتيجة عرضية لمنتخب من منتخباتنا السنية. ثانيهما أن نمتع المدير التقني الوطني بالإستقلالية الكاملة في العمل، فلا نضيق عليه الخناق ولا نمارس عليه أي نوع من أنواع التضليل ونتركه يقيس كفاءة ما نملك من أطر، لينتقي بمنتهى الحرية من يستجيب منها للمعايير التي وضعها.. ثانيهما أن يكون لهذا الورش العملاق صدى قوي داخل العصب الجهوية وداخل الأندية الوطنية، فلا خير على الإطلاق في منظومة تقنية تشتغل على قمة الهرم التي هي المنتخبات الوطنية ولا تشتغل على قاعدة هذا الهرم. طبعا لن يكون هناك مكان في فريق عمل أسيان روبيرت إلا لمن يملكون الأهلية والكفاءة لتنزيل المشروع التقني الهادف كما قلت لخلق النموذج الكروي المغربي الجديد، فما حدث على عهد ناصر لاركيط، سواء بإرادته أو بغير إرادته، في اعتماد الكفاءات التقنية المشتغلة داخل الإدارة التقنية الوطنية، من تجاوزات عطلت العمل وشوهت الصورة، لا يمكن أبدا أن يحدث مع أسيان روبيرت، لذلك ستكون الجامعة ملزمة بأن تقف على مسافة من المدير التقني بحيث يتحمل لوحده مسؤولية اختياراته، وفي الوقت ذاته ستكون الجامعة ملزمة أيضا، بحماية المدير التقني من كل ما قد يصيبه من وسطنا الكروي الذي لا يخلو من فساد ومن مفسدين، من صور باعثة على اليأس. إن من أولويات المدير التقني الجديد بعد إرساء الهيكل التنظيمي للإدارة التقنية، مباشرة تكوينات بمضامين حديثة، تحدد بدقة المسالك التي يجب أن يمر منها الأطر المتدربون كل حسب مقدراته إلى أن يصل الأكفاء منهم للمستويات العالية، وتخضع المعايير المعمول بها لانتقاء الأطر المتدربة لكثير من الدقة حتى لا تسقط في الإخوانيات، وتبدع نمطا متطورا لتكوين اللاعبين، يجري تعميمه على العصب الجهوية وعلى النوادي. إنه بالفعل ورش كبير يرتبط بقطاع حيوي عليه يتوقف المستقبل القريب لكرة القدم الوطنية، فلا خير يرجى من كرة قدم تحتكم على ملاعب من كافة المقاسات وعلى أنظمة جد متطورة وعلى قدرة كبيرة للإنفاق المالي، وليس لها مشروع تقني يوحدها ويكسبها هوية ويدفعها لأن تبدع نموذجها الكروي المتفرد.