سمته الصحافة الاجنبية بمورينو قرطاج عندما قرأ الخصم الجنوب إفريقي صنداونز وقلب له كل المعادلات ليعود بتأهل تاريخي مع الوداد ويصل إلى النهائي الحلم، ولكن أصل التسمية هي مورينيو الوداد لأنه يدرب بأرضه الثانية بعد تونس، صحيح أن المعني هو فوزي البنزرتي الذي شكل الاستثناء بقراءاته الفنية والتكتيكية والصارمة لإلغاء ما يسمى بالفوارق النفسية بين كل نتيجة مسجلة، صحيح أن فوز الوداد بالمغرب لم يكن محفوظا بالمعنويات الكبيرة والارتياح الشامل على مستوى القناعة الكاملة للعب بالإطمئنان العالي، ولكنه شكل امتحانا فوق كل العقول التي تخوف منها كثير من المراقبين على أنها نتيجة مفخخة ولا يمكن للوداد أن يصنع المعجزة في ظل الظروف العسيرة التي رحل من أجلها إلى بريطوريا، إلا أن الواقع كان مخالفا تماما لرجل خبير بمحطات العصيان وقراءة المجهول وتحفيز من لا حافز له بالذهنية الاحترافية المفروض أن تكون علامة بارزة وعنوانا في مثل هذه المباريات التي تخلق الرجفة، والبنزرتي قرأ مضامين قوة صنداونز بشكله الهلامي في الثنائيات والجماعية المطلقة والمواقع التي يخلق منها الرهبة على الاطراف وعلى مستوى الوسط الهجومي الصانع الذي يحول الهجمة إلى رعب خطير، وكل هذه القراءات الجلية للخصم وضعها البنزرتي، برغم الإصابات التي عانى منها، صورة مطلقة للطريقة المفترض أن يكون فيها مجال التخطيط حاضرا في الرقعة وتقارب الخطوط ونزول الأطراف المهاجمة لمؤازرة كل من نوصير وعملود من طرف الحداد وبديع أووك كطرف في معادلة المؤازرة الفعلية. والبنزرتي عندما قرأ الخصم جيدا في موطنه، كان يرى في الوداد بعناصره المتمرسة تلك الشمعة التي ستضيء له الطريق للوصول إلى النهائي في أصعب المواقف الحاسمة والقريبة الخطى نحو نهائي الأحلام، ونجح بالفعل في إيصال المعلومة الخطية في الإختيار الكبير للعناصر المؤهلة للصراع، واختيار الطريقة التي يعبر منها الخصم دفاعيا ومضادا مع أن الوداد كان قريبا من قتل أحلام الخصم في مواقف كنا أحوج إليها لإقتلاع كل المخاوف من طرف بابا توندي خصوصا، وثالثا تلك النبرة النفسية المعتادة التي يتعامل معها أكثر المدربين بتخليق العامل الذهني قبل وأثناء ومشارف نهاية المباراة، وهو العامل الذي نجح فيه البنزرتي في تقويم هذه الأشياء. واليوم، يكون مورينيو الوداد موضوعا في حلقة أخرى ستكون أمامه إعجازا تاريخيا لمساره التقني عندما ينازل أبناء عشيرته التوانسة في نهائي مرفوض فيه أن يكون الوداد ضحية ثانية أمام ذات الترجي الذي حمل كأس 2011 على حساب الوداد عندما تعادل بالدار البيضاء وفاز بتونس في الاياب، وهذه العلامة هي التي تؤسس للوداد تلك الصيحة الثأرية أولا من تدبير النهائي كمباراة محمولة على الأعصاب بين كرة مغاربية طقوسها معروفة في الندية، وثانيا مع مدرب تونسي سيواجه مرآته الأصلية بمعطف مغربي وهو من ستكون له العصا السحرية لوضع الترجي في معترك الإستسلام ذهابا وإيابا. ومن غريب الصدف أن الترجي التونسي يوجد اليوم في أقوى حالاته كبطل النسخة السابقة ويعود مجددا للدفاع عن لقبه تحت إمرة مدربه معين الشعباني الذين في موسم 2017 مساعداً لفوزي البنززتي في تدريب الترجي، وبعد رحيل فوزي تولى معين المهمة مؤقتا قبل أن يصبح اليوم من قادة فريقه وكحامل للقب الماضي، وسيواجه البنزرتي الأستاذ في النهائي تلميذه في مفارقة غريبة ولكنها فريدة من نوعها بحكم أن الترجي انتزع التأهل التاريخي بنفس وصفة البنزرتي من قلب مازيمبي الكونغولي، لذلك نحن أمام وصفتين مغريتين في التعامل مع النهائي على أنه تونسي بتعبئة مضاعفة لمدربين ينازلان بعضهما في نهائي واحد، وبين فريقين مغاربيين يشكلان روح القارة السمراء لكن بموازنة ثأرية للوداد. وعندما يتحدث عن معين الشعباني الذي شكل الإستثناء كمدرب فاز باللقب الماضي، ويعود لنفس الحلم في نهائي لم يصدقه التونسيون اليوم وهو الذي أزاح الأهلي المصري كقوة ضاربة في المعترك الإفريقي العام الماضي، يتحدث أيضا عن منتقدين للرجل كونه يغرف في اللعب الدفاعي مثلما فعل في مباراة الذهاب امام مازيمبي كما جاء ذلك في سياق مقال صحيفة الشروق التونسية ليوم السبت عندما جا في الكلام « ومِثل هذه الخطّة المُتوازنة تتطلّب أداءً بُطوليا من اللاعبين دفاعا وهُجوما وتحتاج أيضا إلى ذهاء عَال من الإطار الفني بقيادة الشعباني العَارف حتما بأنه أمام حتمية الخروج من «لوبُومباشي» بورقة الترشّح للمُحافظة على منصبه وإسكات المُنتقدين الذين هَاجموه في التلفزات والإذاعات بتُهمة المُبالغة في لعب الدفاع أثناء مباراة الذهاب. وقد كان الإعتماد على الثلاثي كُوليبالي وكوم والشعلالي في خطّ الوسط أبرز النِقاط الخِلافية في التحاليل الفنية التي تلت مُواجهة رادس، وليس مُهمّا أن يتفوّق الشعباني على المُنتقدين والطّامعين في إزاحته عبر «الفَايس بوك» والبرامج «المَشبوهة» والأهمّ أن ينتصر الترجي ويَخرج من «لوبومباشي» برأس مرفوع لا خَائبا أومقهورا كما حصل ذات يوم «أسود» من عام 2010 عندما تلقّت الجمعية هزيمة قَاسية بفعل الخَيارات الخاطئة للبنزرتي والجَريمة التحكيمية لسيء الذّكر كُوكو جَاوبي». وعلى هذا الأساس ستكون قمة النهائي محكومة بمجموعة من الدلالات الرائعة بين مدربين من نفس البلد، وبمقارنات سنية متطابقة في الألقاب بين الشعباني والبنزرتي، لكن يحكمها بكل تأكيد وداد القوة والأمة بعقل الخبرة.