إن الإسلام وهو يدعو إلى الاستقامة كسائر الأديان السماوية، يعتمد في إصلاحه العام على تهذيب النفس الإنسانية قبل كل شيء، واعتبار النفس الصالحة هي البرنامج المفضل لكل إصلاح تنشده الأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية لأطفالها وشبابها، والاستقامة هي الضمان الخالد لكل تقدم حضاري واجتماعي والكل يتساءل ماذا تريد الأسرة؟ وماذا نريد منها؟ نريد للأسرة المسلمة أن تأخّذ من كل عهد أحسن ما فيه، حتى تزرع روح الاستقامة في أبنائها وبناتها الشباب، وإصلاحهم حتى يقوموا بالدور المنشود منهم، ليشبوا بسلوك من تبع نوره صار في طريق مستقيم، يكشف عن معادن الرجال لتظهر العناصر الإيمانية النفيسة، التي تجسد المسؤولية الاجتماعية المستقيمة، لإصلاح ما هو فاسد، يعطي الحق ويأخذ الحق؛ ولأن الإنسان في هذا الكون لا يستطيع أن يعيش وحده منعزلا عن بقية الناس. وسُنة الحياة تقتضي من كل أسرة إذا أرادت لهذا الشباب أن يستقيم أن لا تطغى عليها ظاهرة إغلاق نافذة التواصل بين الناس، لذلك فأنا أدعو إخواني الفضلاء وأخواتي الفضليات، من على هذا المنبر أن يفكروا في أمر الاستقامة بمواقف صحيحة، وفي ضوء نور العقل الذي هو أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، وفي ضوء مصلحة الشباب والمجتمع كله مع رحلة العمر ليكون العطاء متدفقا في خدمة قضايا الدين والأمة قمة معاصرة وقيمة، يمثل الاستقامة بمثال كالغيث الذي قال فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره" [رواه أصحاب السنن]، على يديه تتفتح زهور كثيرة وتتوهج أقمار تشع نورا وضياء في الأجواء، يُقتدى به في العمل والسلوك، يدعم الانتماء والإخلاص والبذل والتضحية، فريد في أدائه وأخلاقياته، يعطي الأمل الكبير لكل مخلص في عمله كنسمة تسري في المكان وعبر الزمان، ليكون هو ذلك الكل المتكامل يتخذ من شرع الله أساسا ومنطلقا يحقق رسالة السماء بتطبيق العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، استقامة تعمل على تقريب الرؤى وتوحيد مناهج العمل وتوطيد جسور التعاون بين جميع أبناء آدم، وبتوجيهات تهدي أعمال الشباب وتحميها من الاستلاب والانغلاق معا، تقوم على التلاحم على مبدأي الأصالة والمعاصرة، والانفتاح على مستجدات العصر من جهة أخرى، لكي لا تنقطع صلة هذه الأجيال بماضيها، وفي الوقت نفسه لا تتقاعس عن مواكبة زمانها. وعلى الأسر أن لا تتجاهل التأثير المتبادل بين النشاط الروحي والنشاط المادي في الحياة، فالروحي يمد المجتمع بأسباب اليقين النفسي ودوافع الاطمئنان الروحي، والمادي يمد المجتمع بوسائل التحكم في الطبيعة وتذليلها لإرادة الإنسان ومشيئته، والاستقامة تجعل الإنسان مقسطا لا يخاف لومة لائم، ولا يرهب خصما لقوته، ولا يستضعف ضعيفا طالما الحق معه، والإنسان بدون استقامة شكلا بلا مضمون، وجسما بلا روح، فما أحوج شبابنا اليوم في هذا الظلام الذي يعيشه أبناء الإسلام وبناته، وسط التيارات الهدامة والمذاهب الإلحادية، إلى الاستقامة التي تستمد ضياءها من القرآن الكريم والسنة النبوية وتاريخ السلف الصالح، قصد التذكير والاعتبار حتى تنفتح العقول لكشف أغوار الأعمال ومراجعة الحساب، وإلا ما كان هناك تغير ولا تطور ولا تقدم، ولا يخفى أن بعض شبابنا يتعرضون لهجمات عنيفة من جهات شتى وعلى مستويات مختلفة، وبشكل مرعب كانتشار العنف وطغيان الجريمة، ومن إباحية تكاد لا تعرف حدودا، فيقبل على هذه الأعراض على أنها عصرية لا على أنها أمراض، والبعض منهم لا يدركون أن هذه أعراض لأمراض. والنفس الكريمة من الإنسان المستقيم ترقع الفتوق في الأحوال المختلفة، ويشرق النبل من داخلها فتحسن التصرف والمسير وسط الأنواء والزوابع والأعاصير، وأما النفس المختلة من الإنسان السفيه تثير الفوضى في أحكم النظم، وتستطيع النفاذ منه إلى أغراضها الدنيئة، وإليكم هذا المثال حول الاستقامة والفساد؛ فالقاضي النزيه يكمل بعدله نقص القانون الذي يحكم به، أما القاضي الجائر فهو يستطيع الميل بالنصوص المستقيمة لتغليب الظالم على المظلوم، والاستقامة هي الدعامة الأولى لتغليب الخير في الحياة، فإذا لم تنصلح النفوس بالاستقامة أظلمت الآفاق، وسادت الفتن حاضر الناس ومستقبلهم لذلك يقول الله عز وجل: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" [سورة الرعد، الآية: 12]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته يتبع