نصير مزراوي.. هذا الشاب الخجول الذي تفجرت مواهبه بشكل مفاجئ في هولندا، كان ينوي ترك أجاكس بعد تجربة موسم واحد، فقد أخبره نادي أمستردام أنه لم يظهر بمستوى أداء جيد، وأنه سيحظى بفرصة جديدة خلال موسم إضافي، وعليه أن يستغل الفرصة أو يغادر!! كانت كلمات أجاكس مثل الحطب الذي أشعل لهيب الحماس في داخله، فقرر الانتقام لنفسه، وتفجرت مواهبه بشكل أدهش كل الهولنديين.. قصة نصير مع الكفاح من أجل تحقيق النجاح تستحق أن تروى بالكلمة والصورة. الخجول المتوهج تفتخر منطقة «هيت غروين هارت» الهولندية بنصير مزراوي الذي أنهى موسمه مع نادي أجاكس بطلا للدوري الهولندي الممتاز، وفائزا بكأس هولندا، إضافة لبلوغه نصف نهائي عصبة الأبطال الأوروبية بعد غياب طويل لأجاكس عن المربع الذهبي. نصير مزراوي البالغ من العمر 21 سنة بدأ مغامرته مع صغار فريق مغمور يهتم بالمواهب الصغيرة التي تقيس أولى خطواتها في عالم كرة القدم، ويدعى «أ.ف.ف ألفين» والذي يشعر مدربوه حاليا بكثير من الإعجاب والدهشة والفخر لكون مزراوي كان السبب في تسليط الضوء على ناديهم الذي بات محط أنظار الجميع في هولندا.. إذ كيف يستطيع هذا الفريق الصغير والمغمور أن يكون محطة انطلاق لاعب خجول، توهج سريعا وأصبح واحدا من الركائز الأساسية في فريق عملاق يدعى أجاكس. «أد دي يونغ» واحد من مدربي «أ.ف.ف ألفين» كان يدرب أيضا ابنه يان في هذا الفريق، ويقول عن ابنه: «عندما رأيت ولدي كيف كان يضرب الكرة مع صديق له (نصير مزراوي) وهما مجرد طفلين، اقتنعت سريعا أنه يمتلك الموهبة، وأن باستطاعته أن يصبح لاعب كرة القدم، لذلك تنازلت من كوني والده وتقمصت دور المكتشف للاعب موهوب يتحسس لموكله الطريق الصحيح لدخول عالم الكرة». كان نصير مزراوي صديق الطفل يان الذي يتدرب تحت إمرة والده المدعو دي يونغ، وكان هذا الأخير المسؤول عن تكوين اللاعبين في عمر 4 و5 سنوات، ويعترف دي يونغ أن فريقه كان يضم 7 لاعبين موهوبين ومميزين من بينهم ابنه يان ونصير مزراوي. يقول المدرب دي يونغ إن الفريق الذي كان يدربه عام 2003، كان يثير الدهشة فعلا، بالنظر إلى المستوى الذي كان يقدمه لاعبوه وخصوصا الإبن يان ونصير مزراوي، لذلك انتقل أغلب لاعبي هذا الفريق في منتصف العام من التصنيف في الفئة الثالثة إلى الفئة الأولى. وفي العام الموالي، أي 2004 أصبح مزراوي يثير الاهتمام أكثر بعدما تطور مستواه بشكل مدهش، وبات محط أنظار الجميع. تحت الأنظار بعد سنتين أصبح مزراوي واحدا من الركائز الأساسية في الفريق الجار للاعبين الصغار الذي انتقل إليه ويدعى «ألفونس بويز»، أصبح مزراوي في ال8 من العمر، وبات تحت أنظار فريق أكثر ملاءمة من حيث الإهتمام الكبير بالفئات الصغرى من اللاعبين، إذ يهيئهم ويكونهم على أحسن طريقة، لذلك غالبا ما تخرجت مواهب كبيرة من هذا النادي الصغير المدعو «ألفونس بويز» والتي أصبحت نجوما فيما بعد ضمن فريق فاينورد. المنسق التقني بول باهلمان الذي قضى في منصبه ما يزيد عن ربع قون، يتحدث بشكل جيد عن مزراوي اللاعب الطفل، وعن المؤهلات التي كان يباهي بها هذا الأخير أقرانه، لكن مزراوي يصعب أن يتذكره حاليا. ويقول باهلمان إنه فخور جدا بحصوله على قميص مزراوي والإحتفاظ به كأجمل ذكرى يمكن أن يستعيد بها شريط البداية لنجم خطى خطواته الأولى تحت قيادته. كما أن باهلمان ما زال يحتفظ بتشكيلة الفريق الرائع