كيف ينتصر غيرتس؟ إنتصار الوطنية، أو إنتصار الروح ليس معناه أن تضع يدك على قلبك وتستمع للنشيد الوطني أيا كان مسؤولا أو لاعبا أو مدربا داخل الرقعة، بل هي قتال واضح برغبة الفوز وقوة الإندفاع والتعبئة المضاعفة لقلب يخفق في أقوى حدوده مثلما هو حاضر لدى المنتخب الإسباني أو المنتخبات التي تقدمت كثيرا بصناعة روح الأجيال كغانا والأوروغواي وألمانيا الدائمة السطو على الأحداث العالمية، وهولندا الطاحونة التي قدمت جيلا مصارعا بعد غياب دام 32 عاما من نهائي كأس العالم. وانتصار الوطنية هي أن تقدم بلدك بقميصه وشعاره الملبوس بإيمان التمثيل الشريف والحارق بأقوى تعبئة روحية لا بغدر الحضور.. هي أن تموت واقفا داخل مباراة ما بجنون موصوف بالقتالية المضاعفة لا بالتهاون والتخاذل.. هي أن تعرف وتبلل قميصا بعراك تكتيكي قابل للفوز لا بالهزيمة النفسية والرقمية والمعنوية كما حصل لأسود الأطلس في عهد الإقصاء المرير لتصفيات كأسي العالم وإفريقيا. ما هو جديد هو أن المدرب البلجيكي إريك غيرتس جالس نفسه منذ أشهر وهو يعرف مسبقا أنه مدرب منتخب المغرب، وتأكد من أن مرارة الإقصاء في مباريات شاهدها بالدقة اللازمة في عهد لومير وعهد التركيبة الرباعية هي المشكلة، كما تأكد في الإتجاه المعاكس أن التيارات المضادة بالمنتخب المغربي أفسدت الأحلام، وكسرت حلم بلد، وهي التي يجب أن يبعد بعضها من العرين بانتقاء جيل جديد.. وغيرتس الذي يعتبر في منظورنا الحاضر كتابيا في العقد، وغائب شفاهيا من دون تصريح ولا مساءلة ولا مجالسة لمعرفة نوايا الرجل ما إذا كان فعلا قد حرر تقريرا خاصا لنجوم المنتخب في كل اللقاءات الودية والرسمية، وماذا شاب أصلا في هزائم المغرب أمام الغابون ذهابا وإيابا والكامرون وهلم جرا.. ولا أعتقد أن الرجل وإن كان منشغلا مع الهلال السعودي، وإن كان بعيدا عن المغرب، لا يهتم بمشواره الجديد مع بلد له سمعته ومنتخبه ونجومه على اعتبار أنه يدخل أول مرحلة تاريخية في حياته كمدرب للمنتخبات وليس كمدرب ألف تدريب وحيازة الألقاب مع الأندية.. وقد سقت هذا الكلام لأن غيرتس من الواجب عليه أن يتدبر منتخب المغرب حتى ولو كان بالهلال السعودي في سابقة تعتبر فريدة من نوعها على صعيد الجامعة المتعاقدة مع مدرب مشغول وغير حاضر أمام المغاربة، ومن الواجب عليه أن يقرأ من هي الصحافة القوية بالبلاد، ومن هي المنتقدة والمتفهمة، وما هي شوائب المنتخب في قالبه الروحي والمعنوي واللغوي والحضوري، وما هي نقط ضعفه في كل الخطوط إلى غير ذلك من أشكال القراءات المتعددة للمجموعة قبل قراءة الخصوم. وبِيَد غيرتس رقم هائل من المحترفين وعدد قليل من المحليين، كما بيَد الرجل بصمته الكاريزمية والمحبة لدى أكثرية المحترفين المغاربة الذين يرون فيه رجل المرحلة بامتياز كبير من أمثال الشماخ وبوصوفة ودرار وتاعرابت والحمداوي وخرجة وغيرهم حتى من الذين أضحوا الآن على مشارف حمل القميص المغربي.. وهذا الشعور بالإعتراف المسبق لكفاءة الرجل لدى اللاعبين قد يجمع كل الفيالق برؤى موحدة لصناعة جيل متكامل مثلما لم يستطع أي كان بعد الزاكي توحيد الصف وقتل التكتلات، وتسييج المحيط بأسلاك كهربائية، كما هو شعور قوي لابد أن يساءل عنه الرجل لقراءة مسؤولية الوطنية التي يأتي من أجلها المحترفون بمضاعفة المجهود لا بالخوف على الأرجل ومن الإصابات، وهو يعرف ذلك جيدا لأن أمور تدريب المنتخب الوطني تختلف كثيرا عن تدريب النادي الموجود معه يوميا وأسبوعيا وشهريا إلى آخر الموسم، والمنتخب الوطني له معسكرات مرحلية وتجمع قصير المدى، وانسجام سريع قد يكون ناجما في حالة نظافة عقل المجموعة وإرادتها في صناعة التاريخ كما هو حاصل اليوم مع الأوروغواي وإسبانيا وهولندا كمنتخبات قاومت الزمن لتصل أقوى حالات الشعور بالعمل الناجح. بيَد غيرتس أكثر من قراءة لإيجاد صرامة ورجال الدفاع الغائبين كخط متآكل ومأكول بسهولة، وبيَده قطع غيار يجتهد في تخليقها إن هو أراد امتلاك خط وسط قاتل وبنائي بذات صورة الإسبان، كما لديه عيارات هجومية يحلم بها أي مدرب (الشماخ، بوصوفة، الحمداوي، يوسف العربي وآخرون) لتمتيع المنتخب بالقدرة الهائلة من اللاعبين حتى في كرسي الإحتياط.. وإلى هنا ستكون لدى غيرتس محمية لاعبين وعليه أن يصرفها بالعقل في انتظار جديد المرحلة.