اعتاد المسلمون الأولون أن يقيموا الحفلات للتذكير والعبرة، وألف فريق من العلماء مؤلفات عديدة في وصف ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيه من الإرهاصات والمعجزات الباهرة والذكريات الخالدة. كما ألف فريق آخر عدة مؤلفات في خلقه الكريم، وما اتصف به صلوات الله عليه من أبدع الصفات وأشرفها. ومعرفين أمته بأهم أوصافه الكريمة وأخلاقه النبيلة وصفاته الحسنة ونعوته وسلوكه القويم، كما تهيأ فريق أخر من خيرة المومنين الصادقين لنضم الشعر وتنسيق القوافي في وصف هذا الرسول المحبوب، ولادة وتربية وخلقا وخلقا؛ أوصافه عليه السلام فلقد كان عليه السلام ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، له نور يعلوه يمشي هونا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يمشي وراء أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام، متواصل الفكر طويل السكوت، جل ضحكه التبسم، أحسن الناس منظرا وأجودهم وأسناهم نفسا، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه. وكان صلوات الله عليه يقود الجيوش في الغزوات، ويخوض المعارك، ويحرض على القتال في سبيل الرسالة التي حملها وأُمر بها، لم يعرف عنه نكوص في معركة ولا فرار في موقعة.. ففي معركة أُحد حين انهزم المسلمون كان الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت الجنان يتلقى سهام الأعداء وهو واقف يقاتل ويناضل، وفي معركة حنين إذ فر عنه أكثر الناس وقف على بغلته وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه "كنا إذا احمرت الحدق، وحمي الوطيس نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه صلوات الله عليه وسلم". ولقد ربى صحابته صلى الله عليه وسلم على الوفاء والأمانة والحياء والإخلاص والصدق والعفاف فكانوا قادة الأمة الإسلامية في السياسة والبطولة والعبادة والزهد والعدل والتسامح والتضحية والفداء، فهو نبي الرحمة والمثل الأعلى فيها يضرب القدوة من نفسه في ميادين الجهاد والإقدام والفداء فمواقفه كلها مواقف الشرف، وكلها دروس عملية للمجاهد في الله حق جهاده وللمتوكل على الله في سره ونجواه. أقواله عليه السلام أقواله العظيمة كلها إرشاد واهتداء، يقول عليه الصلاة والسلام "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". ويقول: "أربع من كن فيه حرمه الله على النار وعصمه من الشيطان، من ملك نفسه حين يرغب وحين يشتهي وحين يغضب، وأربع من كن فيه نشر الله عليه رحمته وأدخله جنته: من آوى مسكينا ورحم ضعيفا ورفق بمملوك وأنفق على الوالدين. ويقول: أدبوا أبنائكم على ثلاثة خصال، حب نبيكم وحب آل بيته، وتلاوة القرآن". الهدف من الاحتفال بالمولد إن الهدف الأسمى هو إقامة احتفالات المولد الشريف هو التزود بزاد اليقين، وتجديد التمسك بالهداية الإسلامية في سائر الميادين، وأننا عندما نتعرف بمولده الشريف ونشأته وتربيته وفتوته ثم تجارته وزواجه بخديجة أم المؤمنين وأم أولاده، ثم بلوغه سن الأربعين وشروعه في التحنث بغار حراء ثم نزول الوحي عليه أول مرة.. فالشروع في الدعوة سرا ثم جهرا بخطوات متتابعة، ثم هجرته للمدينة المنورة ثم الغزوات ثم لقاءه بربه، ونزيد في التعرف بالذكرى فنذكر الخلفاء الراشدين ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. يجب علينا ونحن في جلال ذكرى المولد الشريف أن نذكر بقعة طاهرة دنسها اللئام هي أولى القبلتين وثالث الحرمين القدس الشريف الذي كان للخليفة الثاني عمر بن الخطاب شرف فتحه والذي نتحمل نحن مسؤولية التفريط فيه ومسؤولية قلة الاهتمام بفك أسره من يد الأجرام والكفر والزندقة بتطهيره من دنس الصهاينة اللئام، والرجوع به إلى منزلته العظمى برفع كلمة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ محمد رسول الله على مئذنته وتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتنشر من فوق منبره ومن رحابه وجدرانه. كما يجب علينا أن نذكر إخوتنا الفلسطينيين المجاهدين الذين يقاسون العنت الكبير من الصهاينة المحتلين، هذه البلاد المحتلة وفي ضمنها بيت المقدس فرض عين على كل مسلم أن يضحي في سبيل نصرتها وإنقاذها، فقد شرد سكانها بالقتل والسلب وطغى العدو بها وتجبر. لكن الله سبحانه أرد بالأمة الإسلامية خيرا، فتحركت نفوس مؤمنة، وتوفقت للتنظيم أول مؤتمر لملوك المسلمين ورؤسائهم وكان للمغرب وملكه المبجل شرف هذه المنقبة التي تعد خطوة أولى ثلتها خطوات أخرى فأسست لجنة القدس وأسندت رئاستها لجلالة الملك الحسن الثاني هدفها استرداد المدينة السليبة، وباقي الأرض العربية وأن الله سبحانه وتعالى سيتم نصره لعباده المومنين وتنفرج كربة الإسلام والمسلمين. جريدة ميثاق الرابطة، العدد 342، 10 ربيع الأول، 1401ه / الموافق 18يناير 1981م، السنة السابعة عشر.