لموسم 2005\2006 والتي كان مزراوي لاعبا أساسيا فيها وكان يقودها المدرب ميكائيل فاغنر. فاغنر يتذكر البداية الرائعة لمزراوي خلال بداية مشواره ويقول: «نصير كان يلعب بشكل رائع جدا، كان لاعب حقيقيا يصلح لأي فريق، ويتميز بتبصره الكبير، لم تكن تهم قامته، لا أحد كان يستطيع الحد من فاعليته.. إنه أيضا اجتماعي ومتواضع.. بعد عام التحق بأجاكس مع لاعب آخر من الفئة الأولى ويدعى نايك ليم.. بعد ذلك اختفيا معا.. لكن في العام الماضي ظهر مزراوي في فريق أجاكس، إنما خلال هذا العام فرض نفسه بشكل لافت». ويضيف فاغنر وهو يظهر بعض الصور لمزراوي مع فريقه السابق «ألفونس بويز» قائلا: «انظروا إلى نصير، كان الأصغر بين أقرانه، قارنوه بما أصبح عليه حاليا، إنه مازال يتصرف بشكل عفوي، ويحب كثيرا أن يمازح أصدقاءه.. إنه دائما على نفس الأخلاق وعلى نفس التواضع». نايك ليم ويصغر مزراوي بعام واحد يلعب حاليا لفريق يونغ أولتريخت، كان صديق نصير في المدرسة الإبتدائية يتحدث بدوره عن الدولي المغربي قائلا: «لعبنا الكرة معا في الصغر خلال العطل المدرسية، كما لعبنا لنفس الفريق «ألفونس بويز» كنا دائما نعود معا إلى بيته، كان أبواه يرحبان بي باستمرار، إنه ابن أسرة يغلب عليها التواضع والترحيب، لذلك كنت دائما أمكث مع نصير لتناول الغذاء أو العشاء. نصير مازال على نفس الحال حاليا إنه لطيف واجتماعي». صدمة أجاكس في عام 2006 أخد مصطفى مزراوي ابنه نصير للمشاركة فيما يشبه اختبارا للمواهب الناشئة في فريق أجاكس. نصير قدم ما لديه وحصل على دعوة للمشاركة مع فريق الفئة الثالثة في أجاكس، صديقه في «ألفونس بويز» نايك ليم شارك في الاختبار أيضا ونجح بدوره، لكن مع اختلاف في المراكز حيث حُدد لكل لاعب أن يلعب في مركز مغاير للمركز الذي كان يلعب فيه سابقا. فبعدما كان نصير ونايك يلعبان معا في الخط الهجومي، أصبح نايك يشغل مركز المدافع المتأخر، في حين أصبح نصير يلعب مرة كظهير أيمن ومرة لاعب وسط جهة اليمين. لقد كان حلما كبيرا تحقق بالنسبة للاعبين أن ينضما للفريق الشهير أجاكس أمستردام، لكنهما اصطدما بواقع مرير مفاده أن كرة القدم صعبة للغاية وليست أبدا بالسهولة التي كانت تبدو عليها.. فاقتنع مزراوي أن أمامه شيئا واحدا لا مفر منه وهو أنه من لا يستطيع أن يقاتل لينجح عليه أن يغادر على الفوز. ولم يكن مزراوي في بداية مشواره مع أجاكس ضمن المميزين، صديقه نايك ليم، لم يظهر بدوره بالشكل المأمول فيه فغادر أجاكس عام 2014، والتحق بفريق ف.سي أولتريخت. في نهاية عام 2016 تلقى مزراوي صدمة قوية عندما أخبرته إدارة أجاكس بأن مستواه ليس على ما يرام، وأنه سيحصل على فرصة أخرى فقدمت له عقدا لموسم إضافي، لكن عليه أن يعالج الأمور كما يجب ويُظهر تحسنا ملحوظا في مستوى أدائه، أو على الأقل الرغبة في التحسن أو عليه أن يغادر. فأجاكس لا يقبل سوى المتفوقين والمميزين. كانت كلمات إداريي أجاكس كجرس الإنذار الذي ظل يرن في أذن نصير في كل وقت وحين، وكان يدرك أنه لن يزول أبدا ما لم يتحسن مستواه ويقدم الأفضل، يقول نصير وهو يتذكر هذه الصدمة: «كان الأمر صعبا للغاية، كنت أدرو حولي في غرفة تبديل الملابس وأتساءل لماذا لا أكون في نفس مستوى زملائي، صحيح أن أغلبهم مر بفترات عصيبة من أجل أن يثبت نفسه، لكن كان علي أيضا أن أبذل المزيد من الجهد لأصل إلى المستوى الذي يرضي أجاكس».